أطردوا من قتل الكلب
    الثلاثاء 24 مايو / أيار 2016 - 21:28
    صائب خليل
    عندما يكرر شخص فعلته، فهذا مؤشر على ان نتائج فعلته الأولى كانت مرضية له وبالاتجاه الذي يريده. وتكرار الإرهاب فعلته بموجة التفجيرات الأخيرة تؤكد أن موجة التفجيرات السابقة كانت ناجحة وأدت غرضها، وأن مديرها يريد الاستزادة من ذلك النجاح. فماذا كان ذلك الغرض وكيف وصلوا اليه؟
    من المعروف أن غرض أية عمليات إرهابية هو ..... لا ليس قتل الناس، أبداً.. هذا ما نقوله بسبب غضبنا، أما الحقيقة فالهدف هو ما ينتج من ذلك القتل من رد فعل ومن جو سياسي يساعد على تمرير اجندة محددة. (راجع تحليلاتي في مقالات سابقة حول كيف اقتصد الإرهاب في القتل عمدا في كنيسة سيدة النجاة ليحقق غرضه بشكل أكفأ).
    ما رد الفعل الذي نتج من موجة الإرهاب الأولى، خاصة في مدينة الصدر؟ حاكم الزاملي وغيره سارعوا للقول بأن "الإصلاحات" ومن يقف وراءها هم المستهدفون. لكن من المؤكد أن التفجيرات الأولى لم تسفر عن دفع الصدريين إلى الخوف والانكفاء والتراجع عن مشروع "الإصلاحات" التي يطالبون بها. بل العكس تماماً، زاد المطالبين توترا وهجومية، وقد اندفع البعض منهم إلى خطابات شديدة العدوانية وزادت حماسهم لتلك "الإصلاحات"، وإصرارهم عليها.(1)
    والحقيقة أن "الإصلاحات" كانت تمر بحالة جمود فرضها بالدرجة الأولى مقتدى الصدر نفسه بغيابه عن الساحة. أما الإرهاب، فربما له فضل إعادة تذكير الناس بها حين أثيرت كمستهدف محتمل. إذن لو كان الإرهابي يستهدف القضاء على مشروع "الإصلاحات"، لشعر انه أخطأ، ولامتنع عن تكرار فعلته، فهذه الفكرة خاطئة.

    ومن الذين قالوا باستهداف الصدريين (لأسباب أخرى)، طه اللهيبي، الذي الصق الجريمة بـ "إيران" (كالعادة) وحجته أن الصدريين هتفوا ضدها "بره بره"! وقد شارك اللهيبي هذا الرأي الغريب، الكثير ممن يسعدهم اتهام إيران بكل شيء. وما هدف إيران من ذلك؟ لا يمكن ان تكون إعلان "حرب إبادة" على الصدريين بسبب تلك الهتافات، فلا يبقى سوى ردع الصدريين عن مشروعهم. لكننا نعلم أن حكومة إيران فضحت نفسها وتدخلت بقوة وعلناً لصالح مشروع الصدريين ضد المعتصمين، تماما مثل السفارة الأمريكية!

    أتهام الطائفية في المجزرة، غير منطقي ايضاً. أحد المعلقين على مقالة لي كان مصر ان "السنة" هم من يقوم بالإرهاب. وحين سألته عن سبب اختيارهم للصدريين الذين هم الأقرب إليهم والذين يهتفون ضد إيران، أجاب مصراً بأنه لهذا السبب بالذات فهو يعتقد بأنهم هم، لأن أحدا لن يفكر فيهم لأن هذا يبدو في غير صالحهم، وسيتهم الشيعة الآخرين ويتم انقسام الشيعة على أنفسهم! فكرة صاحبنا إذن ان السنة هم من يدير الإرهاب في كل الأحوال، سواء كان في صالحهم أو في غير صالحهم! بهذه الطريقة نستطيع ان نتهم من نشاء. وينطبق هذا الرفض على اتهام اهل الفلوجة بالحادث.

    العبادي الذي يريد ان يمشي أمور "دولته" قال ان الذين وراء الانفجارات هم الذين لا يريدون للبرلمان ان ينعقد، لذا يجب عقده لتوجيه ضربة لهم! (2) وهي كلمة لا تستحق الرد.

    بعد استعراض هذه "الاقتراحات" لنعد إلى سؤالنا: ما الذي حققته الموجة الأولى لكي يتم تكرارها؟ ما تحقق هو فوضى الاتهام المتبادل بين كل الجهات العراقية وقلق جديد وألم أكبر أصاب الشعب العراقي! جو أتاح إطلاق خطابات تحريضية شديدة، وآخرين يدعون لتقسيم العراق، البعض بسبب التعب والآخر بحجة التعب. إننا نعرف من يريد التقسيم بوضوح. لقد كشف نفسه منذ أيام مشروع بايدن حين كان يتوقع ان ينجز ذلك سريعاً، ثم جاء بالعميل الذي تكفل بمشروع "الحرس الوطني" لفصل المحافظات عسكريا عن بعضها. ولا غرابة أن يركز جهوده في هذه الأيام التي تهيئ لـ "تحرير" الموصل، الذي يراد له ان يكون بأيدي كردستانية وتركية وأخرى عراقية عميلة لهما، وهؤلاء جميعا أكثر خطرا من داعش.

    لقد كشف هؤلاء أنفسهم في المراحل المبكرة قبل ان يتاح لهم ان يتخفوا وراء مجندين من أبناء البلد، وعلينا ان نمسك بتلك الاكتشافات بكل ما نستطيع من قوة ذهن وذاكرة.
    في مقالتي السابقة " هذا هو الإرهاب وهكذا نستطيع وقفه"، كتبت:

    " لقد بدأ مسلسل تجاهل الحقائق مع بدء الإرهاب، أي قبل أكثر من عقد من السنين، حين قبض على جنديين بريطانيين وهما يهمان بلغم حسينية في البصرة عام 2005 وقاما بقتل الشرطيين الذين طارداهما، ثم حطمت الدبابات البريطانية السجن وأطلقت سراحهما!
    وبعدها بأسابيع يلقى القبض على لبناني يعمل للأمريكان باسم "فادي اللحدي"، متلبسا بنصب المتفجرات، فيقوم الأمريكان بمهاجمة ملجأ الجادرية لإطلاق سراحه بحجة وجود سجناء تحت التعذيب.
    ولعل اشد تلك الجرائم كشفا للإرهاب الحقيقي كانت عملية اغتيال أطفال النعيرية عام 2005، حيث قام الجنود الأمريكان بجمع الأطفال بتوزيع الهدايا، ليتركوهم فجأة ويغادروا، لتنفجر داخلهم عبوة ناسفة!
    هكذا بدأ الإرهاب في العراق وبدأ معه دفن آثاره. ولنلاحظ أنه في تلك الحوادث كان الأمريكان او عملاؤهم المباشرين من الأجانب متورطين مباشرة بالعمليات، فلم يكونوا قد دربوا العراقيين عليها بعد، لذلك فأدلة تلك الفترة هي الأثمن!" (3)

    إنني على ثقة بأن كل رئيس حكومة وكل مسؤول أمنى عراقي كبير، يمتلك الكثير من هذه الأدلة، لكن هؤلاء قد تم اختيارهم من الذين ينحنون للضغط والتهديد، بلا استثناء. ولو شاء أحدهم ان يكتب مذكراته بصدق لكشف الكثير، إن لم يتم اغتياله قبلها. لكننا لسنا بحاجة لها، فلدينا ما يكفي من الأدلة والصور والشهود. لدينا حقيقة الإرهاب، "بالصور" كما يقولون! هذه صورة الإرهابيين البريطانيين في السجن قبل إطلاقهما بواسطة الدبابات البريطانية، التي تم تصوير إحداها وهي تحترق. لقد تنبأت منذ اول مقالة كتبتها عن الحادث، بأنه سيواجه الدفن والنسيان: "علينا ان ننسى: البريطانيان كانا يحملان جهاز تفجير عن بعد"(4) وكتب عنه الدكتور حسين سرمك(5) وكتبت الغارديان نشرت قصة ملفقة حول الموضوع، لم تشر فيها الى ادلة الاتهام التي وجدت مع المجندين، لكنها نشرت صورة السجن الذي حطمته دباباتها في ذلك الوقت، ويمكن إضافة تلك الصورة إلى خزيننا من الأدلة(6)
    ولرؤية المدى الذي تعرضت له هذه القصة من الدفن في النسيان، يمكن قراءة مقالتي المخصصة لذلك أيضا "تمديد بقاء القوات الأمريكية - مشكلة ذاكرة!"(7)

    الصور اعلاه تظهر وجهي الإرهابيين بوضوح تام وهي منتشرة على النت، ويمكن بها مواجهة وإحراج، ليس الحكومات العميلة التي ينصبها الاحتلال على العراق فقط، وإنما أيضا كل من يحاول تجاوز تلك الحقائق من الكتاب المدفوعي الأجر مثل سرمد الطائي وعبد الخالق حسين وغيرهم كثير. الصورة بالنسبة لنا ستبقى شاهداً بأن الإرهاب بدأ من هنا، وأن لا سبيل لإنكاره، ولا سبيل لتفسيره او تبريره، رغم ان مواجهته والإصرار عليه تتطلب الشجاعة والإرادة بالتأكيد. لكنه قدر كل من يتعرض إلى خطر الإبادة، ان يتحلى بالشجاعة والإرادة، وإلا... لا مفر من النتيجة الحتمية. دعوني اروي لكم هذه القصة:

    يقال إن قبيلة عربية وجدت كلبها الوفي مقتولا، وعرفت ان قبيلة أخرى مجاورة قتلته. احتار الناس ما يفعلون فذهبوا إلى حكيمهم العجوز، فأشار لهم: "أقتلوا من قتل الكلب". تجمع الناس حائرين وقرروا ان الرجل لابد ان يكون قد اخذ منه العمر مأخذا وصار يخرف. فهل من المعقول أن نقتل رجلا لأنه قتل كلباً؟
    بعد أسبوع سرقت ذات القبيلة العديد من الخراف والجمال. فذهبوا إلى شيخهم العجوز فقال لهم: أقتلوا من قتل الكلب! قالوا له دعك من الكلب صارت القضية أكبر. فأصر: "أقتلوا من قتل الكلب".
    وبعد أسبوع قتلت القبيلة رجلا من هذه القبيلة، فذعر الجميع وهرعوا إلى الشيخ الذي أصر: "أقتلوا من قتل الكلب"! وبعد الإلحاح ان يشرح لهم تلك "الحكمة" الغريبة، قال: "لو قتلتم من قتل الكلب، ما حصل لكم ما حصل"..

    ونحن لا نستطيع أن "نقتل" من قتل ليس فقط كلابنا، بل وأهلنا واطفالنا وسرق أموالنا مباشرة أو من خلال دعمه للصوصنا وتهريبهم، لكننا نستطيع ان على الأقل بأن "نطرد من قتل الكلب" لنوقف نزيف الدم وندرأ خطر التقسيم قبل فوات الأوان. لم يعد لنا أن نقتل من امسك متلبساً بمحاولة نسف الحسينية عام 2005 ولا فادي اللحدي ولا فريق الجنود الأمريكان الذين فخخوا أطفال النعيرية، لكننا يجب ان نستطيع "طرد" بقية هؤلاء من بلادنا أو وضع من يبقى منهم تحت المراقبة الشديدة كأعداء خطرين إلى اقصى حد! ويحتاج هذا بالطبع أن نتخلص أولا من أدوات الإرهاب التي اعادت قواته إلى العراق وعلى راسها حيدر العبادي وساسة كردستان وأكثر ساسة الأحزاب السنية والمجلس الأعلى وغيرهم من الذيول.

    ومثل الأمر بـ "قتل من قتل الكلب" فأن هذا الأمر ليس سهلاً، ولا يخلو من الخطر، لكن في الامتناع عنه وترك الإرهاب طليق اليد في العراق، نهاية محتمة للبلاد وشعبها! ومن يعجز عن الدفاع عن نفسه ولا يجرؤ على مس من يعتدي عليه ويلهي نفسه باتهام جهات يراها عدواً أسهل، فلا مفر من ان يواجه الحقيقة بعد ان تكبر وتتغول وتصبح أكثر شراسة. وكلما تأخر صار الأمر أكثر صعوبة وكلفة. فلو ان الجعفري خاطر وكشف البريطانيان صراحة على العالم، لكان قد "طرد من قتل الكلب"، ولما استطاعت أميركا بكل جبروتها الإعلامي إنكار تورطها، ولأجهض الإرهاب في مهده، ولوفرت مئات الآلاف من الأرواح ومئات المليارات ولما تعرض مستقبل البلد لما يتعرض له اليوم. إنهم يتمنون ان ننساها، فلنضع صورة الإرهابيين البريطانيين دائما في أذهاننا، وعلى واجهة حاسبتنا أو على صفحتنا على النت.. فهي حقيقة جديرة بأن لا ننساها أبداً، وألا نتركهم يمحوها من ذاكرتنا ابداً.

    لقد تأخرنا كثيراً، وخسرنا كثيراً، لكن القاعدة مازالت صحيحة، ومازال المزيد من التأخر مكلفا جداً. إسمحوا لي ان العب دور هذا العجوز وأقول: إن أردتم وقف هذا الإرهاب وهذه السيل من الدماء، فـ "أطردوا من قتل الكلب"!

    (1) خطاب الدعوة لقتل حنان الفتلاوي

    https://www.facebook.com/hanan.alfatlawey/videos/vb.159405140795248/999872646748489/?type=2&theater&notif_t=video_reply&notif_id=1463577580762598

    (2) العبادي يستغل الإرهابللدعوة لعقد البرلمان ويعتبره صفعة بوجه الإرهاب

    https://www.facebook.com/816196071748121/videos/vb.816196071748121/1171646006203124/?type=2&theater

    (3) صائب خليل - هذاهو الإرهاب وهكذا نستطيع وقفه! صائب خليل مقالتي...

     https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/1092379584152443:0

    (4) صائب خليل - علينا ان ننسى: البريطانيان كانايحملان جهاز تفجير عن بعد

     http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=46809

    (5) حسين سرمك حسن موسوعة جرائم الولايات المتحدةالأمريكية :(76) حادثة الإرهاب البريطاني في البصرة.

     http://saotaliassar.org/001012016/D-Hussein-Sarmak00345.htm

    (6)  Britishtanks storm Basra jail to free undercover soldiers  

     http://www.theguardian.com/world/2005/sep/20/iraq.military

    (7) تمديد بقاء القوات الأمريكية- مشكلة ذاكرة! ... صائب خليل - Google Groups

     https://groups.google.com/forum/#!topic/fayad61/IMxwcwl9l-k  

    مقالات إضافية

    (8) الإنتحاريون صناعة أمريكية- دليل جديد - هل سيكفي هذه المرة؟

      http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=489498.0

    (9) تمديد بقاء القوات الأمريكية - مشكلة ذاكرة! ... صائبخليل

     https://groups.google.com/forum/#!topic/fayad61/IMxwcwl9l-k

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media