نُصُوصٌ وَشُرُوحٌ (5)
    الأربعاء 27 أبريل / نيسان 2016 - 21:51
    نزار حيدر
      للجواب على السّؤال، ينبغي ان نُفصّل الحديث قليلاً عن ثلاثة مستويات؛

       المستوى الاوّل؛ مكانة الامام علي (ع) وموقعه في النصّ ومنهُ، وأقصد به الكتاب والسنّة.

       المستوى الثاني؛ مكانة النص عند الامام علي (ع).

       المستوى الثالث؛ مقاصد النّصّ ومدى تطابق مقاصده (ع) معها.

       بالنّسبة للمستوى الاوّل، فقد تحدّث عَنْهُ رسول الله (ص) بقولهِ {عليٌّ أعلم النّاس بالكتاب والسُّنّة} وقوله (ص) {عليٌّ مع القرآن والقرآن مع عليٍّ}.

       امّا الامام علي (ع) نَفْسَهُ فقد تحدّث عن ذلك في أكثر من مناسبة، فقد رُويَ عن الأصبغ بن نباتة أنَّه قال: لمَّا بويع أمير المؤمنين علي (ع) بالخلافةِ خرج إلى المسجد فقال {سَلوني قبلَ أن تفقدوني فوالله إنَّي لأعلمُ بالقرآن وتأويلهُ من كلِّ مُدَّعٍ علمه، فوالذي فلقَ الحبَّة وبرأ النَّسَمة لو سألتموني عن آيةٍ لأَخبرتكم بوقتِ نزولها وفيمَ نزلَت} فلقد كان (ع) يعلم بخصوصيّات النّص بشكلٍ دقيقٍ وهو العلم الذي يحتاجهُ المرء لفهم النصّ، اي نصّ، فكان يَقُولُ {والله ما نزلَت آية إلاّ وقد علمتُ فيما نزلَت وأينَ نزلَت} وقوله (ع) {سَلوني عن كتابِ الله فإنَّه ليسَ من آيةٍ إلاّ وقد عرفتُ أَبِلَيلٍ نزلت أو بنهارٍ، في سهْلٍ أو جَبلٍ}.

       امّا في موضوعة النّاسخ والمنسوخ والخاصّ والعام، وهي من أخطر الموضوعات التي جهلها كثيرون فهلكوا وأهلكوا فيقول (ع) {ما نزلت على رَسُولِ الله (ص) آية إلاّ أقرأَنيها وأملاها عليَّ فكتَبتها بخطّي وعلّمني تأويلها وتفسيرها، وناسِخها ومنسوخها، ومُحكمها ومُتشابهَها، وخاصّها وعامّها، ودعا الله لي أن يُعطيني فِهمها وحِفظها، فما نسيتُ آيةً من كتابِ الله تعالى، وعِلماً أملاهُ عليَّ وكتبتهُ منذُ دعا الله لي}.

       امّا عن علمهِ (ع) بالنّص، فيكفيهِ ما أوردهُ الخاصّة والعامّة في ذلك، فعن إِبنِ مسعود أنَّه قال [إنَّ القرآن أُنزل على سبعةِ أحرفٍ، ما منها حرفٌ إلاّ وله ظهرٌ وبطنٌ، وإنَّ عليَّ بن أبي طالب (ع) عِنْدَهُ من الظّاهر والباطِن] وعن عبد الله بن عباس انّهُ قال [والله، لقد أُعطيَ عليّ بن أبي طالب (ع) تسعة أعشار العلمِ، وأيُم الله لقد شارككُم في العشرِ العاشرِ].

       ولقد تحدث الامام (ع) عن ذلك بقوله {... وما تركَ شيئاً علّمهُ الله من حلالٍ ولا حرامٍ ولا أَمرٍ ولا نهيٍ، كان أو يكون، ولا كتاب مُنزَل على أحدٍ قبلهِ من طاعةٍ أو معصيةٍ، إلاّ علّمنيه وحفَّظنيه، فلم أنسَ حرفاً واحداً، ثمَّ وضعَ يدهُ على صدري ودعا الله لي أن يملأَ قلبي عِلماً وفَهماً وحُكماً ونوراً} وهذا شيءٌ طبيعيٌّ جداً لمن قال عنه رسول الله (ص) {انا مدينةُ العلمِ وعليٌّ بابها فمَن أرادَ دخول المدينةِ فليأتها من بابِها} وقول الامام (ع) {علّمني حبيبي رسول الله (ص) الفَ بابٍ من العلمِ يُفتح لي في كلِّ بابٍ الفَ بابٍ} اي مليونَ بابَ علمٍ.

       انّ العلاقة الحميمة بين الامام (ص) والنّص وقربهُ من صاحب النّص ومُشرّعهُ هو الذي وضعهُ في هذه المكانة الفريدة والخاصّة التي ما وُضِعَ فيها أحدٌ غيرهُ، أوَلم يقُل رَسُولُ الله (ص) {يا عليّ ما عرِفَ الله الا انا وانتَ، وما عرِفني الا الله وانتَ، وما عرِفكَ الا الله وانا}.

       ولنترك أمير المؤمنين (ع) يحدّثنا بنفسهِ عن هذه العلاقةِ ويحدِّد لنا موضعهُ من رسول الله (ص).

       يَقُولُ عليه السلام {وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ، وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ: وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وليدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ، وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ، وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْل، وَلاَ خَطْلَةً فِي فِعْل.

       وَلَقَدْ قَرَنَ اللهُ تَعَالَى بِهِ (صلى الله عليه وآله) مِنْ لَدُنْ [أَنْ] كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَك مِنْ مَلاَئِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ، وَمَحَاسِنَ أَخْلاَقِ الْعَالَمِ، لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لي فِي كُلِّ يَوْم عَلَماً مِنْ أخْلاقِهِ، وَيَأْمُرُني بِالاقْتِدَاءِ بِهِ.

       وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَة بِحِرَاءَ، فَأَرَاهُ وَلاَ يَرَاهُ غَيْرِي، وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذ فِي الاِْسْلاَمِ غَيْرَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ.

       وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ (صلى الله عليه وآله) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا هذِهِ الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ: هذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ، وَتَرَى مَا أَرَى، إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيّ، وَلكِنَّكَ وَزِيرٌ، وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْر}.

       وبعد كلّ هذا الوصف الدّقيق، يُحسِنُ بِنَا ان نستنطقَ الامام (ع) عن مكانة أهل البيت (ع) في النّصِّ ومنهُ.

       *{تَاللهِ لَقَدْ عُلِّمْتُ تَبْلِيغَ الرِّسَالاَتِ، وَإِتْمَامَ الْعِدَاتِ (وَتَمَامَ الْكَلِمَاتَ) وَعِنْدَنَا ـ أَهْلَ الْبَيْتِ ـ أَبْوَابُ الْحُكْمِ وَضِيَاءُ الاَْمْرِ}.

       *{نَحْنُ الشِّعَارُ وَالاَْصْحَابُ، وَالْخَزَنَةُ وَالاَْبْوَابُ، [وَلاَ] تُؤْتَى الْبُيُوتُ إِلاَّ مِنْ أَبْوَابِهَا، فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً}.

       *{فِيهِمْ كَرَائِمُ الْقُرْآنِ، وَهُمْ كُنُوزُ الرَّحْمنِ، إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا، وَإِنْ صَمَتُوا لَمْ يُسْبَقُوا. فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ، وَلْيُحْضِرْ عَقْلَهُ، وَلْيَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الاْخِرَةِ، فَإِنَّهُ مِنْهَا قَدِمَ، وَإِلَيْهَا يَنْقَلِبُ}.

       *{نَحْنُ الُّنمْرُقَةُ الْوُسْطَى، بِهَا يَلْحَقُ التَّالِي، وَإِلَيْهَا يَرْجِعُ الْغَالِي}.

       *{نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وَمَحَطُّ الرِّسَالَةِ، وَمُخْتَلَفُ الْمَلاَئِكَةِ، وَمَعَادِنُ الْعِلْمِ، وَيَنَابِيعُ الْحُكْمِ، نَاصِرُنا وَمُحِبُّنَا يَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ، وَعَدُوُّنا وَمُبْغِضُنَا يَنْتَظِرُ السَّطْوَةَ}.

       *{انْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ، وَاتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدىً، وَلَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدىً، فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا، وَإِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا، وَلاَ تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا، وَلاَ تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا.

       لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله)، فَمَا أَرَى أَحَداً يُشْبِهُهُمْ مِنْكُمْ! لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً، قَدْ بَاتُوا سُجّداً وَقِيَاماً، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَخُدُودِهِمْ، وَيَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ! كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنهِمْ رُكَبَ الْمِعْزَى مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ! إِذَا ذُكِرَ اللهُ هَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى تَبُلَّ جُيُوبَهُمْ، وَمَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ، خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ، وَرَجَاءً لِلثَّوَابِ!}.

       *{هُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ، وَمَوْتُ الْجَهْلِ، يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ مَنْطِقِهِمْ، لاَ يُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، هُمْ دَعَائِمُ الاِْسْلاَمِ، وَوَلاَئِجُ الاْعْتِصَامِ، بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ فِي نِصَابِهِ، وَانْزَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ مُقَامِهِ، وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ، عَقَلُوا الدِّينَ عَقْلَ وِعَايَة وَرِعَايَة، لاَ عَقْلَ سَمَاع وَرِوَايَة، فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ}.

       يتبع

       ٢٧ نيسان ٢٠١٦

                           للتواصل؛

    E-mail: nhaidar@hotmail. com

    Face Book: Nazar Haidar

    WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

    (804) 837-3920


  • نُصُوصٌ وَشُرُوحٌ (4) - نزار حيدر
  • نُصُوصٌ وَشُرُوحٌ (3) - نزار حيدر
  • نُصُوصٌ وَشُرُوحٌ (2) - نزار حيدر
  • نُصُوصٌ وَشُرُوحٌ (1) - نزار حيدر
  • © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media