نحو حكومة كفاءات كنقطة شروع للاصلاح الشامل
    الأحد 15 مايو / أيار 2016 - 09:48
    طريق الشعب
    بعد تطورات الثلاثين من نيسان المتمثلة بدخول الجماهير الغاضبة الى المنطقة الخضراء ومجلس النواب، واستيزار عدد من الوزراء الذين لم يؤدوا اليمين الدستورية امام مجلس النواب بعد، وتقديم وتعليق آخرين استقالاتهم، صار مجلس الوزراء يواجه صعوبة في تحقيق النصاب، والى جانب ذلك هناك اشكاليات يثيرها بعض السياسيين والقانونيين، بشأن مدى قانونية جلساته والقرارات التي يتخذها، في حين تبقى قائمة صعوبة عقد جلسة كاملة لمجلس النواب، بسبب مقاطعة عدد من النواب الذين يتذرعون باحداث 30 نيسان ذاتها وبمواقف جبهة الاصلاح (النواب المعتصمين) بشأن رئاسة البرلمان واصرارهم على عدم شرعيتها، منطلقين في ذلك احيانا من مواقف وغايات متباينة. والمحصلة هي ان البرلمان والحكومة كليهما في حالة من الشلل والعجز عن استئناف عملهما والقيام بواجبهما التشريعي والتنفيذي.
    تضاف الى هذا وذاك حالة التوتر والتشنج التي تسود العلاقة بين الاحزاب والتنظيمات السياسية المتنفذة وتبادلها التهم بشأن المسؤولية عن حالة الاستعصاء والتدهور الراهن، فيما فشلت اجتماعات الرئاسات الثلاث مع عدد من الكتل السياسية في ايجاد مخارج للازمة التي تلف البلاد، بل ان ما خرج منها زاد الامور تعقيدا بسبب تمسك الاطراف المجتمعة بحلول بعيدة عن تطورات الاحداث ومساراتها وعن مطالب المتظاهرين والمعتصمين، واصرارها على نهج ثبت فشله في ادارة شؤون البلد، لكنه يؤمن لها مصالحها ونفوذها والمزيد من الفرص للسيطرة والاستحواذ على المغانم.
    وقد ادى ذلك كله الى اصابة الحياة السياسية والعامة بالاستعصاء وحتى الشلل، وانعكست اثار ذلك على الملف الامني مباشرة، حيث شهدنا اخيرا اختراقات امنية كبيرة في بغداد وديالى وبلد ومدن الاخرى، ذهب ضحيتها عشرات المواطنين بين شهيد وجريح، في مشهد حزن مأساوي عم البلاد باسرها، اضافة الى قيام داعش الارهابي بعدة محاولات لاستعادة مناطق في الانبار وصلاح الدين سبق وان طرد منها على يد قواتنا المسلحة الباسلة، والتشكيلات الاخرى الداعمة لها والمساندة.
    كل هذه الاسباب وتعقيداتها وملابساتها، والتدخلات الخارجية في شؤون بلدنا، اوصلت بلدنا الى حالة الاستعصاء الراهنة، وفي اطار البحث عن مخارج منها تطرح خيارات عدة، بينها ما تبتغي اعادة عقارب الساعة الى الوراء والغاء كل شيء والعودة الى نقطة الصفر، ومنها ما تتمسك بالوضع الراهن وبمنهج المحاصصة، وتريد وأد حركة الاصلاح او احتوائها في احسن الاحوال وحصرها في اجراءات ترقيعية، وهناك ايضا الخيارات السيئة التي تسعى الى قطع طريق التطور الديمقراطي السلمي، والقفز على تداول السلطة دستوريا والعودة بالبلاد الى عهود الانقلابات والبيان الاول، وبما يلغي أي مظهر من مظاهر الديمقراطية والحرية.
    ان الشعور العالي بالمسؤولية الوطنية يدفعنا الى البحث عن حلول واقعية للخروج من المأزق الراهن وتجنب انزلاق الاوضاع الى ما هو اسوأ وخروجها عن السيطرة، في ظل تفاقم السخط الشعبي وزيادة وتيرة الاستياء واتساع نطاقه، خاصة بعد التلكؤ والتسويف في اجراء الاصلاحات المطلوبة، وبعد التفجيرات الارهابية المدانة الاخيرة ووسط قعقعة السلاح والتهديد باللجوء اليه وحالة الاحتقان السياسي والاجتماعي، ومتطلبات المعركة ضد الارهاب وداعش وتحرير الموصل وكامل مدن كركوك والانبار، ولكل هذا نرى ان المخرج الدستوري الآمن والسلمي يتمثل في الدعوة الى انعقاد مجلس النواب عاجلا وبنصاب قانوني، لاقرار تشكيل الوزارة الجديدة الكاملة على قاعدة الكفاءة والنزاهة والمهنية وبعيدا عن التحاصص وتقاسم المناصب، ليكون ذلك نقطة الشروع في تنفيذ مشروع الاصلاح الشامل، بجوانبه السياسية والادارية والاقتصادية والقضائية والامنية، والذي يتوجب ان يكون بآليات تنفيذ وسقوف زمنية محددة.
    فالتغيير يجب الا يبقى محصوراً في تشكيل الوزارة الجديدة، بل ينبغي ان يمتد ليشمل الهيئات المستقلة، ومنها مفوضية الانتخابات، والدرجات الخاصة في مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية، بجانب اعادة النظر في هياكلها وكفاءة طواقمها اعتمادا على ذات الاسس التي سيتم اختيار الوزراء في ضوئها، كذلك ان تفعّل كل مؤسسات الدولة وهيئاتها، وفي مقدمتها مؤسسات القضاء والرقابة المالية والنزاهة، مع تخليصها من العناصر الفاسدة والمرتشية، من اجل ملاحقة جرائم الفساد والفاسدين واعادة الاموال المنهوبة الى خزينة الدولة، الى جانب تنشيط وتفعيل دور السلطة التشريعية في انجاز كل ما يعزز قيم الاصلاح، والانتهاء من تشريع القوانين المتأخرة والمتعطلة ذات الصلة، وفي شأن رئاسة البرلمان يمكن العودة الى الموضوع ومناقشته والبت فيه متى ما شاء النواب ذلك ووفقا للسياقات الدستورية وعلى الا يعطل ذلك عمل البرلمان.
    وان انجاز هذا كله والسير قدما على طريق الاصلاح انما يشكل اسنادا حقيقيا لقواتنا المسلحة بكافة صنوفها وتشكيلاتها، ولحرب شعبنا ضد الارهاب وداعش، ومواصلة معركتنا الوطنية لدحر مخططاته الشريرة وتحرير مدننا ومحافظاتنا العزيزة من دنسه.
    ان اوضاع البلد غير السارة تطرح بالحاح ضرورة التغيير والاصلاح، اللذين لم يعودا خيارا وافكارا مجردة، انما يفرضهما مآل الاوضاع وما انتهت اليه من تدهور يضع مصير البلد على كف عفريت.
    وما من شك في ان التغيير المطلوب لن ينجز على النحو المطلوب من دون مواصلة الضغط الجماهيري السلمي المنضبط والمنظم، وتوسيع صفوفه وضم طاقات وامكانات جديدة اليه، وهنا تبرز ضرورة مد الجسور مع شرائح شعبية جديدة وقواعد وجماهير الكتل المتنفذة، التي لها مصلحة موضوعية في حصول الاصلاح، ذلك ان التنعم بنهج المحاصصة محصور في فئات وعناصر محدودة، ومن هنا القول ان التغيير والاصلاح ينسجمان تماما مع مصلحة غالبية ابناء الشعب المتضررة، والتي تعاني من سوء الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية والخدمية.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media