من حق الناس ان تطالب بأجوبة يا صدريين!
    الأحد 1 مايو / أيار 2016 - 19:22
    صائب خليل
    لا أحد يشكك بنوايا المتظاهرين الغاضبين الذين احتلوا مجلس النواب، ولا أتصور أن أحدا يأسف على هذا المجلس، وفي هذا لا يختلف المتظاهرون الصدريون عن غيرهم من مجاميع الشعب العراقي. لكن الأمر ليس كذلك عندما يطرح التساؤل عن المستقبل والهدف المباشر من التظاهرات وكيف سيتم تحقيقه وإلى أين ستسير الأمور. هنا من الطبيعي ان يختلف الناس في رأيهم وفي قلقهم.

    فمن يثق بمقتدى ثقة مطلقة، ليس لديه مشكلة هنا، اما من لا يثق به، او لا يثق به إلى هذه الدرجة، فلا يمكن طمأنة مخاوفه على بلاده إلا باحترام قلقه والإجابة عن تساؤلاته. فلا يكفي ان يكون المتظاهرون من ذوي النيات الطيبة ليطمئن الجميع. فتدمير الدول العربية والمذابح التي جرت فيها وإعادة نفس المتنفذين السابقين في جولات الربيع العربي تتشابه مع ما يحدث في العراق بشكل كبير جداً. ففي كل تلك الدول، كان الشعب هو الذي يتظاهر وكان يتحرك بثورية اكيدة وإخلاص لا يقل عن اخلاص الصدريين لوطنهم. وفي النتيجة فأن أفضل الأحوال هو عودة البلدان إلى ما كانت عليه أو أسوأ قليلاً (مثل مصر)، وحتى تونس تواجه ضغطا ً شديداً من مشبوهين تسلقوا السلطة وصاروا ينادون بعودة الرئيس السابق، ومنهم شخص عرفناه في هولندا كلص ومشبوه بالعمالة لإسرائيل، ويعمل اليوم كناطق للحكومة التونسية هو خالد شوكات. تونس تعد أفضل دول الربيع، اما أسوأها فيمكننا ان ننظر إلى مدن ليبيا وسوريا لنرى معنى الدمار الحقيقي للربيع العربي.

    إننا نقدر الوطنية العالية والتضحية التي يقدمها الصدريون في حشود الحشد الشعبي البطل أعلى واجل تقدير، لكن هذا لا يعني ان على العراقيين ان لا يفتحوا فمهم عندما يرون امراً لا يطمئنون عليه وتشابها مخيفا بما حدث لبلدان الربيع العربي، خاصة وأن مقتدى الصدر يتحدث بالفعل عن "ربيع" عراقي، ولا يفهم منه هل هو وعد أم تهديد؟ إن التهرب من الأسئلة أو مجابهة أصحابها بالخشونة واتهامهم بمختلف التهم وإعطاء الانطباع بأن أتباع مقتدى ومن يؤيدهم بلا أسئلة، هم الوحيدون الحريصون على الوطن، لن يؤدي إلى أية نتائج إيجابية ابداً. ويفترض بالصدريين أن يسعون إلى إعطاء الأجوبة لمن يسال، فمن لديه خطة معقولة وخيرة، يجب ان تكون لديه أجوبة أيضاً، ويجب ألا يخشى الأسئلة، فهي التي تتيح له أن يشرح رأيه ويكسب الآخرين، وبالتالي فإن التهرب من الأسئلة فلا يزيد الشكوك إلا عمقاً.

    الأسئلة الأساسية التي لدينا هي:

    ما هو مستقبل هذه التحركات؟ لقد طلب مقتدى الصدر من الأمم المتحدة أن تجري إعادة انتخابات، فلماذا لم يطلب ذلك من النواب الذين كان جماعته يعتصمون معهم، ثم يرى إن كان الأمر سينجح أم لا قبل الطلب من منظمات مشبوهة تقودها اميركا التدخل بالشأن العراقي؟ إذا كان التغيير المطلوب هو تغيير شامل "شلع قلع" فلماذا وقف بوجه تغيير الرئاسات الثلاثة واتهم من يطالب به، بالمهاترات السياسية؟ إن لم تكن الرئاسات هي الأكثر فساداً فكيف شاع الفساد في الدولة كلها لتبرر شعار الشلع قلع؟ وإن لم يكن القصد هو تغيير الجميع بل اقتلاع الفاسدين وترك الخيرين، فلماذا لا يقول لنا الصدر من هم الفاسدون؟

    من هم التكنوقراط وما تعريفهم؟ كيف نعرفهم لنعرف أن الخطة قد نجحت ام تم الالتفاف عليها؟ لماذا شرط استقلال الوزراء عن الكتل السياسية يعتبر ضامنا لنزاهتهم؟ هل لا يوجد مستقل فاسد؟ وكيف سنميز هؤلاء إن كانت الأمور تجري بكل هذه الفوضى؟ ولماذا يصوت النواب عليهم تحت التهديد؟ وإن صوتوا تحت التهديد فهل سيستطيعون أداء واجبهم الرقابي مستقبلا؟ وإن لم يؤدوه، هل سيحق لنا ان نحاسبهم عليه؟

    وما هي المحاصصة؟ كيف نتعرف عليها وكيف تعرف عليها السيد مقتدى حين غضب؟ هل يعني نبذ المحاصصة أن يأتي المرشحون من جهة واحدة فقط ولا يتقسمون على جهات مختلفة؟ من الذي سيختار تلك الجهة المزكاة من الشبهة؟ وحين يرفض نائب ما مرشحاً أو يقبله، كيف نعرف إن كان عن قناعة امينة أم أن المحاصصة هي التي تعمل؟ ولنفرض أننا جئنا بمستقلين ليس لأي منهم علاقة بالكتل السياسية وأن هذه الكتل قبلت بهم (لسبب ما لا نعلمه) فما ادرانا ان هؤلاء لن يرتبطوا بالكتل في اليوم التالي من تحت الطاولة؟ ألن يكون الأمر أسوأ مليون مرة حين لا نعرف أي وزير يرتبط بأية كتلة مما لو كنا نعرف؟ الن يسهل على تلك الكتلة الدفاع عنه إذا فسد، إن لم يكن محسوبا عليها؟ نحن اليوم نحاسب الكتل إن فسد مرشحها، حتى لو هرب فلن تستطيع الكتلة أن تهرب. أما إذا هرب المستقل بما حمل، فمن سنحاسب؟

    إذن هل تستحق هذه الشعارات الغريبة: التكنوقراط ونبذ المحاصصة والمستقلون، كل ما يثار حولها من ضجيج، وهل تضمن شيئا؟ أم ان هناك من يحاول إخراج الفساد من الباب ليدخل فسادا أكبر وأكثر قدرة على الهرب، من الشباك؟

    عندما كنت اطرح مثل هذه النقاط واتساءل ماذا يريد مقتدى، هب علي أحد المتحمسين للتظاهرات: "لماذا تضلل الناس يا رجل؟ الا تعرف ماذا يريد؟ منذ أشهر وهو ينادي بحكومة مستقلين وانهاء هيمنة الأحزاب لكنهم اتفقوا على اعادة المحاصصة". وحين طرحت شكوكي بهذه المفاهيم وتساءلت كيف نعرفها، أجاب:

    لا يهم أنك لا تعرف...المهم المتظاهرون يعرفون ماذا يريدون ... واتهاماتك الباطلة والمشينة لشعب العراق الأبي بأنه يسير وفق مخطط صهيوني أمر مريب.. يستهجنه الشعب. يمكنك ان تتفرج بصمت على ثورة الشعب الفتية ولن تطفئوها بأفواهكم".

    ويذكر قراءي أني قدرت في مقالاتي السابقة بأن الصلافة ستكون السمة الأساسية في ردود جماعة التيار الصدري مستقبلا لأنهم يفترضون أن الآخرين يمكنهم مثلهم، ان يطيعوا دون ان يسألوا، ويعتبرون من يسأل خارجا عن الطوع و "مريب" ويجب أن يكتفي بالتفرج على ثورة "الشعب"، وطبعا هم يفترضون انهم هم وحدهم الشعب. ولأني لم أكن اقل عصبية منه فلم اجبه بطريقة أكثر هدوءا، حتى تدخل أحد القراء بمجموعة أسئلة إضافية، فقال بعد أن كرر اسئلتي له:

    "...وتاليهة من تخرب البصرة يكول صاحبكم أنى جنت معتكف معليه مثل ما قال نواب التيار لا يمثلوني ولا أمثلهم لكني اتعاطف معاهم ويتعاطفون معي. سؤال لك ولكل من يسمون أنفسهم مقتحمين الخضراء الم يصوت نواب التيار لحكومة العبادي؟ ام ان حكومة العبادي نزلت من السماء؟ الم يصوت نواب التيار نيابة عن مقتدى مرتين للمالكي والمرة الثانية بعد ان صال عليكم في البصرة والسجون تملأ الصدريين ونسى مقتدى من دخلوا السجون وقتلوا من ابناء الجيش والشرطة بسببه؟ الم يذهب مقتدى لمسعود البرزاني صديق عزة الدوري وحامي الارهابيين والدواعش واتفق معه اتفاقية اربيل وهو يعلم ان مسعود افتتح مقرات للاسرائيليين في اربيل ودهوك وتناسى دماء الابرياء في جولاء والسعدية والطوز؟ الم يذهب مقتدى للبعثي علاوي الذي اعترف بانه عميل ل 16 دولة واتفق معه بعد ان قتل علاوي والامريكان الكثير من الصدريين في معركة النجف ونسى مقتدى كل هذه الدماء التي سالت بسببه ووضع يده بيد قاتل؟ الم يصلي مقتدى مع حارث الضاري وأرسل سلاح له في الفلوجة؟ مقتدى وضع يده بيد كل السفلة والمجرمين والعملاء وحماهم كما يفعل اليوم مع سليم الجبوري وسيبقى الشروكي رمز للفقر والجهل يتيم الاب يسكن العشوائيات واراضي الحواسم وسيبقى مقتدى امبراطور. احفظ هذا التعليق في صفحتك فبعد 10 سنوات فأن أحد ابنائك سيقتل بسبب ابن مقتدى وابنك الاخر سيخرج ليقبل تايرات جكسارة ابن مقتدى وهكذا فالله لا يغير ما بقوم حتى ......"

    إذن فهناك أسئلة تتعلق بالحاضر وأخرى تتعلق بالتاريخ، ولا يجدر بإنسان صادق ان يتهرب منها. هناك توتر شديد بلا شك، ولكن لنلاحظ بين سطور التوتر هذه كلها، فإن المتناقشين في فريقين لكن في خندق واحد، وان الاختلاف على الأسلوب وتقدير المخاطر. الطرفان متفقان ان الخطر الأكبر هو أميركا وإسرائيل، لكن الشكوك هو في القادة وفي الطريقة المتبعة. أحد الفريقين يريد ان يطمئن بالحصول على أجوبة على تساؤلاته، والثاني يعتبر مجرد طرح الأسئلة امر مريب يجب ردعه!

    من نلوم من الطرفين؟ لا شك اننا لا نستطيع ان نطالب أصحاب الأسئلة بنسيان قلقهم والانضمام إلى مسيرة طريق ليسوا مطمئنين إلى نهايته. وبالتالي فإن الصدريين هم المطالبون بأن يتذكروا بأنهم ليسوا وحدهم الوطنيون والعراقيون، وأن من حق الجميع ان يستعمل عقله ويطرح الأسئلة ويطالب بالأجوبة وصاحب الحق لا يخشى الأسئلة. وفوق ذلك ان يكونوا مستعدين لتغيير رأيهم وموقفهم إن وجدوا صعوبة في الدفاع عنه. الم يقل الإمام علي "اعرفوا الرجال بالحق ولا تعرفوا الحق بالرجال"؟ فكيف سـ "يعرف الرجال بالحق" من لا يسال ويناقش الحق ليعرف منه الرجال، وكيف لا "يعرف الحق بالرجال" من يصرح علنا أنه يعتبر كل ما يقوله رجل ما، حق مطاع دون مناقشة؟ فهل نفاخر بالإمام علي ونعمل بالضد مما يقول، أم ان مقتدى أكثر علما او قدسية من الإمام علي؟ إننا يجب أن ننتبه ألا يذهب الشطط بعواطفنا خارج المعقول والمقبول، خاصة وأن الوضع تفاقم إلى درجة الحديث عن احتمال احتكاك بين كتلة بدر والصدريين، وهو ما لم يكن أحد يتوقعه في يوم من الأيام، بعد ان آلف الحشد بين الطرفين كأخوة في السلاح.  لنكن مقنعين للمختلفين معنا ولنكن نواة توحيد لهذا الشعب لا عنصر شقاق وإرهاب إضافي فيه. إن من يحرص حقا على الوطن ويضحي من اجله، لا يفعل ذلك.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media