أشكاليات الشعر والتأليف من مدح الرسول الى وصف عضلات الرئيس
    الثلاثاء 9 فبراير / شباط 2016 - 23:11
    صادق الصافي
    كاتب واعلامي/ناشط مجتمع مدني
    لعل أعظم تكريم حصل عليه النبي محمد ,حين نال مالم ينله أحد غيره من البشر من صفات التعظيم والتكريم في قوله تعالى -وأنك لعلى خلق عظيم – فهذا الرجل العظيم سعى لان يخرج الأمة من ظلمات الجاهلية الى نور العلم والايمان فأستحق بجدارة هذا الوصف الآلهي.
    وحتى لا نخلط بين أمرين,لابد من التمييز,وهنا تكمن الأهمية...؟
    فالأمر الأول-منذ أنطلاق الدعوة الأسلامية بدأ الأفتخار بالدين الجديد وذم ماقبله من صفات الجاهلية وهجاء أزمنتها,فظهرت أسماء شعراء عاصروا الرسول الكريم ,عرفوا بالفصاحة والبلاغة وجزيل القول واللفظ وأمتازوا بأنشاد أرقى وأجمل الأشعار في مدح نبي الاسلام وجسدوا محبتهم له قولا و فعلا , حتى سموا شعراء الرسول ومنهم – حسان بن ثابت الخزرجي,كعب بن مالك الانصاري,و عبدالله بن رواحه,وهو الصحابي الجليل الذي بشرالمسلمين بالنصر في غزوة بدر,وأستشهد في معركة مؤته-قرب الاردن الان-مع
    جعفر الطيار فحزن الرسول عليهما ,وقال في فراقه ونعاه – رحم الله عبدالله بن رواحه, أنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة-

    الأمر الثاني-أشكالية مدح الحكام-ملوك-رؤساء-أمراء- رغم تصنيفها دينيا وأخلاقيا من النفاق,وهو نوع من التزلف والتملق والثناء عليهم ومدحهم بما ليس فيهم , فقد ورد عن النبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- انه قال قبل أربعة عشر قرنا من الزمان- أذا
    رأيتم المداحين فأحثوا في وجوههم التراب – فالمنهي عنه المبالغة والكذب والنفاق في المدح.

    وهكذا زاد الاعجاب والفخر بما قدمه الرسول من انجاز حتى أنظم العباس بن عبدالمطلب -عمه- في مدح النبي الكريم حيث قال
    وأنت لما ولدت أشرقت ال .......... أرض وضاءت بنورك الأفق
    فنحن في ذلك الضياء وفي .......... النور وسبل الرشاد نحترق
    وكذا عمه أبو طالب قال
    وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ....... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
    أما حسان بن ثابت شاعر الرسول محمد فقال قصائد عصماء منها
    وأحسن منك لم تر قط عيني ............ وأجمل منك لم تلد النساء
    خلقت مبرءاَ من كل عيب ................ كأنك قد خلقت كما تشاء
    وقال في قصيدة أخرى في مدح الرسول
    أغرعليه للنبوة خاتم ................ من الله مشهود يلوح ويشهد
    وفي قصيدة-البردة الشهيرة- قدم الصحابي كعب بن زهير شعراً رائعا 
    أن الرسول لنور يستضاء به ....... مهند من سيوف الله مسلول
    وقول عبدالله بن رواحه
    أنت النبي ومن يحرم شفاعته ........ يوم الحساب فقد أزرى به القدرُ
    فثبت الله ما آتاك من حسن .......... تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا

    وبعد وفاة النبي محمد,أمتدح الفرزدق آل البيت الكرام وخص في أحد قصائده الأمام زين العابدين علي بن الحسين -أحد احفاد النبي-
    هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
    هذا ابن خير عباد الله كلهم ..... هذا التقي النقي الطاهر العلم
    كما قدم مهيار الديلمي عشرات القصائد في مدح آل البيت النبوي وخصال الرسول الكريم,وتميز البوصيري بخصوصية للكثير من المؤرخين بأعتباره من أهم شعراء المديح النبوي في قصيدته – الكواكب الدرية في مدح خير البريه –قيلت في القرن السابع الهجري-وهي من أجمل قصائد المدح
    أمن تذكر جيران بذي سلم  .............. مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
    أم هبت الريح من تلقاء كاظمة ..... وأومض البرق في الظلماء من أضم
    وبرز عبدالله الحموي-القرن التاسع الهجري-بشعر المديح النبوي
    شدت بكم العشاق لما ترنموا .... فغنوا وقد طاب المقام و زمزم
    وقال شرف الدين البوصيري في مدح الرسول الكريم
    محمد سيد الكونين والثقلين .... والفريقين من عرب ومن عجم
    هو الحبيب الذي ترجى شفاعته ... لكل هول من الأهوال مقتحم

    نعود للأمر الثاني2- يقول أبن الجوزي* أذا أردت أن تعرف قدرك عند الملك,فأنظر فيما يستخدمك,و بأي الاعمال يشغلك.؟ كم عند باب الملك من واقف, لكن لا يدخل اِلا من عني به, ما كل قلب يصلح للقرب, ولا كل صدرٍ يحمل الحب .؟

    قصة تقديس الملوك والحكام ورفع منزلتهم بما ليس فيهم, قديمة جدا قِدَم التأريخ ,الكثير من بائعي الكلام في نظم الشعرحباً وهياماً يتغنون فيهم بقلة أدراك وجهل, كما ان هناك الكثير من الكتاب والمؤلفين يحشون رؤوسنا بفارغ الكلام عن الرئيس او الملك الحاكم طلباً للتكسب بالمال والجاه- ولا ملامة على جاهل -يستخدمون أحاديث مزورة – أطع الحاكم حتى لو ضرب ظهرك وأخذ مالك – متناسين قوله تعالى –- أن الملوك أذا دخلوا قرية أفسدوها,وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون –
    حتى ننصدم بأكتشاف أحاديث أخفوها عنا – قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – سيكون من بعدي سلاطين الفتن ,على أبوابهم كمبارك الأبل,لايعطون أحد شيئاً,أِلا أخذوا من دينه مثله –
    أذا تابعنا مسيرة بعض الشعراء في العصور كافة,نجد ان الشاعر البحتري قد نشأ فقيراً,لكنه أنتهى غنياً لسعيه الدؤوب للأكتساب في مدح الخليفة والوزراء والحاشية,حتى أصبح المديح عنده وكثير من أمثاله بيع وشراء وأخذ وعطاء.؟ ومن المعتز نال مالاً من العطايا والهبات وحصل على جاهاً كبيرا.
    وكان المتنبي مداحاً وصل حد المبالغة بالمدح ومعه غيره من الشعراء يتحدون بعضهم ويقتاتون على الأطراء وفضول القول والثناء للكسب المادي ونيل الحظوة والتقرب للحاكم.
    وفي العصر الحديث خصوصاً في القرن العشرين تطور أمر المدح والرياء والنفاق للرؤساءوالملوك والوزراء والبلاط في قصائد الشعراء فشمل كبار من الاساتذة وتناولت أطروحات الدكتوراه التفنن بوصف عضلات الرئيس وقوته وسباحته في النهر, كيف بايعناه, وذبنا بحبه بايعناه بالدم و أنتخبناه,لقد أجتمع بباب هؤلاء السلاطين العرب جميعاً مالم يجتمع عليه الشعراء والكتاب والمداحين في باب الخلفاء في العصرين الاموي والعباسي, فسقطت أسماء وتوغلت في المدح.. حتى الجواهري تورط و لم يسلم من هذا الداء في مدحه المبالغ فيه لملك الاردن الراحل الحسين بن طلال , حيث قال الجواهري في قصيدته
    ياسيدي أسعف فمي ليقولا ...... في عيد مولدك الجميل جميلا
    أسعف فمي يطلعك حراً ناطقاً .... عسلاً وليس مداهناً معسولا
    ياأيها الملك الأجل مكانةً ......... بين الملوك و يا أعز قبيلا
    التناقض الذي وقع فيه الشاعر نزار قباني سبقها بالسنة الحسنة في مدح الرسول في قوله
    عز الورود وطال فيك أوام ....... وأرقت وحدي و الأنام نيام
    ورد الجميع ومن سناك تزودوا ... وطردت عن نبع السنى وأقاموا
    ومنعت حتى أن أحوم ..ولم أكد .... وتقطعت نفسي عليك وحاموا
    قصدوك وأمتدحوا ودوني أغلقت ... أبواب مدحك ,فالحروف عقام
    أدنوا فأذكرها جنيت فأنثني .........خجلاً تضيق بحملي الأقدام
    كيف الدخول الى رحاب المصطفى ... والنفس حيرى والذنوب جسام
    تحولت أشعار نزار الى سنة سيئة عندما مدح أمراء النفط والخليج ومدح صدام وأسبغ عليه صفات آلهيه,لكن نزار عاد فأحرق الأخضر واليابس وعاد لهجاء ملوك العرب و خص صدام بهجاء يحمل أفضع الالفاظ بعد فشله وهزيمته في حرب الخليج حيث قال ...مضحكة مبكية معركة الخليج.. فلا النصال أنكسرت على النصال ... و لا الرجال نازلوا الرجال ... ولا رأينا مرة أسوار بانيبال ... فكل ما تبقى لمتحف التأريخ ... أهرام من النعال ..؟؟؟؟
    كثيرين – كتاب وشعراء وفنانين ورسامين-عرب واجانب و عراقيين – قبضوا ثمن خدماتهم وتأييدهم للحكام والأنظمة الدكتاتورية عندما رفعوا الطغاة الى مصافي الآلهة وتسابقوا لالقاء الاشعار و تأليف الدواوين ومؤلفات الكتب وأطروحات الدكتوراه- من التمجيد -حراس البوابة الشرقية- الى – عضلات السيد الرئيس- و غيرها العشرات ,وها هم  أغلبهم بيننا- يحتلون أهم الوظائف- بلا خجل ولا أعتذار للشعب.؟
    لا والله والعباس- هكذا ذكر الشاعرالمندائي الأصل-الراحل حاليا-عبدالرزاق عبدالواحد-صاحب ديوان الأرض البهية- وهويمدح صدام بشعره بتأثر عاطفي هائل ويذكر قصة صداقته وحبه وأعجابه-بالنائب-ثم الرئيس-والمعرف بأنه- شاعر صدام-يمدح بكلام باهت تلك الايدلوجيات الخاوية الزائفه والسلاطين من حكام الخليج الى... صدام,حتى اعترف مره لأحد الصحف أنه قال في صدام مالم يقله المتنبي في سيف الدولة
    أدرك حدود الصبر لا تتزعزع ..... وقم ظهور الناس لا تتقطع
    فالسيل قد بلغ الزبى سيدي ..... وبيوت أهلك بالتقى تتدرع
    ولقد تحامينا بحيث فطيمنا لايفتدى و رضيعنا لا يرضع .؟.؟
    ورغم أزاحته وطرده من بلاط صدام ألا انه ظل يتوكأ لان يمسك بعودته ثانيه للمديح وظل يدعوو الى عسكرة المجتمع والحياة-في قصيدته أي الخيارين- بلى يالهيب القادسيات كلها ... وياسحبا للمجد جل أنهمارها—وبالغ في المدح -– فأن قلت ياصدام ,ناديت أمة ... لأن المنادى زهوها وفخارها .... وحصل له هذا في قصيدته – ياصبر أيوب-كما قدم لاحقا الرثاء لصدام معبرا عن حبه وعشقه بعينين دامعتين بوصفه فارسا و رئيسا عادلا كالخليفة عمر,او.. كملوك اسكندنافيا..؟
    وهناك من المتملقين الكتاب البارزين قال -تتفتح أبواب التأريخ فيدخل صدام حسين-
    وهناك جيش من الكتاب والشعراء-الذين يقولون مالا يفعلون-أغدقت عليهم الهبات والعطايا بالاموال والعقارات بلاطات وحاشية الملوك والرؤساء العرب ومنحتهم افخم الالقاب كما حصل للشعراء والكتب المداحين العراق  الذين امتهنوا ثقافة النفاق والتجييش نحو الحرب والعنف- عبدالرزاق عبدالواحد -شاعر الرئيس- وغزاي درع الطائي -شاعر الجيش-- وهو صاحب القصيدة--- حين بكيت سيدي الرئيس يوم الخميس –و رعد بندر – شاعر ام المعارك – وحميد سعيد- ومحمد جميل شلش وغيرهم كثيرين جدا
    كتب محمد جميل شلش بعد تغير حياته في السبعينات قصيدته المدحية للنائب صدام
    وأجّل ملحمة العقيدة والفدا ...أني أجلك أن أكون معاتبا
    وأجل ما تكنى به وأحبه .... أني أسمّيك الحبيب النائبا
    منهم من تاب ومن اعتذر ومنهم من انتقل لربه ,ولا زال البعض تائهون - في كل واد يهيمون –
    والعذر عند كرام القوم مقبول

    صادق الصافي -النرويج
    كاتب -و أعلامي- ناشط مدني

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media