الحشد الشعبي والاصلاحات الجذرية والانتفاضة البرلمانية، هل هي حركات مترابطة؟
    الخميس 28 أبريل / نيسان 2016 - 18:50
    د. باسم سيفي
    معد ومحرر مجلة قضايا ستراتيجية
    منذ سقوط الدكتاتورية وطبقة النخبة العراقية في توسع في العدد والنفوذ والمكاسب، وتدخلات الخارج لم تتوقف يوما وان توقفت ترى من يدعوهم للتدخل فمعظم قادة الكتل والاحزاب لديهم علاقات ممتازة مع امريكا او ايران او السعودية او تركيا او حتى اسرائيل يستنجدون بهم عند الحاجة. ان نستخدم الخارج شماعة نعلق عليها مشاكلنا واوساخنا تبسيط فج ويعني تزكية انفسنا وقادتنا من مسؤولية ما يحدث من تدهور وسوء ادارة وانتشار فساد في العراق، وهو امر يجب ان نرفضه لانه يعني التخاذل واليأس من امكانية التغيير الايجابي والنهوض. لذا نرى من الضروري التركيز على العامل الداخلي ومحاولة فهم ما يجري من تطورات وما تتركه من تداعيات وتوفره من امكانيات ايجابية. فمن خلال القانون وصندوق الاقتراع يحاسب الشعب العراقي مسؤوليه على اعمالهم سلبا او ايجابا وليس لديهم مثل هذا الحق على مسؤولي الدول الاخرى.
    مشكلة العراق الاساسية هي في طبقة النخبة من سياسيين واداريين ومهنيين والذين ترعرعوا وتكاثروا ليس على اساس الحاجة العامة والقدرة بل على اساس خلق قاعدة من الموالين والمحسوبية والفساد فانخرط كثير من فاقدي الاهلية في العمل السياسي والاداري والمهني وفي مواقع متقدمة. فكم من السياسيين لا يفقهون في السياسة ولم تكن من اهتمامهم وكم من المدراء لا يحسنون فن الادارة وليست لديهم القدرة فيها وكم من مهنيي الدرجة الثالثة اصبحوا يتبوأون المناصب الرفيعة ومنهم من زور الشهادات او اشتراها من السوق العالمية او من سوق مريدي وكم من المستشارين والخبراء من هم يفتقدون العلم والخبرة. والسبب او الحافز هو المنافع الضخمة التي وضعت لاعضاء النخبة من رواتب ومخصصات خرافية الى صرفيات وامتيازات يقشعر منها البدن من قبل الامريكان اولا ثم تلقفها ساسة العراق ووسعوها بسم الخطورة والمظلومية مع التدهور الامني وظهور حاجة بناء الامبراطوريات او العصابات.
    عدم اهلية اعضاء النخبة وكثرة مفاسدهم وضعف قاعدتهم جعلهم ينفخون في قربة المكونات والطائفة والقومية والادعاء بتمثيلها وحفظ حقوقها ورفع المظلومية عنها. فبدلا من ان يهتموا بتوظيف موارد العراق في التنمية وزيادة الانتاج الوطني انشغلوا بمعارك توزيع غنائم الدولة الريعية والوظائف التي يمكن ان تقدمها على انفسهم ومحاسيبهم، فساسة الكرد جعلوا من الاقليم دولة مستقلة يلفطون من خلالها حقوق الشعب الكردي قبل حقوق  العرب والتركمان والمسيحيين، وساسة الشيعة انشغلوا ببناء الامبراطوريات التي لها حصص في كل شيء من تعيين جندي وحتى بيع الدولار من قبل البنك المركزي في حين يرزح كادحي الشيعة تحت الفقر والحرمان. واما ساسة السنة فلم يكتفوا بالولولة والصراخ بالتهميش والمظلومية الجديدة للحصول على حصة اكبر من كيكة الدولة العراقية بل جعلوها استثمارا للحصول على المقسوم من السعودية وقطر وغيرهم من المتصدقين ومن يرغب في دعم اهل السنة ضد اهل الشيعة وهم من اهل واحد.
    ما جاء من تدهور الاوضاع في العراق وفي معظم مجالات الحياة على يد طبقة النخبة الفاشلة هو من نشر التذمر واليأس وروح التشائم بين الناس وجلب داعش الى العراق لتستولي خلال ايام واسابيع على ثلث مساحة العراق ومعظم المناطق السنية العربية ولولا الحشد الشعبي لاحتلت بغداد واربيل. صفعة داعش لطبقة النخبة كشفت بوضوح عورات نظام المحاصصة والتوافق وأذكت في العراقيين روح المقاومة والتحدي وجعلهم يبصرون ضرورة الاصلاحات الجذرية وكان اولها بروز الحشد الشعبي وتوسعه مع تدخل المرجعية الحكيمة في فتوى الجهاد الكفائي لمقارعة داعش واعوانها والتصدي لهم.
    بسالة الحشد الشعبي وتضحياته هي من اوقف تقدم داعش وأثبت للشعب والدولة والقوات الامنية بامكانية الصمود والتغير في التنظيم والروحية والممارسة لنيل النصر في الحق فكان ما كان من انتصارات على داعش وتخليص اهلنا من همجيتهم وتخلفهم في المناطق التي حررت من دنسهم. الحشد الشعبي وانتصاراته شحذ الهمم في الاحتجاج على السياسات الخاطئة فكانت المظاهرات الشعبية المستمرة ولأكثر من سنة لتحسين الاوضاع وتقويم العملية السياسية وأوقد الادراك بضرورة الاصلاحات الجذرية فكان تبني الجميع، وبعظهم لسانا وليس قلبا وعقلا، لشعار الاصلاح ومحاربة الفساد والابتعاد عن المحاصصة. نور انتصارات الحشد الشعبي نفذ لوجدان الشعب وممثليه في مجلس النواب فكانت انتفاضتهم الرائعة ضد تسويف الاصلاح الجذري وتثبيت هيمنة المحاصصة وزعماء الكتل والاحزاب.
    ما فعله النواب المنتفضون من كسر الحدود الطائفية والاثنية في حركتهم، حيث نرى منهم الشيعي والسني والمسيحي والتركماني وحتى الكردي، ومن الاصرار على حكومة تكنوقراط مستقلة لا تخضع لرؤساء الكتل والاحزاب تغيير نوعي في العمل يختلف جوهريا عما اعتدنا عليه في عمل مجلس النواب ويعكس نقطة تحول في السياسة العراقية نحو الروح الوطنية على حساب التقوقعات الطائفية والاثنية التي فعلت فعلها في تدهور الاوضاع في العراق ونحو آلية الاغلبية على حساب التوافق الذي تحول الى ابتزاز وشلل في اتخاذ القرارات. نقطة التحول هذه يمكن ان يكون لها شأن عظيم في محاسبة ونضوج طبقة النخبة في مرافق الدولة وفي وضع العراق على جادة التنمية والنهوض حيث انها ثبتت بشكل او آخر توجه الاصلاحات الجذرية والمعارضة التي تستجيب لصوت الشعب والعقل والطاردة للفساد وسوء الادارة في المؤسسات السياسية والاقتصادية والادارية.
    الاصلاحات الجذرية قاسم مشترك بين تبعات انبثاق الحشد الشعبي وانتصاراته وبين المحور الاساسي الذي تبلورت حوله انتفاضة النواب، وهذا الربط يمكن ان يعزز حركة الاصلاحات الجذرية في القوة والسعة والزخم عبر تفاعل القوى الايجابية والوطنية فيما بينها ومع مطالب المواطنين وتطلعاتهم وعدم السماح لقادة الفساد والمصلحة من كسر هذا التفاعل الايجابي عبر فيتو التوافق. قد يكون انسحاب نواب بدر والصدريين، وهم من المحسوبين على الحشد الشعبي بدرجة او اخرى، من انتفاضة النواب قد اضعف الانتفاضة ومنعها من التقدم في اقالة الرئاسات الثلاث إلا انهم سيبقون على الارجح في تواصل مع المنتفضين في تنفيذ الاصلاحات الجذرية وعدم السماح بتسويفها. فسلسلة الحشد الشعبي والاصلاحات الجذرية ومجلس نواب ايجابي وغير معرقل مُحكمة.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media