نُصُوصٌ وَشُرُوحٌ (3)
    الأثنين 25 أبريل / نيسان 2016 - 17:28
    نزار حيدر
          ثالثاً؛ لقد قرأ الامام أَمير المؤمنين (ع) النّصوص وقرأها (الصّحابي) خالد بن الوليد، الاوّل فهِم واستنتج منها ما لخّصهُ بقولهِ في عهدهِ الى مالك الأشتر {وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ} وفي قوله (ع) {وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، وَالاُْخْرَى المُعَاهَدَةِ، فيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلْبَهَا وَقَلاَئِدَهَا، وَرِعَاثَهَا، ما تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالاسْتِرْجَاعِ وَالاِسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ، وَلاَ أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِن بَعْدِ هَذا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً} وفي قوله {لَمْ يَكُنْ لاَِحَد فيَّ مَهْمَزٌ، وَلاَ لِقَائِل فيَّ مَغْمَزٌ،  الذَّلِيلُ عِنْدِي عَزِيزٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ لَهُ، وَالْقَوِيُّ عِنْدِي ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مَنْهُ، رَضِينَا عَنِ اللهِ قَضَاءَهُ، وَسَلَّمْنَا له أَمْرَهُ} وقولهُ عليه السّلام في رسائلهِ التي كان يكتبها لمن يبعثهُ على الصَّدَقَات {انْطَلِقْ عَلَى تَقْوَى اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَلاَ تُرَوِّعَنَّ مُسْلِماً، وَلاَ تَجْتَازَنَّ عَلَيْهِ كَارِهاً، وَلاَ تَأْخُذَنَّ مِنْهُ أَكثَرَ مِنْ حَقِّ اللهِ فِي مَالِهِ.

       فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى الْحَيِّ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاتَهُمْ، ثُمَّ امْضِ إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، حَتَّى تَقوُمَ بَيْنَهُمْ فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ، وَلاَ تُخْدِجْ بِالتَّحِيَّةِ لَهُمْ، ثُمَّ تَقُولَ: عِبَادَ اللهِ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اللهِ وَخَلِيفَتُهُ، لاِخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اللهِ فِي أَمْوَالِكُمْ، فَهَلْ لِلَّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ مِنْ حَقّ فَتُؤَدُّوهُ إِلَى وَلِيِّهِ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لاَ، فَلاَ تُرَاجِعْهُ، وَإِنْ أَنْعَمَ لَكَ مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ أَوْ تُوعِدَهُ أَوْ تَعْسِفَهُ أَوْ تُرْهِقَهُ، فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَهَب أَوْ فِضَّة، فَإنْ كَانَتْ لَهُ مَاشِيَةٌ أَوْ إِبِلٌ فَلاَ تَدْخُلْهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ، فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَلاَ تَدْخُلْها دُخُولَ مُتَسَلِّط عَلَيْهِ وَلاَ عَنِيف بِهِ، وَلاَ تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً وَلاَ تُفْزِعَنَّهَا، وَلاَ تَسُوءَنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا، وَاصْدَعِ الْمَالَ صَدْعَيْنِ، ثُمَّ خَيِّرْهُ، فَإِذَا اخْتَارَ فَلاَ تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ، ثُمَّ اصْدَعِ الْبَاقيَ صَدْعَيْنِ، ثُمَّ خَيِّرْهُ، فَإِذَا اخْتَارَ فَلاَ تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَ، فَلاَ تَزَالُ بِذلِكَ حَتَّى يَبْقَى مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِحَقِّ اللهِ فِي مَالِهِ، فَاقْبِضْ حَقَّ اللهِ مِنْهُ، فَإِنِ اسْتَقَالَكَ فَأَقِلْهُ، ثُمَّ اخْلِطْهُمَا، ثُمَّ اصْنَعْ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتَ أَوَّلاً حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّ اللهِ فِي مَالِهِ.

       وَلاَ تَأْخُذَنَّ عَوْداً، وَلاَ هَرِمَةً، وَلاَ مَكْسُورَةً، وَلاَ مَهْلُوسَةً، وَلاَ ذَاتَ عَوَار.

       وَلاَ تَأْمَنَنَّ عَلَيْهَا إِلاَّ مَنْ تَثِقُ بِدِينِهِ، رَافِقاً بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُوصِلَهُ إِلَى وَلِيِّهِمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ.

       وَلاَ تُوَكِّلْ بِهَا إِلاَّ نَاصِحاً شَفِيقاً، وَأَمِيناً حَفِيظاً، غَيْرَ مُعَنِّف وَلاَ مُجْحِف، وَلاَ مُلْغِب وَلاَ مُتْعِب. ثُمَّ احْدُرْ إِلَيْنَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ، نُصَيِّرْهُ حَيْثُ أَمَرَ اللهُ بِهِ.

       فَإِذَا أَخذَهَا أَمِينُكَ فَأَوْعِزْ إِلَيْهِ: أَلاَّ يَحُولَ بَيْنَ نَاقَة وَبَيْنَ فَصِيلِهَا، وَلاَ يَمْصُرَ لَبَنَهَا فَيَضُرَّ ذلِكَ بِوَلَدِهَا، وَلاَ يَجْهَدَنَّهَا رُكُوباً، وَلْيَعْدِلْ بَيْنَ صَوَاحِبَاتِهَا فِي ذلِكَ وَبَيْنَهَا، وَلْيُرَفِّهْ عَلَى اللاَّغِبِ، وَلْيَسْتَأْنِ بِالنَّقِبِ وَالظَّالِعِ، وَلْيُورِدْهَا مَا تَمُرُّ بِهِ مِنَ الْغُدُرِ، وَلاَ يَعْدِلْ بِهَا عَنْ نَبْتِ الاَْرْضِ إِلَى جَوَادِّ الطُّرُقِ، وَلْيُرَوِّحْهَا فِي السَّاعَاتِ، وَلْـيُمْهِلْهَا عِنْدَ النِّطَافِ وَالاَْعْشَابِ، حَتَّى تَأْتِيَنَا بِإِذْنِ اللهِ بُدَّناً مُنْقِيَات، غَيْرَ مُتْعَبَات وَلاَ مَجْهُودَات، لِنَقْسِمَهَا عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ (عليه السلام) فَإِنَّ ذلِكَ أَعْظَمُ لاَِجْرِكَ، وَأَقْرَبُ لِرُشْدِكَ، إِنْ شَاءَ اللهُ}.

       امّا الثّاني فقد فهِم منها ما انعكسَ على سلوكهِ بالشّكل التّالي؛ ففي الجزء الثالث من [(تاريخ الطبرى) ص ٢٢٤] ترد قصّة قتلهِ الصّحابي الجليل مالك بن نُوَيرة ونزوّه على زوجتهِ، وملخّص القصّة التى تمنّى العقاد فى عبقريّاتهِ أن تُمسح من صفحات وسجلِّ خالد لفضاعتها والتى تمّت أثناء حروب الردّة فى خلافة أبى بكر، وبعد أن قال لهم جنودُ خالد إنّا المسلمون، وردّ عليهم قوم مالك ونحن المسلمون، قالوا: فإن كنتُم المسلمين كما تقولون فضَعوا السّلاح، فوضعَ قومُ مالك السّلاح ثم صلّى هؤلاء وأولئك، فلما إنتهت الصّلاة باغتوهم وكتّفوهم وأخذوهم إلى خالد بن الوليد فسارع أبو قتادة الأنصارى وعبد الله بن عمر فدافعوا عن مالِك وقومه وشهِدوا لهم بالإسلام وأداء الصّلاة، إلا أن خالداً لم يصغِ إلى شهادتهِما، ولا إلى دفاع مالك عن نَفْسهِ ضدّ إتّهامهِ بالكفر، حتى أن مالكاً طلب من خالد أن يرسلهُ إلى أبي بكر ليحكُم بأمرِهم ولكن دون جدوى، حيث كان لخالدٍ ما أراد من قتلهم، وقد أوعز بالمهمّة إلى ضِرار بن الأزوَر (تاريخ الطّبري ج 3 ص 276 - 280) فقال له مَالِك: إنّي مُسلم، فقال خالد؛ يا ضِرار إِضرب عنُقهُ.

       وكان عبد الله بن عُمر وأبو قُتادة الأنصاري من شاهدي تلك الواقعة، وقد كلّما خالداً في أمر مالك قبل قتلهِ ولكنّهُ كرِه كلامَهما (تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 158 ووفيات الأعيان ج 6 ص 14) ونزل على زوجتهِ فى الليلة التى قتلَ فيها زوجها والتي رُويَ أنّها كانت من أجمل نساءِ العرب (العقاد: عبقريّة خالد)!.

       ويحكي إبن كثير فى كتابهِ أنَّهُ طبخَ برأسِ مالِك طعامَ هذه اللّيلة! وغضب أبو قتادة لدرجةٍ أَنَّهُ عاهد الله أن لا يشهد مع خالد حرباً بعدها، وغضبَ عمر غضباً شديداً لدرجةٍ أَنَّهُ قال لأبى بكر إِنَّهُ زنى فأرجمهُ، فرفض أبو بكر، فقال عمر: إِنَّهُ قتلَ مُسلماً فاقتلهُ، فرفض أبو بكر ثانيةً قائلاً: تأوّل فأخطأ (كتاب حياة الصحابة ج 2 ص 467 وتاريخ الطبرى ج 2 ص 274 والإصابة ج 5 ص 560).

       كما انّ فاطمة الزهراء (ع) بنت رسول الله (ص) قرأت النّصوص ففهِمت منها شي وعائشة (ام المؤمنين) هي الاخرى فاستنتجت منها ان تركبَ جملاً لتقودَ حرباً ضدّ (الخليفة) المُفترض الطّاعة الامام امير المؤمنين (ع) قُتِلَ بسببها (١٣٠) من ابنائها بذريعة الطّلب بدم الخليفة المقتول عثمان بن عفّان الذي كانت قد حرّضت عليه لقتلهِ بشعارِها المعروف (أُقتلوا نعثلاً فقد كفرَ).

       وهكذا قرأها الحسين السّبط (ع) الذي بكى قاتليه في يوم عاشوراء عام ٦١ للهجرة في كربلاء، ويزيد بن مُعاوية الذي فهم منها ما عبّر عَنْهُ بأبيات الشّعر المشهورة؛
           لَعِبت هاشمُ بالملكِ فلا     خبرٌ جَاءَ ولا وحيٌ نَزل

       واليوم يقرأها المرجع الاعلى في النّجف الأشرف السيد السيستاني وفقيه موزة يوسف القرَضاوي وفقهاء بلاط آل سعود والحزب الوهابي، وقرأتُها أنا وقرأها الإرهابي أبو بكر البغدادي، فلماذا فهم منها أُناسٌ الحياة والحبّ والرّحمة والتّعاون والتّعايش والرقّة والمداراةِ وإصلاح ذات البَين والوسطيّة، فيما فهِم منها آخرون القتل والذّبح والتمرّد والتّكفير والعُدوان والتّدمير والكراهية وحرق الجِثث وسبي النّساء والتعدّي على حقوقِ الآخرين؟!.

       الا يعني ذلك انّ الذي يترك أثرهُ على سلوكِ الانسان هو الشّروح وليست النّصوص؟ والا فالنّصوص واحدة لم تتغيّر منذ ان نزلت لتشرحَ صدرِ رسول الله (ص) بقولهِ عزّ وجلّ {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} امّا الشّروح فهي التي تتغيّر!.

       وكأبسط مقارنةٍ على ذلك، عُد الى قراءة رسالة المرجع الاعلى للمقاتلين في جبهات الحرب على الارهاب مثلاً او رسالتهِ الاخيرة للشّباب والنّصائح التي دوّنها لهم، ثمّ أَعِد قراءة ايّ نصٍّ من نصوص الاستفتاءات العامّة لفقيهٍ من فقهاء التّكفير، أو إصغِ الى خطبة الجمعةِ في العتبةِ الحسينيّة المقدّسة في مدينة كربلاء المقدّسة، ثمّ قارِنها بخُطَبِ الجمعةِ في مساجد الوهابيّين والتكفيريّين المتخلّفين المنتشرة في أَصقاع العالم.

       النّصوصُ واحدةٌ الا انّ الشّروح مُختلفة، فاذا اعتمدَ الخطابُ على شروحِ مدرسةِ أهل البيت (ع) فستلمَس وتتحسّس فيه الانسانيّة والحياة والحبّ والامل والمستقبل، امّا اذا اعتمد الخطابُ على شروح مدرسة الخلفاء فسوفَ لن تلمس فيه الا الموت والكراهية والبغضاء واليأس والماضويّة المقيتة، او ما يُطلِقون عليه صفة (السّلفيّة).

       يتبع

       ٢٥ نيسان ٢٠١٦

                           للتواصل؛

    E-mail: nhaidar@hotmail. com

    Face Book: Nazar Haidar

    WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

    (804) 837-3920
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media