إن كنا شعب ، فالعراق إذا قابل للحكم
    الخميس 26 مايو / أيار 2016 - 19:24
    عبد الصاحب الناصر
    مهندس معماري - لندن
    مع شديد الاسف تحسب اليوم  في الاوساط السياسية و الاعلامية و حتى الثقافية ، و بالاخص في الاوساط اليسارية ،  تحسب مناكدات و اختلافات و حتى اختلاسات القوى السياسية العراقية و كل الاحزاب ، تحسب  على الشعب العراقي  و كانه شعب يصعب حكمه و ادارته . و اخذنا نسمع هذه الايام  و من جديد ،مصطلحات اسستها الصهيونية العالمية بتخطيط  و عن قناعة الراسمالية الامريكية  ربيبه الصهيونية العالمية ، و بتعاونها .
    نشرت و وزعت  باسهاب مقالة للسيد غسان شربل   تحت عنوان " لا العراق ولا سورية " يتكلم الاستاذ شربل عن الشعوب بتعميم عجيب و غريب ، و التعميم اجحاف باطل اذا لم يستند الى احصاءات شاملة حقيقية لكل تنوعات تلك الشعوب ، و الا فكل رأي يبقى محصور بصاحبه . و كل تعميم  لتلك الاراء ضرب من التجني على الشعوب ، فاي تجاوز يستحق البحث  والنظر فيه اذا كان يتهم الشعوب بالشرذمة و التشرد !.
    فهل الصين شعب واحد ؟ غير متنوع اثنيا و دينيا و لغويا و حتى مناطقيا ،  ام ان  الشعب الامريكي شعب من عنصر واحد و ذو ثقافة و لغة و ديانة واحدة ؟. هذا المنطق مع الاسف  هو منطق الصهيونية العالمية لتفريق الشعوب و تمزيق وحدتها ، الشعار الذي لا نعرف كيف يمهد له من تبنى الاممية العالمية فيصر يفرق بين الشعوب و الاقوام . وهل الشعب الروسي الحالي هو شعب واحد ، ام متمزق بفضل اكذوبة و اسطوانة  سايس بيكو ؟.
    و هل الهند شعب واحد  و مازال  يعاني  من  " قوانة " سايس بيكو المشروخة ؟  . ما هذا المنطق ( الاعوج ) المردود على قائليه و على من يتعقد بصحته فيتبجح و يعتصم بنشره  . ماذا كان " شعب " العراق سابقا ، هل كانوا قطاع طرق  ام  شراذم من بدو تتنقل و تغزوا شعوب اخرى ؟ اين سيذهب هؤلاء السادة  بتاريخ العراق منذ اقدم  العصور .
    ثم لماذا يحملون الشعب العراقي ما يقوم به ساسته ؟  نعترف كلنا ان ساسة العراق هم الشراذم و ليس الشعب العراقي . فلا تحملوا اخطاء و سرقات و التلاعبات باموال الدولة التي يقوم بها ساسته منذ التغير ، لا تحملوها على انها اعمال بشر  لا يملكون  مواصفات الشعوب .
    و الهدف في رأي المتواضع هو لتقسيم الشعوب و الاوطان لتتمكن الصهيونية العالمية من السيطرة على تلك الشعوب . الى يؤدي هذا الادعاء الباطل الى عدم الاعتراف باحقية الشعب الفلسطيني  بوطنه ، و المطالبة منه  بالانضمام الى اسرائيل . و هل اليهود في كل العالم هم شعب ام ديانة ؟ كيف تفسرون يا سادتي إذا يهود افريقيا و يهود الهند و يهود اوربا من البيض و السمر و السود ؟. و لماذا تحتمون وراء الأممية العالمية ، فتقفون مع شعب اسرائيل عندما حول البلد الى انه ، بلد الشعب اليهودي ؟
    بينما  نسمع ادعاءات  لتسقيط الشعوب العربية و شعوب العالم الثالث و جعلها شعوب يصعب ادارتها و حكمها ، و من ثم تفتيتها و تقسيمها لسهولة السيطرة عليها و على مقدراتها ، هذه  القناعات و الافكار   باتت  يتداولها مثقفون عراقيون و عرب لا شك على اصالة  و عمق وطنيتهم  و سعة اطلاعهم . كما  " هم " يعرفون جيدا حجم التاثيرات الخارجية لتهبيط  و تفتيت العزائم . لسنا شعوب منزلة  من السماء او شعوب مختارة او مفضلة عند  الله . لكننا كغيرنا من الشعوب لنا تطلعاتنا لنعيش  و اهلنا و اطفالنا في سلام و  في نوع من البحبوحة التي تحتويها ارضنا و ثقافاتنا و تراثنا .
    و بقدر ما يحمل هذا الوصف من تعسف و جور على اي شعب كما  يحمل معه اصرار قاسي على الشعور بالفشل و تهبيط لاي عزيمة ، يحمل معه كذلك تجني على شعوب فرضت عليها انظمة من خارج ارادتها و لسنوات طويلة  و منع عن هذه الشعوب اي مجال للعلم و للتقدم و الاطلاع ، او التثقيف او التعليم على بساطته ، ولم تترك له  اي ارادة  حرة للتطور الى المستقبل ، الا و قلبت على راسها بحجة انها مسيرة غير اكيدة  و سائرة نحو للفشل  الا اذا وافق على مناهجها البنك الدولي و فطاحلة الاقتصاد العالمي ، هم نفس ذلكم الفطاحلة الذين فشلوا و خربوا الاقتصاد العالمي سنة ٢٠٠٨
    و الذين يحاربون الاقتصاد الصيني و الروسي  و اليوم  الاقتصاد الفنزولي . لكنه فات على الاساتذة المخلصين  ان من فرض صدام  و غيره من الطغاة  على الشعوب ، بعد ان تبنوهم و دربوهم  و سلطوهم  . في وقت كانت كل الامور مهيئة لتقدم العراق و شعبه ، ادخل العراق بقيادة صدام في متاهات من الحجم الكبير ، كالحرب مع ايران و دخول الكويت ومشاريعه للحصول على اسلحة الدمار الشامل  و السلاح الكيماوي  الذي استعمله على شعبه و المقابر الجماعية و الانفال من  قبل حرب ايران . فحرق صدام كل ما كان للعراق من خيرات و وئد كل الامال للتقدم الى الامام كرغبة شعب كاي من شعوب العام  .  لم تكن هذه من رغبات او من ارادة  او تطلعات الشعب العراقي . و من غير الانصاف تحميل الشعب العراقي كل اخطاء صدام و البعث العفن  و اتهامهم بعدم القدرة على حكمهم كشعب . فمنذ تطور و اتساع القدرة المالية و الشرائية للعراق و صدام و حزبه العفن جعلوا الشعب العراقي يركض وراء توزيع البيض و البطاطة و الدجاج الصيني  و نقص في المواد الغذائية الاساسية  يوم كان الدينار ثلاثة و نصف دولارات  امريكية . لا يوجد شعب مغرم بكل هذا الفقر و الحسرة و الحرمان ، حين  يضطر  ليعمل استاذ  الجامعة سائق تاكسي بسيارته  ليعيل عائلته بقدر نذير من الرضى و الاكتفاء ، و لم يكن هذا كنوع من الترف او من البطر  لشعب يصعب ادارته او حكمه . يوم  منع العراقيون حتى من ممارسة الاستماع الى اجهزة  راد يوات الترانزستر في السبعينات . الم يهاجر اكثر من مليونا انسان عراقي بعد تسلط البعث في السبعينات و ثم بعد وأد الانتفاضة الشعبانية ، و بعد اتساع الحصار الظالم على الشعب ، الم توافق امريكا على قانون النفط مقابل الغذاء الامر الذي مكن صدام من تمويل ماكنته الحربية مصحوبة ببناء القصور الرئاسية ؟. هل كانت امريكا غافلة عن هذه التجاوزات غير الانسانية ، لتعود اليوم تتهم العراقيين  بعدم القدرة على حكمهم .
    ربما يمكن القول ان " سياسي "  العراق  الحاليين غير قابلون للاتفاق  او للتوافق او للعمل باخلاص من اجل الشعب ، لكن السؤال يعود على ساءله ، من اتي بهؤلاء  يا ترى ؟ .
    و هل من المعقول ان تدمر امريكا كل الهياكل  المدنية و الصناعي و المواصلات و الطرق و الجسور و المعامل لكي تحرر الشعب العراقي ؟ و هل اعادت امريكا بناء ما خربته بحجة تحرير العراق ؟
    لم يمر على اي شعب  مثلما مر على الشعب العراقي منذ انقلاب البعث الفاشي في شباط الاسود ٦٣ . و اغتيال قائد اقدس ثورة مدنية عرفها العالم العربي كالزعيم العراقي  الخالد ابن الشعب البار عبد الكريم قاسم .يوم اخذ " نفس هذا الشعب " يسير بخطا واثقة للتطور و الانشاء و التقدم ، و يوم بات العراق في طريقه لينتقل  من مواصفات العالم الثالث الى مصاف دول العالم الثاني . الم يتعمد البعث تهجير  العلماء و الفنيين و المتعلمين من الاطباء و المهندسين و المثقفين  ؟ .  و من غير الممكن تذكير الناس بكل الماسي التي حصلت و تحملها هذا الشعب . مثل القتل بالجملة و الحبس و قطار الموت و ساكني نكرة السلمان و الحرس القومي الى المقابر الجماعية و الانفال و حلبجة و من ثم تخريب العراق بسبب احتلال الكويت و قمع الانتفاضة الشعبانية  التي دعت  اليها "  اصلا " اليها امريكا ثم  تخلت عنها . و الحصار الذي استمر حتى اعادة تخريب العراق بحجة تطهيره من فلول البعث الصدامي . كما و من غير الانصاف تناسي هذه الويلات و الفقر  و تاثيرها النفسي على اي شعب مهما كانت مقومات تلاحمه القومية و الثقافية ، فللويلات تاثيراتها النفسية  التي تولد تخريب و تهديم للهيكل الاجتماعي  برمته .و ما انتشار الامراض النفسية و الاجتماعية الا دليل على تاثر اعضاء المجتمع بها ، بارادة او بدون ارادة .
    و احسن دليل  على رفض نظرية  انعدام صفة " شعب " على الشعب العراقي هو التلاحم في صفوف الحشد الشعبي مع كل التجاوز على تضحياته  فمازال يساهم غير منتبه لاقوال من يريد تقسيم العراق و تفكيك  المجتمع العراقي . لا يوجد شعب في العالم ليس له  اخطاء ، فالعالم يتعلم من اخطائه و هكذا هي تجارب الحضارات و الشعوب و الامم  .
    و اذا اردنا ان نشير الى التقصير فهي  تلك الصناعة  المشوهة من  السياسيين الذين  جاءت بهم امريكا  او نصبتهم  كمحاولة لاعادة بناء العراق ، كما تدعي !.
    الم يصر العراقيون لتاسيس دستور لهم ؟ الم يخرجوا في احلك الظروف الامنية لينتخبوا من يمثلهم لخمس دورات  ، و صحيح كذلك ان من انتخبهم  الشعب لم يكونوا من المخلصين . لكن هذا ليس خطأ  تعمده الشعب  ليتحمل ازره  .
    و نقطة مهمة اخيرة . كم من بلدان الجوار يتدخل في الشأن العراقي ؟ منذ ما قبل التغير و بعده .
    ختاما . نحن ، الشعب العراقي ، نعرف حق المعرفة باننا شعب  ذو ثقافة و تاريخ و تراث  ولغة و ارض . و هذه هي مواصفات الشعوب و الاوطان . و لن تهمنا تقولات من يدعي العلم و الثقافة و المعرفة فيتبجح  و يعتمد على الاقوال بدون اطلاع  معرفي حقيقي و بدون احصاء علمي ليثبت صحة ادعائه .
    لكن السيد غسان شربل ما يحب ان يكون و بان يوصف ما يشاء من الاوصاف " الثقافية " او المعرفية . و  ان يعتلي ما يشاء من المناصب و المواقع ، الا انه اخطأ عندما جرد  الشعب العراقي  من الانسكلوبيديا و مواصفات الشعوب  ،  و عليه ان يطالع الانسكلوبيديا العالمية الرصينة و مواصفاتها للشعوب  .  بعدها ليتبختر متى يشاء و حيثما يشاء .

    عبد الصاحب الناصر
    مهندس معماري - لندن
    27/05/2016
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media