[التكتيك البعثي قبل وبعد 8 شباط الأسود]
    الأثنين 8 فبراير / شباط 2016 - 22:31
    الخليل علاء الطائي
    محلل سياسي
    روى لي أحد الأصدقاء القدامى, وكان بعثياً في الحرس القومي أيام إنقلاب شباط الدامي وهو دون الثامنة عشر من العمر, بعد سقوط البعثيين في 18 تشرين من نفس العام على يد عبد السلام عارف.... يقول ( فوجئنا يوم الإنقلاب وإعلان الحكومة بوجود أشخاص - بعثيين- أكبر منا في العمر مثل البكر وعماش وغيرهم. كان الإعتقاد السائد إن الحزب يخص المراهقين وطلاب الإعداديات فقط, لأن طبيعة الأعمال الموكلة للبعثيين كانت تنسجم مع السلوكيات الصبيانية كالتهريج وإثارة الفوضى وترويج الدعايات وقطع الطرق على الشيوعيين والتهديد بالقتل وأعمال الشقاوات)... ويضيف هذا البعثي القديم والذي تخلى عن السياسة جملةً وتفصيلاً..(لأن التعليمات التي تنزل للبعثيين كانت من النمط الدعائي,الديماغوجي, تستهدف حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم والشيوعيين والديمقراطيين وتشويه المنجزات كالقوانين والإصلاحات والتحولات الجديدة, وإثارة النعرات الطائفية والدينية وإستغلالها في الهجوم على عبد الكريم قاسم وعلى الشيوعيين....)( إكتشفنا, أو بعضنا من الذين صدموا بحقيقة البعث, أن أفكار الحزب لاتنسجم مع الواقع بالمقارنة مع الفكر الماركسي بعدما قرأنا القليل المتيسر من الأدبيات الماركسية وفيها النظرة إلى العالم وتحليل الظواهر الإجتماعية ونقدها لنكتشف البون الشاسع بينها وبين ما يطرحه البعث من مثاليات وغيبيات كالرسالة الخالدة والأمة الواحدة, نقطة البداية, والإشتراكية... فوجئت بعنوان النشرة الداخلية " الإشتراكي" التي توزع للأعضاء. وأقرأ الشعار وحدة وحرية وإشتراكية وأتساءل أية وحدة ونحن نصارع الجميع وأي حرية في وقت تحولت الملاعب والأقسام الداخلية إلى معتقلات للتعذيب؟ وأية إشتراكية وكيف تكون ونحن نمارس التصفيات الدموية لمن يفكر بالإشتراكية أو الديمقراطية أو يختلف مع البعث؟.وبدون تحليل أو إعادة قراءة وتفسير لأي نص ومدى تطابقه مع الحياة وتطوراتها؟ 
    إنتهى الإقتباس بالإعتماد على الذاكرة. كان حزب البعث, وما زال, أداة تنفيذ للمخططات الخارجية, فالنهج الموجه للأعضاء – نفذ ثم ناقش – ينطوي على مفهوم حق القدرة على (التفكير) للجهات العليا أو الخارجية فقط أما الأعضاء وما يسمى جماهير الحزب فعليها تمهيد المناخ التآمري وخلق الأجواء المناسبة للإنقلاب كالإضرابات الطلابية المفتعلة وإضراب سواق السيارات وإن هذه الجماهير غير قادرة على التفكير والمشاركة في إتخاذ القرار, إنما هي أدوات بلا إرادة.
    ترى من هو هذا الكائن أو الجهاز الآمر الناهي الذي يدفعك إلى الموت دون أن تسأل أو تناقش ولا تعترض؟. لذلك توجهت خطابات القيادات البعثية إلى شرائح الشباب والمراهقين وإلى كافة الفئات التي ضُربت إمتيازاتها السابقة كبقايا الإقطاع وعملاء المخابرات الخارجية والقوميين من العرب والأكراد وبعض الفئات الدينية التي تضررت من القوانيين الجديدة كقانون الأحوال الشخصية وقانون الإصلاح الزراعي وقانون رقم 80 الذي حدد مصالح شركات النفط. 
    كانت الدعاية من أهم الوسائل في تقويض العلاقات السياسية والإجتماعية الجديدة, وفي الدرجة الأولى العلاقة بين شخص الزعيم عبد الكريم قاسم وبين الحماهير الفقيرة المساندة له من جهة ومن جهةٍ أُخرى إستهداف العلاقة بين الزعيم وبين الحزب الشيوعي العراقي الذي إستحوذ على الشارع العراقي بشكل أثار الرعب في الأوساط المخابراتية العالمية والعربية ووكائها وعملائها في الداخل وفي مقدمتهم البعثيين.
     نجح البعثيون في تحقيق هذا الهدف الذي مهد لإنقلابهم في الثامن من شباط عام 63 لكنهم لم ينجحوا في كسر العلاقة بين الزعيم والشعب الفقير المؤيد له, حتى أن دباباتهم التي دخلت بغداد أُلصقت على صدورها صورة الزعيم المطبوعة بالأسود والأبيض وبالنسخة العسكرية الرسمية التي كانت سائدةً في ذلك الوقت وبقاس واحد حجم متوسط وكأنها طبعت جاهزةً لذلك اليوم وقد شاهدت رتل الدبابات بنفسي على السدة الترابية المحاذية لمنطقة باب الشيخ.
    نجحوا في إختراق هذا الحاجز الشعبي الموالي لثورة تموز وزعيمها والحزب الشيوعي العراقي. إستخدم البعثيون لغة ودعاية التسقيط السياسي , فكل من عاصر تلك الفترة يستطيع أن يتذكر الحملة المعادية للشيوعية وتحريف الشعارات القومية بإتجاه معاداة الشيوعية مثل ( فلسطين عربية فلتسقط الشيوعية). كانت عقدة البعثيين تتمثل في مواجهة ما أطلقوا عليه ( المد الشيوعي) والذي تجسد في مسيرة الملايين في الأول من آيار عام  1959. وعقدة الشعور بالنقص لديهم من شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم – ألغريب أن صدام حسين كان يعاني من هذا النقص فراح يقلد شخصية الزعيم في الزيارات للأحياء وبيوت المواطنين... مع الفارق بين حقيقة الزعيم وبساطته وبين هذا المزيف وأرتال حماياته – نجحوا في تهيئة الأجواء للإنقلاب بإفتعال الأزمات وتوظيف نقاط الخلل في التركيبة الإ جتماعية العراقية لصالح المؤامرة, ومن يتذكر ذلك الزمن لا يستغرب الأساليب البعثية المتحركة في هذا الزمن كنشاطات الخلايا البعثية النائمة والمتحركة عندما يكون حراكها منسجماً مع القوى الجديدة , الإرهابية والتحالف معها, كنشاطهم في مخيمات الذل والعار والتي إعترف بها عبد الباقي السعدون . من هنا نستطيع أن ندرك الدور الذي أوكل إلى الأجيال الناشئة وإستغفال بدائيتها السياسية ووعيها الناشيء قبل أن تُدرك وتستنتج أن خلف هذا التشويه للحقائق وتزوير التأريخ قوى ينبغي أن تكون ناضجة وعقلانية وواعية, ينبغي أن تكون حريصة صادقة ومثقفة وراشدة, لقد إنكشفت حقيقتهم لجماهيرهم بعد سقوط حرسهم القومي. وإنكشف دورهم الأخلاقي المشين في علاقاتهم مع حلفائهم وشركائهم في التآمر وتنفيذ الإنقلاب, الأمر الذي دفع حليفهم جمال عبد الناصر على رفضهم والتشهير بهم والتصريح في خطاب شهير بأن حزب البعث ( حزب بدون أخلاق) وكان يرد على مشروعهم( مشروع علي صالح السعدي) بإنضمام العراق للوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة( سوريا ومصر) في ذلك الوقت, من قبل الوفد المكون من عفلق وعلي صالح السعدي وآخرين.
    إستخدموا الكذب والتلفيق على نهج غوبلز وزير دعاية هتلر ( إكذب ثم إكذب حتى يصدقك الناس ثم إكذب وإكذب حتى تصدق نفسك ) وما أذاعوه من برقيات تأييد بأسماء القادة العسكريين الذين وقفوا ضد الإنقلاب ومن أودع السجن, فضلاً عن سيل الأكاذيب المعادية لعبد الكريم قاسم وللحزب الشيوعي العراقي وقد إعترفوا فيما بعد بكل هذه الإفتراءآت وإعتبروا ذلك من أساليبهم النضالية وكانوا يتغنجون بها ويتضاحكون في جلساتهم مع سيدهم المقبور في كل مناسبةٍ وأُخرى. ومن تلك الإفتراءآت المفبركة حادثة حرق القرآن من قبل البعثيين وإسناد الحادثة على الشيوعيين وقد كشفها فيما بعد حسن العلوي البعثي القيادي والحارس القومي سابقاً – ينظر مقال الدكتور صادق إطيمش بعنوان " مجرمو شباط" الرابط أدناه – (* ).
    ومن أخبث الأساليب التي إتبعوها إستهداف الأسماء والشخصيات القيادية في حكومة ثورة تموز وتشويه سمعة هذه الأسماء والحط من مكانتها بين الجماهير, الأمر الذي نستقرؤه الآن في ممارساتهم الدعائية وخطابهم الإعلامي الجديد المنسجم مع تكنولوجيا التواصل الإجتماعي وحرية النشر في الصفحات الشخصية والمواقع المفتوحة لهم وبشتى الذرائع والحجج من قبيل حقوق الإنسان وتهميش الطائفة (كذا) والبكاء على أطلال المساجد وحتى إختراق التضاهرات السلمية وتزعمها, وإستخدام مطالب الحق وما يراد لها من باطل, وتصعيد المطاليب تدريجياً حتى بلوغ (التأزم الشامل) الذي يعني إسقاط العملية السياسية وإعادة البعثيين بعنوان جديد وربما بنفس العنوان ومن قبل أحفاد القتلة من الإرهابيين.
    لقد فشل هذا النهج وما يدور الآن من معارك في عقر دارهم إنما لتطهير الأرض منهم. ففي الوقت الذي يواصلون فيه نهج الإعلام المضاد تشارك أطراف منهم في   العملية السياسية من أجل تعطيلها وتأزيم الأوضاع تقوم أطراف منهم بالتخطيط والتنفيذ للعمليات الإرهابية في المدن وفي التجمعات السكانية.
    إعتاد البعثيون على مفهوم القوة ولغة القوة وذلك يعني أن خطابهم في حالات الضعف والهزيمة يختلف عنه في حالات تسلطهم. فهم جلاّدون وفاشيون في السلطة أما خارج السلطة مع فقدان سلاح السلطة فهم إنتهازيون ويقدمون التنازلات المذلة وهنا أستذكر مناسبتين حدثتا مع المدعو أحمد حسن البكر... الأولى كانت بعد سقوط الحرس القومي بأيام يوم نشرت الصحف القومية مانشيتات بالأحمر تقول أن أحمد حسن البكر يعتزل السياسة ويتفرغ لشؤونه المنزلية وتربية الأبقار والدواجن في مزرعته الخاصة , ومع العناوين الكبيرة إعترافاته وصورته على الصفحات الأولى لذلك اليوم..وأنا- كاتب هذا المقال- أتمنى أن ينهض أحد الباحثين في إرشيف الصحف وينشر تلك الإعترافات وبنفس الصحف القديمة. الحادثة الثانية يذكرها عبد الرزاق النايف في كتابه المنشور في لندن قبل إغتياله من قبل أجهزة صدام المخابراتية.
    يقول النايف إنهم كانوا يخططون لإنقلاب 17 تموز عام 1968 وكان إجتماعهم في بيت أحدهم ومعهم أحمد حسن البكر وتقرر إشراكه معهم شرط أن يُقسم بالقرآن برائتة من حزب البعث.( بالطبع لايتسع المجال هنا للتطرق حول تفاصيل هذه الإجتماعات والتخطيط للمؤامرة العالمية الرامية إلى تناقل في الأدوار لنفس القوى العميلة للمخابرات ودول الخليج وسيكون الطرف الخاسر فيها هو الشعب العراقي والقوى اليسارية التي إستعادت زمام المبادرة وأوشكت على إستلام السلطة بعد هزيمة حزيران المعروفة...) يقول عبد الرزاق النايف جلبنا نسخة من المصف وطلبنا من البكر أن يضع يده على المصحف ويقسم ببرائته من حزب البعث ففعل وأضفنا إسمه معنا... والعهدة على كتاب النايف الذي نُشر في حلقات في صحيفة (البينة الجديدة) قبل سنوات. 
    *
    http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=503893
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media