رُؤْيَةٌ فِي الإصْلاحِ* (3)
    الثلاثاء 24 مايو / أيار 2016 - 21:25
    نزار حيدر
      نقطة أُخرى في غاية الاهميّة على صعيد الاصلاح وهي؛

       انّ هناك نوعين من مشاريع الاصلاح؛

       النّوع الاوّل؛ هي مشاريع الاصلاح بالفعل.

       النّوع الثّاني؛ هي مشاريع الاصلاح بالقوّة.

       الاولى؛ هي التي من المفترض ان تمتلكها القوى السّياسية المشاركة في العمليّة السّياسية، وتحديداً تحت قبّة البرلمان، على اعتبار انّها تمتلك الاليّة الدستوريّة والقانونيّة لإنجاز المشروع او المشاريع المقترحة.

       هذا النّوع من المشاريع غير موجود بشكلٍ عام، وذلك لسببَين؛

       ١/ لغياب المعارضة في مجلس النوّاب، فكلُّ حزبٍ او تيّار او كتلة لها عددٍ ما من مقاعد البرلمان تشترك في الحكومة، وهي حالة فريدة من نوعِها في دول العالم الديمقراطيّة، لانّ النُّظُم الدّيمقراطية عادةً لا تستقيم الا بجناحَين هما السّلطة والمعارضة، فاذا غاب الجناح الثّاني، المعارضة، فذلك يعني تعثر التّجربة، وهذا ما هو موجود الآن في العراق منذ سقوط نظام الطّاغية الذليل صدّام حسين ولحدّ الآن.

       هذه الظّاهرة الفريدة من نوعِها سببها اعتماد النّظام السّياسي الجديد على مبدأ التّوافق والمحاصصة، والذي اخترعت الكتل السّياسية بموجبهِ نظام النّقاط لتوزيع الوزارات، ومن يبقى من الكُتل البرلمانيّة بلا وزارة تُستحدث لهُ واحدة! [حيَّ الله الكان] ليضمن مشاركتهُ في السّلطة، ما سبّب الترهُّل والتضخّم في الحكومة، من جانب، والهدر العظيم باموال الدّولة، من جانبٍ آخر.

       ٢/ النُّقطة اعلاه أنتجت حرص كلّ القوى السّياسية على الاحتفاظ بامتيازاتها في السّلطة ولذلك لا تجد فيها من يبدي ايّ استعدادٍ حقيقيٍّ للاصلاح والتغيير لانّهُ سيأكل من بعض امتيازاته بطريقةٍ أو أُخرى.

       لهذا السّبب ترى ان كلّ الكتل السّياسية وزعاماتها [وابواقها] تتحدّث في الاعلام عن الاصلاح وتطالب بالتّغيير، الا انّها في الاجتماعات تقيم الدّنيا ولا تُقعدها اذا مسّ اي مشروع اصلاحي شعرة من امتيازاتها (المُفرطة) التي اكتسبتها بالمحاصصة والتّوافق.

       هاتان الملاحظتان الغتا مشاريع الاصلاح بالفعل، على الرّغم، كما قلت، من انّهم جميعَهم ينادون بالاصلاح ويطالبون بهِ، ولقد رأينا كيف انّهم هبّوا هبّة رجلٍ واحدٍ فاصدروا البيانات وألقوا الخطابات الرّنّانة تأييداً للخطاب المرجعي بشأن الاصلاح في العام الماضي، وكأَنّهم ليسوا هم المعنيّون بيد الحديد التي طالبت المرجعيّة العليا بإنزالها على رأس الفاسدين والفاشلين الذين استغلّوا مناصبهم بأسوء الطّرق والاساليب لتحقيق الثّراء الفاحش، لهم ولاحزابهم ولكتلهم! أو كَأَنَّ وجوههم ليست هي الوجوه الكالحة التي عناها الخطاب المرجعي والتي لم تجلب الخير للبلد.

       امّا بالنّسبة الى النّوع الثاني من مشاريع الاصلاح، وأقصد بها المشاريع بالقوّة، وهي التي جاءت على لسان المرجعية الدّينية وفي شعارات الشّارع الغاضِب وعلى لسان منظّمات المجتمع المدني والكتّاب والاعلاميّين والباحثين وغيرهم، فهذه لا تمتلك القوّة الدستوريّة والقانونيّة لتحقيق البرنامج الفعلي والعملي للاصلاح، لانّها عادةً ليست جزءً من المنظومة السّياسية الحاكمة، كما انّها ليست جزءً من معارضة دستوريّة تحت قبَّة البرلمان، فكلّ الذي تفعلهُ هذه المشاريع هو تحديد الخطوط العامة للاصلاح وتوظيف القوّة الرّوحية والمعنويّة التي تمتلكها في الشّارع للضّغط على السياسيّين، وللاسف الشّديد فلقد اثبتت التّجربة ان هذا النّوع من مشاريع الاصلاح بالقوّة لا تنفع كثيراً لإنجاز المشروع، لقدرة الكتل السياسيّة على الالتفاف عليها وإفراغها من محتواها الحقيقي وسعيها لرَكوب موجتها كلّما اشتدّت المطاليب، ولذلك صمتَت المرجعية الدّينية عندما قالت (لقد بحَّ صوتنا) واقتحم الشّارع المنطقة الخضراء ودخل الى مجلس النواب! [وفي المرّة الثّانية مجلس الوزراء] ولا ندري ما الذي سيحصل في المرّة الثّالثة اذا ظلّ السياسيّون يستهينون بمشروع الاصلاح ويلتافون عليه بكل طرق الخداع والمناكفات الممجوجة!.

       وبين نوعَي مشاريع الاصلاح يستمر التدهور للاسف الشّديد، وتضيع الفُرص والجهود والأثمان الغالية التي لازلنا ندفعها لحماية البلد والنّهوض به، فلا الكُتل السّياسية تمتلك الارادةِ المطلوبة لتحقيق الاصلاح الحقيقي الذي يُنقِذ البلاد والعباد من الازمات التي تستعصي يوماً بعد آخر، ولا المجتمع بكلّ قواه الدينيّة والمدنيّة بقادرٍ على فرض مشروعه الاصلاحي بعد ان ثبُت بالتّجربة ان القوّة المعنويّة وحدها لا تكفي لتحقيق الأهداف والمشاريع التي تتعارض مع مصالح القوى السّياسية في بلدٍ كالعراق الذي لا توجد فيه لحدّ الان ايّ نوعٍ من انواع ما يُطلق عليه بـ [الاعراف الديمقراطيّة] الى جانب مصادر قوّة الدستور والقانون والقضاء التي تمّ تسييسها هي الاخرى لصالح مشروع السّلطة وامتيازاتها والكُتل الحاكمة!.

       [لذلك مثلاً لم نر لحدّ الآن حتّى (عِجلاً سميناً) واحداً على الأقل يقف خلف القُضبان وأمام القضاء في ايّة قضيّة من قضايا الفساد والفشل والارهاب وتمدّد فقاعة الارهابيّين لتحتلّ نصف العراق، وهذه الظّاهرة هي الاخرى فريدة من نوعها في العالم (الديمقراطي) الذي يُحاكم فيه اكبر مسؤول في الدّولة اذا تعرّض طيرٌ للاختناق بسبب تلوّث البيئة مثلاً].

       *يتبع

       *بتصرّف، ملخّص حديث النّدوة التي عقدها مركز الرافدين للحوار (٢) على (الواتس آب) والذي يضمّ نُخبة متميّزة من مختلف الاختصاصات والاهتمامات، وذلك في يوم السّبت الماضي [١٤ مايس (أيار) ٢٠١٦].

       ٢٤ مايس (أيار) ٢٠١٦

                           للتواصل؛

    E-mail: nhaidar@hotmail. com

    Face Book: Nazar Haidar

    WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

    (804) 837-3920
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media