نُصُوصٌ وَشُرُوحٌ (4)
    الأربعاء 27 أبريل / نيسان 2016 - 06:24
    نزار حيدر
       رابعاً؛ ولا أُجانب الحقيقة ابداً اذا قلتُ بأّن المدرسة الوحيدة التي شرحت النصوص شرحاً دينياً خالصاً هي مدرسة أهل البيت عليهم السلام، أمّا الاخرون فشروحَهم سياسيّة تأخذ بعين الاعتبار مصالحِ الحاكم او المصالح الخاصّة لهذا الطّرف او ذاك، ولهذا السّبب لم يلحظ حتى الأعداء أَيّة مثلبة او تناقُض في شروحات أهل البيت عليهم السلام للنّصوص، بل انّ شروحَهم نصوصٌ ونصوصهُم شروحٌ، امّا في المدارس الاخرى فإنها تمتلئ بالمتُناقضات والمثالب.

       ولهذا السّبب كذلك جاءت كلّ شروحات مدرسة أهل البيت عليهم السلام متطابِقة مع جوهر وفحوى النّصوص، بل انّها متطابقة مع روح الاسلام والرّسالة والرسول (ص) الذي قال عَنْهُ ربّ الْعِزَّة {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقولهُ تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.

       انّ منهج أهل البيت (ع) واحِدٌ لا يتجزّأ ولا يتغيّر، وهو نَفْسَهُ منهج الرّسول والرّسالة، فالاصول واحدة والمقاصد واحدة، ولذلك فانّ كلّ من ينطلق من مدرستِهم وأصولِهم ولا ينتهي الى نفس المقاصد فانّما هو مدلّس دجّال يوهِمُ المتلقّي بانّهُ ينتمي اليهم ولكنّهُ في واقع الحال هو ليس أكثر من مدّعي لا ينتمي اليهم الا بالهويّة والاسم امّا الجوهر فعلى نقيضٍ منهم، وإنّ أمثال هؤلاء همُ الذين يصفهم ربّ الْعِزَّة بقوله {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ* وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ}.

       وبهذا الصّدد ينبغي الانتباه دائماً الى حقيقة في غاية الأهميّة، وهي؛

       انّ الانتماء الى المدرسة والمنهج لا يَكُونُ بالزّيّ مثلاً، فنتصوّر ان كلّ معمّم هو المدرسة، ابداً، فكم من معمّمٍ ضالٍّ وفاسد لا يُحسن كتابة جملة مفيدة!.

       وليس الانتماءُ بالدّم والقُربى، فكم من نبيٍّ او إمامٍ معصومٍ او مرجعٍ فقيهٍ ابتُليَ بأخيه او ابنهِ الضالّ الفاسد والمُفسد بلسانهِ وبيانهِ وخطابهِ المنحرف؟!.

       لقد حدّثنا القرآن الكريم عن ذلك بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ في قصّة النبيّ نوحٍ عليه السّلام، بقولهِ؛

       {وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ* قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ* قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ}.

       ينبغي الحذر من كثيرٍ من القُربى الذين يستغلّون العلاقات العائليّة والصّلات الأسريّة لتضليل الرّأي العام وتشويش السّاحة وتشويه الحقيقة، ولذلك قال امير المؤمنين (ع) {إِنَّ الْحَقَّ لا يُعرَفُ بِالرِّجالِ، إِعرِفِ الْحَقَّ تعرفُ أهله} ولذلك مثلاً قالَ عن الزُّبَيْر {مَا زَالَ الزُّبَيْرُ رَجُلاً مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ حَتَّى نَشَأَ ابْنُهُ الْمَشْؤُومُ عَبْدُ اللهِ} وللأسف فانّ اخطر مَن يجب علينا حذرهُ هم الزّبَيريّون الذين يعتمّون بعمامةِ رَسُولِ الله وينتمون الى أسرٍ علميّةٍ عُرفت بالفقاهةِ والمرجعيّة الا انّ افعالهم واقوالهم ومنهجهم أسوء من الزّبَيريّين! وصدق امير المؤمنين (ع) اذ قال {أَلاَ مَنْ دَعَا إِلَى هذَا الشِّعَارِ فَاقْتُلُوهُ، وَلَوْ كَانَ تَحْتَ عِمَامَتِي هذِهِ} فالعِمامة زيٌّ كأَيّة زيّ آخر، ليس لها قدسيّة أو اعتبارٍ مُسبق، فالعِبرة ليس بالعمامة وانّما بما تحتها من علمٍ يتمظهر في السلوكيّات بعملٍ صالح.

       خامساً؛ انّ كلّ نصٍّ يمكن شرحهُ وفهمهُ بطُرقٍ لا تُعَدُّ ولا تُحصى، كما اشار الى ذلك الامام أمير المؤمنين (ع) بقولهِ {إِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوه} تنتهي كلّها الى أحد مقصدَين متناقِضَين، أَشار إليهما القرآن الكريم بقولهِ {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}.

       والآن نصِل الى بيتِ القصيدِ ومَربطِ الفرس، وهو؛

       لماذا دعانا القرآن الكريم الى ان نأخذ ديننا، أي شروح النّصوص، من أهل البيت (ع) الذين قال عنهم {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} فقط دون سواهم؟! فقال تعالى {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ* لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ* تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ}؟.

       الجواب؛ لانّهم وحدهم فقط، وَكما أسلفنا، شروحُهم دينيّة وليست دنيويّة، دينيّة وليست سياسيّة.

       هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر فانّ النّصوص فيها تفاصيل كثيرة لا يقدر على سبرِ غورِها سواهُم.

       يقول أمير المؤمنين عليه السلام؛

       {كِتَابَ رَبِّكُمْ فِيكُمْ مُبَيِّناً حَلاَلَهُ وَحَرامَهُ، وَفَرَائِضَهُ وَفَضَائِلَهُ، وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ، وَرُخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ، وَخَاصَّهُ وَعَامَّهُ، وَعِبَرَهُ وَأَمْثَالَهُ، وَمُرْسَلَهُ وَمَحْدُودَهُ، وَمُحْكَمَهُ وَمُتَشَابِهَهُ، مُفَسِّراً جُمَلَهُ، وَمُبَيِّناً غَوَامِضَهُ، بَيْنَ مَأْخُوذ مِيثَاقُ عِلْمِهِ، وَمُوَسَّع عَلَى العِبَادِ في جَهْلِهِ وَبَيْنَ مُثْبَت في الكِتابِ فَرْضُهُ، وَمَعْلُوم في السُّنَّهِ نَسْخُهُ، وَوَاجب في السُّنَّةِ أَخْذُهُ، وَمُرَخَّص في الكِتابِ تَرْكُهُ، وَبَيْنَ وَاجِب بِوَقْتِهِ، وَزَائِل في مُسْتَقْبَلِهِ، وَمُبَايَنٌ بَيْنَ مَحَارِمِهِ، مِنْ كَبير أَوْعَدَ عَلَيْهِ نِيرَانَهُ، أَوْ صَغِير أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ، وَبَيْنَ مَقْبُول في أَدْنَاهُ، ومُوَسَّع في أَقْصَاهُ}.

       فهل يدّعي أَحد سِوى أهل البيت (ع) قدرتهُ على معرفةِ كلّ هذه التّفاصيل؟ ليتصدّى للشّروح ويأخذ مِنْهُ النّاس؟!.

       لقد سأَلَ أَمير المؤمنين (ع) مرّة قاضياً قائلاً لهُ {هَلْ تَعْرُف النّاسِخَ والمنْسُوخِ؟} فأجابهُ القاضي بالنّفي، فردَّ عليه الامام (ع) {لَقَدْ هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ} وهو حال الارهابيّين اليوم وفقهاء البِلاط وعلماء السّوء والعمائم الفاسِدة التي أَهلكت نفسَها وأهلكت الآخرين بشروحاتِها الباطلة وفهمها الأعوج للنّصوص، وتفسيراتهم التي يتبنَّونها إِمَّا لإِرضاءِ نزواتِهم وأنانيّاتهم وحماية مصالحهم الخاصّة، الحزبيّة الضّيّقة، أو لارضاء وُلاةِ نعمِهم، لانّهم لم يأخذوها من أهل البيت (ع).

       انّهم مصداق قول الله تعالى {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ}.

       إِنّ شروح أهل البيت (ع) فَقَط، والتي هي نصوصٌ، هي التي يتحقّق فيها الصّالح العام وكلّ مقوّمات الحياة الحرّة الكريمة، فهي التي تتحقّق في ظلّها كرامة الانسان وهي أغلى وأعظم مقصد يبتغيه المشرّع تعالى لعبادهِ الَّذِينَ خلق.

       وبمرورٍ سريعٍ على سيرة ومسيرة أهل البيت عليهم السلام فسوفَ لن يجد المنصِف ايّ سلوكٍ، مهما كان بسيطاً، يتعارض مع كرامةِ الانسان، بل حتى الحيوان كرامتهُ محفوظةٌ في نصوصِهم وشروحِهم.

       كيف؟ ولماذا؟.

       هذا ما نُجيبُ عليهِ في الجزء القادم.

       يتبع

       ٢٦ نيسان ٢٠١٦

                           للتواصل؛

    E-mail: nhaidar@hotmail. com

    Face Book: Nazar Haidar

    WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

    (804) 837-3920


  • نُصُوصٌ وَشُرُوحٌ (3) - نزار حيدر
  • نُصُوصٌ وَشُرُوحٌ (2) - نزار حيدر
  • نُصُوصٌ وَشُرُوحٌ (1) - نزار حيدر
  • 21/04/2016 - 23:35
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media