العراق أيضاً بحاجة الى رؤية
    الخميس 28 أبريل / نيسان 2016 - 19:13
    زاهر الزبيدي
    في برنامج مستقبلي طموح جداً ، أعلنت المملكة العربية السعودية برنامجها الاقتصادي " رؤية 2030 " ، تتطلع فيها ومن خلالها الى أهداف عديدة تجسد تطلعات القيادة هناك الى تحقيق أهداف شتى منها : تدريب الموظفين الحكوميين ، رفع تصنيف مدن سعودية بين افضل مدن العالم ، مضاعفة إنفاق الاسر السعودية على الترفيه ، رفع نسبة ممارسي الرياضة ، الارتقاء بمؤشر رأس المال الاجتماعي ، زيادة متوسط العمر المواطن السعودي المتوقع إلى (80) عاما ، تخفيض معدل البطالة ، رفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي ، رفع حجم الاقتصاد وانتقاله الى المراتب الـ (15) الأولى على مستوى العالم ، رفع نسبة المحتوى المحلي في قطاع النفط والغاز إلى (75%) ، رفع قيمة أصول صندوق الاستثمارات العامة من (600) مليار إلى ما يزيد على (7) تريليونات ريال سعودي ، الانتقال في مؤشر التنافسيّة العالمي إلى أحد المراكز الـ (10) الأولى ، رفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، الوصول بمساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي إلى (65%) ، تقدم ترتيب المملكة في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية الى المرتبة (25) عالميا و(1) إقليمياً ، رفع نسبة الصادرات غير النفطية إلى (50%) على الأقل من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي ، زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية إلى (1) تريليون ريال سنوياً ، الوصول إلى المركز (20) في مؤشر فاعلية الحكومة ، الوصول إلى المراكز الـ (5) الأولى في مؤشر الحكومات الإلكترونية ، رفع نسبة مدخرات الأسر من إجمالي دخلها إلى(10%) ، رفع مساهمة القطاع غير الربحي في إجمالي الناتج المحلي من أقل من (1%) إلى (5%) والوصول إلى (1) مليون متطوع في القطاع غير الربحي سنوياً مقابل (11) ألف الآن.
    أهداف إجتماعية واقتصادية مهمة جداً كتوصيف فعلي لمفهوم تحقيق العدالة الاجتماعية وتطوير البنى التحتية ورفد الاقتصاد وخفظ الاعتماد على النفط بدرجة كبيرة ، يتبين للوهلة الاولى بأنها أهداف صعبة التحقيق إلا أنها في الحقيقة سلسة مترابطة من الاهداف ما أن يتحقق أحدها حتى يفتح الباب أمام أهداف أخرى ليرفع مستوى تحقيقه ويسهل من اساليب تطبيقه ، فلا يمكن لهدف أن يتحقق دون تحقيق أهداف أخرى على سبيل المثال الهدف المتمثل بزيادة متوسط العمر المتوقع من (74) إلى (80) عاما بحاجة الى أهداف أخرى ما أن تحققت سيكون من السهولة الوصول اليه كمضاعفة إنفاق الاسر السعودية على الترفيه ، رفع نسبة ممارسي الرياضة ، الارتقاء بمؤشر رأس المال الاجتماعي والحوكمة الالكترونية ورفع نسبة مدخرات الأسر من إجمالي دخلها .
    كما أن وصول رفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من إجمالي الناتج المحلي من(3.8%)إلى المعدل العالمي (5,7%) من الممكن أن يتحقق برفع حجم الاقتصاد وانتقاله من المرتبة (19) إلى المراتب الـ (15) الأولى على مستوى العالم و الانتقال من المركز (25) في مؤشر التنافسيّة العالمي إلى أحد المراكز الـ (10) الأولى . أي أننا من خلال تحقيق الاهداف الاخيرة سنتوجه لبناء بيئة جاذبة خلاقة للإستثمارات الداخلية والخارجية .
    مما لاشك فيه أنها رؤية طموحة ستنقل المملكة الى مصاف الدول الكبرى على الرغم من أنها بحاجة الى جهود كبيرة تبذل من قبل واضعيها وبحاجة الى جهات رقابية مدربة وفاعلة إقتصادياً قادرة على تحديد عدم خروج الاهداف عن مساراتها الموضوعة .
    ليس من المعقول أن يبق العراق تحت مرمى رؤية واحدة تتمثل في توليد الأزمات وتلاحقها لا نستطيع من خلالها استبانة شيء المستقبل ، وسنصبح يوماً مع ازماتنا عالة حتى على المجتمع الدولي ، الازمات والحكومة غير قادرة على ضبط موازين الدولة المستقرة كلها ستساهم في تحديد مستوى المساعدات التي من الممكن تقديمها للعراق على الرغم من رغبة الجميع في مساعدته إلا أن العائق أمامها أن تلك الدول تخاف أن تذهب حتى المساعدات الانسانية الى جيوب المفسدين ! ، إنغماسنا في الازمات يضعف من فرص تواجدنا على الساحة الدولية وعلينا كسب ثقة المجتمع الدولي بقدرتنا سريعاً على تجاوز الأزمات ببناء دولة مؤسسات قادرة على ذلك .
    ففي العراق لازلنا نفتقر الى رؤية مماثلة نضع من خلالها تطلعاتنا للمستقبل ، قد تكون الازمة الاقتصادية التي تسبب بها إنخفاض اسعار النفط وإعتمادنا اقتصاداً ريعياً من وضعنا اليوم في مهب الريح بعدما فشلنا في تحقيق قيم مضافة متنوعة لإقتصادنا على الرغم من كل ماتم صرفه من موازنات إستثمارية هائلة كان مقدراً لها أن تعيد صياغة الاقتصاد العراقي وتحصنه بوجه الازمات العالمية الفتاكة ؛ إلا أن ذهاب تلك الأموال تبذيراً بلا جدوى من خلال الاستيلاء عليها من قبل المفسدين أو من خلال آلاف المشاريع الاستثمارية التي لم تأت أكلها حتى بعد مرور سنوات على إنتهاء موعد الإنجاز ، الفساد كان بحق أحد أهم كوابح التقدم في كافة مجالات الحياة بل أن الفساد قد هيأ طبقات إجتماعية بمشاعر سلبية حاقدة على النظام السياسي بعد ما وطد الشعور بعدم وجود العدالة الاجتماعية والإحساس الكامل بإنتهاك حقوق إنسانيتهم في المجتمع ، تلك الطبقات أخرجتها مشاعرها من القدرة الحكومية على استغلالها في التنمية .
    نحن بحاجة الى رؤية بأهداف ضخمة يتقدمها تطوير القابليات الفردية في المجتمع وتطوير ثروتنا البشرية والاستثمار في قدراتها من خلال التوعية ، وبما أن الشعب فاقد للثقة الكاملة بالحكومة والنظام السياسي اليوم ، لكوننا خلال 13 عاماً من الذل الانساني لم نتمكن من صنع شيء نبدأ به ببناء الثقة بقدرات المؤسسات الحكومية على الاضطلاع برؤية شاملة ؛ لذلك نحن بحاجة الى فترة نقاهة للشعب نعيد من خلالها التوازن الاجتماعي ومبادي التعايش السلمي وإعادة بناء صرح الوطنية الذي أنهار من خلال الازمات التي تتوالد بإستمرار لم يستطع أحد من عقر مولدّها .
    رؤيا تتضمن على أقل تقدير رفع مدخولات الاسر وتعزيز القطاع الخاص كقطاع مواز للعام في توفير قيم مضافة كبيرة ، كذلك تتضمن تأمين الموارد الاولية وتطوير قطاع النفط ومشتقاته لتقليل الاعتماد على الاستيراد ، خطة قد تكون أبسط بكثير مما وضعته القيادة في المملكة العربية السعودية  لكنها قد تكون خط الشروع ببناء رؤى أخرى تتضمن الولوج الى عوالم أوسع فنحن لغاية اليوم غير قادرين على التخلص من النفايات ودرء خطر الامراض والاوبئة وحتى معالجة مياه الصرف الصحي والحفاظ على بيتنا بيئتنا حتى بدأت عناصر التدمير تصل الى نظامها الايكولوجي .
    رؤية تعيد هيكلة الصناعة العراقية وبإعتماد أسرع طرق نقل تكنولوجيا التصنيع لأهم الصناعات الاستخراجية والتحويلية عسى أن نتمكن من التقليل من نسب البطالة المرتفع ، رؤية تقلل من العشوائيات وتؤمن السكن والكهرباء والماء وخدمات الضمان الصحي الكامل وإعادة النظر في كيفية إعادة تكوين بنية التحتية  تواكب التقدم الحاصل في إنشائها .
    رؤية تعالج القصور في التعليم الاولي والعالي لتعيد لنا الكثير مما فقدناه بعدما تسببت الازمات والفساد السياسي والمالي في إخفاقات كبيرة في المجال ، التعليم القادر على تنويع الموارد البشرية وتطويع مهاراتها وحرفيتها لتكون خير عون لكل الخطط الاقتصادية ، وتنظم لنا حتى نوع التعليم وطرائق التدريس وتطوير الهيئآت التدريسية بما يتناسب والتطور الكبير الحاصل في التعليم على مستوى العالم .
    رؤية تطور لنا نظرتنا الى العالم وتعيد بناء أسس التعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي بما يكفل بناء هذا التعايش غير القابل للإختراق وبأي طريقة ، الاحترام المتبادل والتسليم بحرية الأديان والمعتقدات ، نتوجه به لسعادة الشعب أو البحث عن كل أنواع السعادة وتقليل الاحباط والحقد الذي يتعاظم يومياً في نفوسنا .
    رؤية تضع الاعلام التوعوي على المحك وتحدد له مسارات وأهداف في خدمة الشعب وتطلعاته ، تنبذ الطائفية والتطرف وتشيع مباديء التسامح والوئام والسلم المجتمعي وتطور الاعلام الحكومي ليكون القائد للمسيرة الاعلامية وبالطبع هذا لا يتحقق دون أن نرتقي بالإعلام الحكومي ليتجاوز كل ما يعيق قيادته ، نقربه من الشعب كثيراً ليكون معبراً صادقاً عن تطلعات الشعب في المستقبل .
    رؤية تجنبنا الاستيرادات الضخمة التي كانت ولا زالت تستنزف كل الايرادات المتحققة من تصدير النفط ولا غيره ، وها نحن نصاب في مقتل عندما عجزت اسعار النفط عن تأمين حتى رواتب الموظفين .
    رؤية لقطاعنا الصحي المتهالك .. منشآة صحية أنشئت قبل عشرات السنين نقاتل اليوم لإبقائها قائمة تؤدي وضائف بسيطة على الرغم من أنها بيد أمهر الاطباء ولكن الطب يبقى عاجزاً امام توفير الدواء والمكننة الصحية وتحسين مستوى التغطية الصحية لتزيد من متوسط أعمارنا التي أخذ منها الموت بأنواعه أخذاً عضيماً .
    رؤية لمستوى العلاقات الدولية ، نستشرف منها مصالحنا ومصالح ابناء شعبنا ونقدمها على كل شيء ، كذلك أثبتت لنا أزمتنا اليوم كم نحن بحادجة الى مساعدة المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته الاممية للوقوف معنا ونحن نكابد الامرين في الحرب على الارهاب والازمة الاقتصادية ، علينا أن نضع مصالح الشعب فوق كل شيء وتكون رؤيتنا في هذا المجال مبنية على ذلك .
    رؤية في مجال تطوير زراعتنا ، وكم هي مهمة ، فكل شيء ذاهب الى الزوال النفط ومصادر الطاقة الأحفورية قد يقدر لها يوماً ان تنضب أو أن تصل أسعارها لمستويات أقل من قيمة أستخراجها ، وتوجه العالم للطاقة النظيفة يجعلنا نفكر كثيراً اساليب توفير الطاقة ، لقد قاتلت إيران كثيراً من أجل الطاقة النووية ، أملاً في توفير مصادر بديلة للطاقة بعد نضوب النفط .
    رؤية لبناء قدراتنا العسكرية الدفاعية وتعظيم قدرات جيشنا الوطني ليكون الحامي لكل مقدرات الشعب بأكمله وتطوير الصناعة الحربية للتقليل من الانفاق العسكرية والاستفادة من الخبرات الصناعية الموجودة في ذلك ، وتطوير القابليات الاستخباراتية والمخابراتية لتكون سنداً قوياً للحفاظ على الجبهه الداخلية .
    كل تلك الرؤية من السهولة على المختصين في بناء الستراتيجيات الصناعية والزراعية وضعها ولكنها ستكون تحد كبير لكل الحكومات التي ستتلاحق على العراق مالم يكون لنا نظاماً سياسياً قادراً على النهوض بها ، نظاماً سياسياً ديمقراطياً يحفظ التوازن الطائفي والعرقي والقومي في البلد ويؤسس لحكومات تكنوقراط يتم فصالها على أساس تحقيق تلك الرؤية فلو أفترضنا أنها تحقق خلال الستة عشر عاماً قادماً ستكون هناك ، في نظامنا السياسي ، اربعة كابينات وزارية ستتعاقب على تنفيذها مما يجعلنا بحاجة الى تنظيمها بقانون صارم يدفع دائماً بمسيرة تحقيقها الى الامام ولا يترك المجال أمام الوزارات المتعاقبة أن تكون عناصر كبح لذلك .
    حتى مع أزمتنا الإقتصادية والامنية اليوم لازلنا قادرين على وضع تلك الرؤية على الورق ، كمرحلة أولى ، وإخضاعها للنقاش المستفيض وعرضها أمام خبراء إقتصاديين ومكاتب استشارية كبرى وتضمينها الموازنات المالية اللازمة للتحقيق والتوقيتات التي تنطلق منها أهدافها وتحديد أولويات تلك الاهداف ، لنحدد بعد حين موعد إطلاقها حينما ننجز مقدمات كثيره تساهم في سرعة التطبيق وفق الاهداف المرسومة ، حكومة التكنوقراط التي يجري العمل في المصادقة قد تكون هي من تضع الرؤية المطلوبة وتحاول خلال المتبقي من عمر الكابينة لوزراية تهيئة الظروف المناسبة للبدء بتطبيقها.

    زاهر الزبيدي
    zzubaidi@gmail.com
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media