قدم في الحكومة وقدم في المعارضة
    الجمعة 29 أبريل / نيسان 2016 - 10:49
    أياد السماوي
    في كل ديمقراطيات العالم المتقدّم والمتحضّر هنالك حكومة أغلبية سياسية وهنالك أقلية تمّثل المعارضة , وفي كثير من الأحيان يكون الفارق ضئيل جدا بين الأغلبية والأقلية , كما حدث في انتخابات الدنمارك الأخيرة التي جائت باليمين إلى الحكومة بفارق ضئيل جدا من الأصوات , وهذه هي الديمقراطية المتّبعة في كل الديمقراطيات في العالم , إلا ديمقراطية العراق التي جائت بها العملية السياسية القائمة , حيث الجميع في الحكومة والجميع في المعارضة , ومن الطرائف المضحكة المبكية أن تجد كتلة سياسية يتوّلى وزرائها كل الوزارات الخدمية في الحكومة , ومع هذا تتظاهر هذه الكتلة ضد الحكومة لعدم تقديمها الخدمات المطلوبة للشعب , وسأسرد للقارئ الكريم قصة يعرفها الجميع حدثت في أيام حكومة السيد نوري المالكي الثانية , حيث قدّم وزير التجارة من التحالف الكردستاني مقترحا إلى مجلس الوزراء يقضي بإلغاء البطاقة التموينية وتعويض المواطنين مبلغ 15 ألف دينار عن كل فرد , وحين عرض هذا المقترح في اجتماع مجلس الوزراء لمناقشته والتصويت عليه , كان رئيس الوزراء نوري المالكي من أبرز المعارضين لهذا المقترح , لكنّ هذا المقترح قد صوّت لصالحه كلّ وزراء التيّار الصدري والتحالف الكردستاني والتحالف السنّي , وحين أصبح هذا المقترح قرارا لمجلس الوزراء , تنصلّ عنه الجميع إلا رئيس الوزراء باعتباره قرار صادر من مجلس الوزراء وليس لقناعته بهذا القرار , والمفارقة الغريبة أنّ أول من تنّصل من هذا القرار وهاجم رئيس الوزراء هم نوّاب التيار الصدري وقائدهم , العبرة في سرد هذه القصة هو من أجل تسليط الضوء على هذا السلوك المخادع الذي تمارسه بعض القوى السياسية في خداع جماهيرها , وما حدث أخيرا في مجلس النوّاب العراقي وكيف انقلب نوّاب تيّار مقتدى الصدر على زملائهم النوّاب المعتصمين وانسحابهم منهم وإفشال انتفاضتهم وتخلّيهم عن شعارهم شلع قلع الذي خدعوا به جماهيرهم , هم تجسيد واقعي لهذه الديمقراطية الممسوخة .

    وبالرغم من فشل انتفاضة النوّاب الأحرار وانتصار قوى الفساد والمحاصصة , إلا إنّ هذه الانتفاضة العظيمة قد أسست لبروز معارضة حقيقية داخل مجلس النوّاب , من شأنها أن تضع حدا لمبدأ قدم في الحكومة وقدم في المعارضة , وهذا بحد ذاته إنجازا هاما في مسيرة الديمقراطية في العراق , يستوّجب من السادة النوّاب الذين انتفضوا على نظام الفساد والمحاصصات , أن يستكملوا انتفاضتهم بتأسيس كتلة إصلاحيون داخل مجلس النوّاب العراقي ويضعوا لهم برنامجا سياسيا واضحا عابرا للمحاصصات والطائفية , يعيد بناء العملية السياسية القائمة من جديد , ويضع أساسا لإنهاء نظام التوافقات والمحاصصات واستبداله بنظام الأغلبية السياسية الذي يعكس جوهر الديمقراطية الحقيقي , ويضع حدا لمسخرة الجميع في الحكومة والجميع في المعارضة , فكفى أن يكون للسياسي قدم مع الإرهاب وقدم مع الحكومة , وكفى أن يكون للسياس قدم في الحكومة وقدم في المعارضة .

    أياد السماوي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media