أسوأ خطاب لأسوأ رئيس وزراء في تأريخ الدولة العراقية
    الأربعاء 10 فبراير / شباط 2016 - 13:32
    أياد السماوي
    كلّنا نتذّكر خطبة جمعة اضرب بيد من حديد , حين دعت المرجعية الدينية العليا رئيس الوزراء بأن يكون أكثر جرأة وشجاعة في خطواته الإصلاحية , ففي هذه الخطبة دعت المرجعية الدينية العليا رئيس الوزراء باعتباره المسؤول التنفيذي الأول في البلد إلى ثلاثة أمور هامة :

    أولا / أن يكون أكثر جرأة وشجاعة في خطواته الإصلاحية ولا يكتفي ببعض الخطوات الثانوية

    ثانيا / أن يتجاوز المحاصصات الحزبية والطائفية ونحوها , ويسعى إلى تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب

    ثالثا / أن لا يتردد من إزاحة من لا يكون في المكان المناسب وإن كان مدعوما من بعض القوى السياسية , ولا يخشى رفضهم واعتراضهم

    وحين أعطت المرجعية الدينية العليا هذا التفويض الواسع لرئيس الوزراء , كان الشعب العراقي في حالة هيجان والتظاهرات تعمّ كل المدن العراقية , حيث كانت الجماهير الهائجة تطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي الجذري , وكانت فرصة ذهبية قدّمتها المرجعية الدينية العليا على طبق من ذهب لرئيس الوزراء للانقلاب على المحاصصات الطائفية والحزبية وتشكيل حكومة كفاءات من التكنوقراط بعيدة عن الأحزاب السياسية والكتل السياسية التي توّرطت حد النخاع بالفساد المالي والإداري , وكان بإمكان رئيس الوزراء وبموجب صلاحياته الدستورية الممنوحة له وفق المادة 78 من الدستور العراقي , إقالة جميع الوزراء وتشكيل حكومة جديدة من الكفاءات بعيدة عن المحاصصات اللعينة والكتل السياسية الفاسدة , وفق الفقرة ثانيا من المادة 76 من الدستور العراقي , وتقديمها لمجلس النوّاب للتصويت عليها , ولم يكن لأحد من نوّاب التحالف الوطني الشيعي البالغ عددهم 183 نائبا , أن يجرأ ويرفض التصويت على هذه الحكومة التي طالبت بها المرجعية الدينية العليا والجماهير الهائجة . 

    وفي خطابه مساء يوم أمس فاجأ رئيس الوزراء الشعب والرأي العام العراقي الذي كان ينتظر التغيير الوزاري الذي تحدّثت عنه وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية , بتخليه عن صلاحياته الدستورية الممنوحة له بموجب الدستور العراقي ويرمي بها في خانة مجلس النوّاب العراقي في خطوة لا أحد يعرف أسبابها ولماذا تخلّى عن صلاحياته الدستورية ؟ سأكتفي بنقل هذا الجزء الأهم من خطاب رئيس الوزراء لمناقشته وفق ما جاء في الدستور العراقي :

    ( يا أبناء شعبنا العزيز .. لقد تمّ اختيار السادة الوزراء في الحكومة الحالية على أساس اختيار الكتل السياسية في مجلس النوّاب كما ينص الدستور على ذلك وضمن التمثيل السياسي وحجم الكتل السياسية في مجلس النوّاب , وقد أقرّها البرلمان على هذا الأساس , غير أنني ومن منطلق المسؤولية والمصلحة العليا , ومن مستلزمات المرحلة لقيادة البلد إلى بر الأمان ادعو إلى تغيير وزاري جوهري , ليضم شخصيات مهنية وتكنوقراط وأكاديميين , وأدعو في هذا الأطار مجلس النوّاب الموّقر وجميع الكتل السياسية للتعاون معنا في هذه المرحلة الخطيرة ) .

    ولكي يطلّع الشعب العراقي على حقيقة موقف الدستور العراقي من خطاب رئيس الوزراء , أضع أمام الشعب و الراي العام العراقي الحقائق التالية :

    أولا / أنّ صلاحية اختيار الوزراء هي من الصلاحيات الحصرية لرئيس مجلس الوزراء المكلّف , وليس من صلاحيات الكتل السياسية كما يدّعي رئيس الوزراء , حيث نصّت الفقرة ثانيا من المادة 76 من الدستور العراقي على ( يتوّلى رئيس مجلس الوزراء المكلّف تسمية أعضاء وزارته خلال مدة أقصاها ثلاثون يوما من تأريخ التكليف ) .

    ثانيا / ليس من صلاحيات مجلس النوّاب التي وردت في المادة 61 من الدستور , اختيار الوزراء لتشكيل الحكومة , وبالتالي فإنّ دعوة رئيس الوزراء مجلس النوّاب لإجراء تغيير وزاري جوهري , تفتقد لأي أساس دستوري , وهي تخلّ وتنازل لرئيس الوزراء عن صلاحياته الدستورية الممنوحة له حصريا بموجب الدستور العراقي .

    ثالثا / إنّ هذا الخطاب يمّثل تراجعا وتخليّا عن تفويض المرجعية الدينية العليا التي منحته إياه وطالبته أن يكون أكثر جرأة وشجاعة في خطواته الإصلاحية , وان يتجاوز المحاصصات الطائفية والحزبية ونحوها , وأن يسعى لتعيين الشخص المناسب في المكان المناسب , وان لا يتردد في إزاحة من لا يكون في المكان المناسب وإن كان مدعوما من بعض القوى السياسية وإن لا يخشى رفضهم واعتراضهم .

    إلا أنّ رئيس الوزراء المتردد والضعيف , أبا في هذا الخطاب البائس , إلا أن يكون مترددا وهزيلا , ليضيّع على الشعب العراقي فرصته التاريخية للخلاص من المحاصصات والفساد والنهب للمال العام , فبؤسا لهذا الخطاب البائس وبؤسا لأسوأ رئيس وزراء في تأريخ الدولة العراقية .

    أياد السماوي / المنتدى الإعلامي الحر في العراق
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media