نعم؛ السُّنَّة (مُهَمّشون)! (1)
    الأثنين 8 فبراير / شباط 2016 - 14:38
    نزار حيدر
      لإذاعة (صوتُ العرب من القاهرة) في برنامج (خطوطٌ حمراء):   

       السّؤال الاوّل؛ لماذا تمّ تقسيم العراق بعد عام ٢٠٠٣؟.

       الجواب؛ لم يتم تقسيم العراق بعد سقوط نظام الطّاغية الذليل صدّام حسين في التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣، وان مَن يُشيعُ ذلك هم أيتام الطّاغية والذين يكرهون رؤية العراق في ظل نظام ديمقراطي للاغلبية فيه دورٌ في الحياة السّياسية كما للأقليّة، مهما كان نوع الأغلبيّة والأقليّة.

       وإذا كان الطّاغية قد حكم العراق بالحديد والنار وبالسياسات الطّائفية والعنصريّة والحروب العبثيّة وتغييب ارادة المواطن، فانّ عراق ما بعد الطّاغية تم بناء نظامهِ السياسي على أساس ارادة المواطن من خلال صندوق الاقتراع والشّراكة الحقيقيّة بين مختلف مكوّنات المجتمع العراقي.

       فمثلاً؛ كان الطّاغية يعتمد في الإدارات المحليّة في المحافظات وغيرها على عناصر من لونٍ مذهبي واحد بل ومن منطقة جغرافية محدّدة، فلم تسمع يوماً ان محافظ ايّة محافظة في الجنوب من أهل الجنوب الا بالصّدفة، كما لم تسمع يوماً ان المحافظ في المحافظات ذات الأغلبية الكردية من الكرد الا بالصّدفة وعن طريق الخطأ، وهكذا الحال بالنسبة الى المدراء العامّين للشّرطة والأمن وغير ذلك.

       امّا اليوم ومنذ سقوط الطّاغية؛

       ففي العاصمة بغداد ليس هناك مؤسّسة من مؤسسات الدّولة سواء المدنيّة او العسكرية، التشريعية او التنفيذية او القضائية، ليس فيها من مختلف شرائح ومكونات المجتمع العراقي، ينطبق هذا الحال على مجلس النّواب ومجلس الوزراء والسّلطة القضائية، الى جانب مجلس محافظة بغداد والمحافظة وامانة العاصمة وغيرها، وعلى كلّ المستويات.

       وفي المحافظات، تتشكّل كلّ مجالس المحافظات والادارات المحليّة والمحافظة وشخص المحافظ من أهلها، هذا من جانب، فيما تتشكّل المحافظات المتنوّعة المكوّنات من ابناء كلّ المكونات كذلك.

       هذا على صعيد السّلطة والإدارة، امّا على الصّعيد الاجتماعي والسّياسي، فلازال العراق يتشكّل من الأُسر متنّوعة الانتماءات الدّينية والعرقية، فيما عادت ظاهرة التنوّع السّياسي والفكري والحزبي الى الأسر العراقيّة من جديد والتي كانت معروفة بها منذ زمنٍ بعيد، قبل ان يقضي عليها الطّاغية بسياساتهِ الارهابيّة وسلطتهِ الحزبيّة الشّمولية المطلقة.

       ففي العراق ترى اليوم التنوّع في الاسر العراقيّة بشكلٍ واضح وفي كلّ المناطق والمحافظات، فترى في الاسرة الواحدة مثلاً اختلاط الاثنيّات العربيّة والكرديّة والتركمانيّة الى جانب الاختلاط الشيعي والسنّي، كما ترى الأب والأولاد موزّعون بين الاتّجاه القومي والآخر اليساري والثالث (الاسلامي) والرّابع الليبرالي، وبين المتديّن والآخر غير الملتزم، وهكذا.

       امّا القول بانّ سقوط الطّاغية خلق الانقسامات في الدّين والمذهب والإثنيّة، فهذا محض افتراء وكذب ودجل الغرض مِنْهُ تضليل الرّاي العام، لتبرير الواقع المرير الذي عاشهُ العراق منذ زمن بعيد، وتحديداً للتّغطية على السّياسة الطّائفية والعنصرية التي وظّفها وكرّسها الطّاغية خلال (٣٥) عاماً من السّلطة الشّمولية المطلقة.

       قد يكون سقوط الطّاغية اماط اللّثام عن هذه الانقسامات

    في السّلطة والحكم، ولكنّهُ لم يخلقها ابداً، ولهذا قصّة اخرى وأسباب مختلفة سنتحدّث عنها فيما بعد.

       انّ العراق كان مقسّماً إثنياً وطائفياً زمن الطّاغية على صعيد السّلطة والإدارة، الا انّ ذلك كان تحت الطّاولة، كما يقولون، ولم يجرؤ احدٌ على الاصحار به والحديث عنه او التشكّي منه.

       ان السّياسات الطّائفيّة والعنصريّة قديمة في العراق، تعود، في العصر الحديث، الى زمن سلطة الدّولة العثمانيّة، فبالعودة، مثلاً الى مذكّرات (المس بيل)  والتي تنقل فيها مثلاً كيف انّ معلِّمَين إثنَين في مدرسةٍ وَاحِدَةٍ، يتقاضى فيها المعلّم السنّي المذهب ضعف مرتّب المعلّم الشّيعي المذهب ليس الا لاختلاف المذهب! او كيف انّ السيد عبد الرحمن النقيب، وهو اوّل رئيس وزراء في سلطة الاحتلال البريطاني عام (١٩٢١) كان يرفض توزير حتّى وزيراً شيعياً واحداً، بدوافع طائفيّة، في اوّل حكومة شكّلها في بغداد، لولا انّها أقنعتهُ، في نِهاية المطاف، بانّ عليه ان يستوزر أحد الشّيعة (لخاطرِها)!.

       بسقوط الطّاغية في التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣ شعر العراقيّون انّ فرصةً جديدةً سنحت لهم ليشاركوا في السّلطة بعيداً عن كل السّياسات الطّائفيّة والعنصريّة، مشاركة تُتيح للجميع بلا استثناء ان يكون لهم دورٌ في السّلطة والإدارة، وهذا ما كان، الا انّ المتضرّرين من ذلك أشاعوا انّ الأغلبية همّشت المكوّن السني في السّلطة الجديدة، او ان ذلك، المشاركة الشّاملة، يعني إثارة التقسيمات العرقيّة والدينيّة والمذهبيّة، وللاسف الشّديد فلقد نجحوا في تضليل الرّاي العام بدرجةٍ كبيرةٍ يُؤسف لها.

       وانا هُنا اعترفُ وبوضوحٍ انّ السُّنّة هُمِّشوا بالفعل في العراق الجديد اذا ما قارنّا مشاركتهم ودورهم الجديد مع مشاركتهم ودورهم في عهد الطّاغية الذليل، ففي ذلك العهد لم يكونوا مشاركين وانّما كانوا هم السّلطة وهم الحاكمين الوحيدين في العراق فكلّ شيء بأيديهم، مجلس قيادة الثّورة والرّئاسة والحكومة والأمن والمخابرات والجيش والمحافظين والسفراء والبعثات وكلّ شيء، امّا اليوم فانّهم يشتركون مع الاخرين، فالمقارنة بين العهدَين تبيّن لنا بِما لا يدع مجالاً للشكّ من انّهم اليوم مهمّشون بدرجةٍ كبيرةٍ، فبين السّلطة المطلقة والشّراكة الحقيقيّة بَونٌ شاسِع! أليس كذلك؟!.

       إِنَّهُم موجودون في كلّ مفاصل الدّولة، ولكنّهُم مُهمّشون (!!!) لانّ السّلطة المطلقة لم تَعُد بأيديهم، وهذا هو معنى التّهميش، ولانّهم كذلك، ولذلك فالعراق مُقسّم! لانّ عراقاً لا يحكمونهُ هم هو عراقٌ غير موحّد!.

       يتبع

       ٧ شباط ٢٠١٦

                           للتواصل؛

    E-mail: nhaidar@hotmail. com

    Face Book: Nazar Haidar

    WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

    (804) 837-3920
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media