{أنا دانيال بليك} ضد توحش الرأسمالية
    الأربعاء 25 مايو / أيار 2016 - 20:28
    موسى الخميسي
    فيلم {انا دانيال بليك} للمخرج الانكليزي كين لوتش ( 79 عاما) الفائز بالسعفة الذهبية  في المسابقة الرسمية للدورة الـ (69 (  لمهرجان "كانّ” السينمائي هذا العام، وهي السعفة الذهبية الثانية له بعد العام 2006 عن فيلمه  ( انفصال نادر وسيمين)، فانه بهذا الفوز يرفع تراثا اوربيا لم يعد له حضور مؤثر في سينما اليوم. هذه العودة الى نمط مجيد في تقديم سينما تسير على نهج الواقعية الايطالية، التي انطلقت في بداية الاربعينيات من القرن الماضي، طعمتّ خطابها بمواقف سياسية واجتماعية نقدية، وهو الامر الذي اكسبها على الدوام طعما ولونا خاصين، بقي كين لوتش مخلصا، في فيلمه هذا، لمبادئه السياسية والاجتماعية، وقد استعاد بعضها في خطابه وهو يستلم جائزته حين تحدث عن الاقتصاد وعن التحذير من اليمين المتطرف الذي يجتاح كل شيء.

    النجار دانيال

    ما سعى اليه لوتش، هو التبصّر في واحدة من أكثر المعضلات الاجتماعية ، اذ تتأصل ملامح التعبير السمعي البصري بالتلازم مع موضوع الفيلم المباشر والمفتوح على الاحوال اليومية لشرائح معدمة من الناس ومظاهر معاناتهم تحت اشكال عديدة من الوان الهيمنة ليس في بريطانيا وحدها، وانما في عموم دول الغرب المتحضر تناول ظاهرة الإعانات الاجتماعية، التي تعتمد عليها ملايين من العائلات الفقيرة المهمشة، حيث شرعت عدد من الحكومات الاوربية في السنوات الاخيرة، ومنها حكومة المحافظين في انكلترا في الآونة الأخيرة في استهدافها ضمن خطة تقشف شاملة تنذر بعصيان مدني، وجد تمثله الدرامي في شريط لوتش، بشعارات يخطها بطله النجار دانيال،  الذي قام بالدور الممثل البريطاني ديف جونز على جدران بناية تضم "مكاتب الرعاية الاجتماعية”، هي في الواقع عيون سلطوية ترصد مخالفيّ ومتحايلي نظام المعونة.

    أقلية عرقية

    تجري الأحداث في مدينة نيوكاسل الشمالية، وهي أحدى معاقل {حزب العمال}، وميناء شهير يعج بالفقراء والمشردين وبيوت البغاء، بيد أن لوتش لا يذهب مباشرة الى تراجيديا دانيال، بل يصرف المقطع الافتتاحي في فيلمه، في تبيان محيط رجل متوسط العمر من أقلية عرقية تدعى الـ {جوردي} ترمل حديثا، وصرِف من عمله بسبب معاناته من ضعف قلبه. يعيش في مجمع سكني حكومي تختلط فيه مجموعات من البشر، فقراء وعزل وبائعات الهوى ،ومشردين.

    ثائر

    بطل الفيلم دانيال، كائن مبدع، حيوي و ودود، ومنذور لإنسانيته وكرامته. ، لا يخشى يومه، فهو محصن من قبل بشر يجلّون فيه انسانيته واخلاقه الحميدة ولطفه ومرحه. نراه، حارساً لمجمعه السكني ضد دخلاء، أو مدافعا عن اي انسان تقترب منه ظاهرتي  الجوع والمذلة. نراه ثائرا لا يتأخر عن شتم النظام الاناني. 
    آخر همّوم هذا المواطن العصامي والمتوحد، الذي تعتمد حياته بالكامل على دفعة بدل عمل مالية  اسبوعية، وصول رسالة مشؤومة من وزارة الشؤون الاجتماعية تنذره بالعودة الى العمل أو قطع الإعانة. تنقلب حياته، ذلك ان استخدام أنظمة مستحدثة للتواصل مع طالبي العمل، حولت تلك المراكز الى ساحة حروب بيروقراطية مريرة، مفعمة بشكوك ومهانات وخيبات،  إنها سياسة إذلال عامة، كما هي الحال في ايطاليا وفرنسا واسبانيا واليونان والبرتغال.

      بنك الفقراء

    انتقى الثنائي لوتش وكاتب السيناريو بول لافيرتي يوميات دانيال ومحنه برويّة درامية شديدة الواقعية. بعض فصولها صادم، كما هو مشهد الأم الشابة كيتي،  تقوم بالدور الممثلة البريطانية هايلي سيكوايرز وطفليها داخل "بنك الفقراء” الكنائسي، الذي يقدم معونات غذائية، والتهامها غذاء معلباً لشدة جوعها، أو رضوخها لإغواء المال الحرام عبر ممارسة البغاء، بمساعدة رجل كشف سرقتها مواد نسائية من متجر يعمل فيه حارسا. فيما نرى دانيال يبيع أثاث بيته للتواصل مع العيش الصعب.
     
      لست كلبا

    انه شريط سينمائي غاضب ومسيّس بقوة ضد توحّش سلطوي يستهدف شرائح اجتماعية مقهورة، تناضل ضد فساد الطبقات الحاكمة ، بطل الفيلم في النهاية يصرخ بوجه من يحاول استعباده واذلاله : "أنا دانيال بليك. أنا رجل ولست
    كلباً. أنا مواطن، لا أكثر ولا أقل، ان هذا
    المبدع الثمانيني بقي مخلصا، في فيلمه هذا، إلى مبادئه السياسية والاجتماعية، وقد استعاد بعضها في خطابه وهو يستلم جائزته حين تحدث عن السياسة والاقتصاد  وحال المجتمعات الاوربية ومعاناتها ،وعن التحذير من اليمين المتطرف الذي يجتاح كل شيء.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media