معركة الفلوجة – كيف نكسبها كاملة؟
    الخميس 26 مايو / أيار 2016 - 20:05
    صائب خليل
    لا أذكر أني احسست بالفرح والأمل يوماً بقدر ما أحسسته وأنا أرى "الحشد الشعبي" ينبثق من بين الرماد واليأس ليغير الصورة القاتمة في كل جانب! وفجأة وفي هذا المشهد المحبط، وكأن روح "نصر الله" قد بثت في شباب العراق، انطلق الحشد الشعبي ليغير المشهد ويبث الألوان فيه، وليتنفس العراقي الكرامة وينفض اليأس والذل، ولأول مرة منذ زمن طويل، يشعر بالاعتزاز، وهذا ما اشعر به اليوم ويشعر به كل إنسان عراقي!

    أجمل ما في انتصارات الحشد انها لم تكن انتقاماً، بل انتصار حقيقي على أعداء العراق وهو ما يجب ان يكون اليوم ايضاً. ويجب ان يكون واضحا إني هنا لا ادعو إلى التساهل او التسامح مع أي داعشي بل ادعو الى إنزال اقصى العقوبات بأبشع المجرمين هؤلاء. بل دعوني أذهب خطوة ابعد من ذلك، وادعوا ابطال الحشد أن "لا يأخذوا أسرى" بل ان يقتلوا كل من يقاتلهم! وليس السبب في ذلك قسوة متطرفة مني، على من تسبب لبلدي وأهلي بأفدح الأضرار، وإنما ببساطة لأني لا اثق بالحكومة ونظامهما الأمني الذي اسسته اميركا التي أسست داعش. لذلك فإن أي أسرى يؤخذون اليوم، سوف يتم اطلاقهم غداً، مثلما ترك ضباط الموصل الخونة يفلتون، او يتم تهريبهم في ليلة ظلماء، حتى لو أعلن عن اعدامهم. فأسرهم وتسليمهم الى العميل العبادي اشبه بإطلاق سراحهم.

    مقابل هذه القسوة القصوى لمن يقاتلون مع داعش، أتمنى العدل التام للأبرياء من اهل المدينة، وعدم وضع الجميع في سلة واحدة، والانتقام منهم. إن الانتصار في الفلوجة وكسب المعركة ليس فقط بالدحر العسكري لداعش، وإنما ما سوف يكون عليه وضع هذه المدينة بعد النصر، خصوصا وإننا نستعد لمعركة الموصل بعدها، وما سيحدث في الفلوجة سيكون له اشد الوقع على معركة الموصل وربما يحسم المنتصر فيها، فالمؤامرة الأمريكية الكردية التركية على المدينة واضحة كالشمس، وثاني محافظة في العراق في خطر شديد.

    دعونا نعود إلى تفاصيل ما حدث في تكريت، لنقارن ولننعش ذاكرتنا بدروسها.

    كتبت في مقالة عن تحرير تكريت "إن في تكريت جبهتان يجب الانتصار بهما، ومدينتان يجب فتحهما، هما: "تكريت الأرض" و "تكريت الناس"، وكذلك "موصل الأرض" و "موصل الناس"."
    واليوم نضيف "فلوجة الأرض" و"فلوجة الناس"، وتبدو هذه الإضافة هي الأصعب من بين الثلاثة. فقد ارتكبت داعش في الفلوجة، عمداً، جرائم يندى لها الجبين وتقشعر لها الأبدان. وكانت الفلوجة مركز التفخيخ الإرهابي الذي تسبب بأبشع الجرائم في بغداد.

    لنلاحظ اولاً أن الأمريكان كانوا وإلى قبل يومين، يروجون بشدة ضرورة عدم مهاجمة الفلوجة وأن من الضروري البدء بالموصل. ولا يسعنا هنا إلا ان نفترض أنهم قد هيأوا الموصل ليكون في قبضتهم هم وعملاءهم في كردستان والنجيفيان وعصابة مجلس المحافظة، إضافة إلى تركيا، وأن الخطر الشديد يهدد مستقبل الموصل، وأنهم بالمقابل ليسوا جاهزين فيما يتعلق بمستقبل الفلوجة. لكن الضغط المسلط على العبادي من قبل الحشد، قد حرمه من تنفيذ المخطط الأمريكي، فقرر القفز إلى المعركة كعادته، ليظهر نفسه في الخندق الوطني، وأعلن انطلاق عملية تحرير الفلوجة.
    وإن قارنا هذا بما حدث في تكريت فإننا نتذكر ان الأمريكان بعد ان يئسوا من منع الحشد من الهجوم على تكريت، فأنهم قاموا بتأجيله قدر الإمكان عن طريق المطيع حيدر العبادي، حتى تم إفراغها من الدواعش لإنقاذهم، وهو ما تم بالفعل، فلم يجد الحشد أحدا في المدينة. ولا يستبعد ان يكرر الامريكان خطتهم في الفلوجة.

    وبعد انتصار الحشد، وكما نتذكر جيداً، ركز الخندق الأمريكي جهوده على تحطيم النصر الكبير ورمزه، حين أطلقت ابواق الكذب الإعلامي على أقصاها في العراق، وحتى خارجه عن نهب الحشد وتدميره للمدينة. فنقرا مثلا هذا الخبر والذي تنسب فيه صحيفة "الخليج" بكل وقاحة لمحافظ صلاح الدين قولاً بأن: "الحشد” يواصل النهب والحرق في تكريت"!(1)
    وهو تزوير لما قاله محافظ صلاح الدين رائد الجبوري حين تحدث عن "وجود عصابات مندسة تنتحل صفة الحشد الشعبي، تقوم بأعمال تخريبية وحرق الدور والمحال للإساءة إلى صورة انتصارات الحشد الشعبي وتضحياته”(2) وما أكده نائب محافظ صلاح الدين عمار البلداوي، حين ندد بـ "الهجمة الشرسة" تجاه الحشد الشعبي، معتبراً إياها تهدف الى "الإساءة" لعناصر الأخير و"ضمان" عدم تقدمهم لتحرير مناطق أخرى، وأكد أن بعض التصرفات "المسيئة" تنفذ من قبل "مندسين" في صفوف الحشد.(3)
    كذلك أكد رئيس مجلس علماء صلاح الدين عبد العظيم حمد الجبوري، ان قوات الحشد الشعبي دافعت عن تكريت وعن ممتلكات مواطنيها، وندد بالحملة ضدها. (4)

    ورغم تلك التأكيدات فأن ابواق الفتنة الأمريكية البعثية لم تهدأ، وادعت ان بيوتا ومحالا تجارية تم حرقها وأن "ثلاجات" ومبردات قد سرقت، إلا ان هذه الأصوات الناشزة تحولت إلى نكتة ردت إلى نحور أصحابها. ولم يبق في النهاية من صورة في الذهن سوى صورة جنود الحشد يرقصون مع أهالي المناطق المحررة، وصورة امرأة كبيرة تحتضن "ولدها" الجديد، ابن الحشد البار، وهما يبكيان دموع الفرح بعودة كل منهما للآخر!

    إن تحرير "فلوجة الناس" مهمة صعبة، لكنها لا يجب أن تكون أكثر صعوبة من تحرير "تكريت الناس"، فهناك ايضاً كانت جريمة "سبايكر" الرهيبة التي تفوق اية جريمة إرهابية أخرى في العراق حجما وبشاعة، وكان يراد ان تكون لها صدمة تقضي على كل أمل بوحدة العراق، تماما مثلما كان يراد لصدمة تفجير العسكريين في 2006 أن تفعل. لكن الشعب العراقي، وبشكل خاص شيعته، تحمل الصدمتان ببطولة وكرامة نادرتين، وبدلا من الإنتقام لشهداء سبايكر من الأبرياء، اكتشفنا المرأة الرائعة ‫ (ام قصي) التي أطلق عليها تيمنا اسم طوعة، التي خاطرت بحياتها وحياة أهلها من اجل حماية ما تيسر لها حمايتهم من جنود سبايكر، فصاروا لها خلال 17 يوماً عاشوها معا ورقابهم على حافة السكين، اولاداً لها وكأنها ربتهم طيلة سني حياتهم، فكانت قصة انسانية اسطورية رائعة وأدمع لقاءهم مرة ثانية، ملايين العراقيين، ومازالت عيوني تدمع كلما رأيت الفلم من جديد. نحن جديرون اليوم أن نعيد رؤية هذا الفلم ومنه نستمد قوتنا.(5)‬
    لقد كتب الأستاذ نصير المهدي يقول: "وتحرير الفلوجة واجب وطني تقتضيه مصلحة العراقيين كافة وحتى المغرر بهم وليس معركة ثأر وإنتقام ... واستدعاء الأحداث التاريخية في مثل هذه المناسبة يخدم جبهة العدو ....وهذا يعني أن العمليات الجارية لن تقفل ملف الفلوجة بل ستحولها الى ميدان لاستنزاف الأرواح”.(6)

    ولابد لي ان اشير هنا الى مقالة بسيم محمد مصطفى "هم و نحن” (7)وجاء فيها: "(هم) أرادوا أن نرى "السنة الذين قتلوا الشيعة" في حادثة جسر الأئمة ، و (نحن) رأينا الشهيد عثمان "السني" الذي انقذ ثمانية من الزوار "الشيعة" قبل أن يستشهد غرقاً مع اهله الزوار..
    (هم) أرادوا أن نرى "التكارتة اللذين قتلوا ابنائنا في سبايكر" و (نحن) رأينا المرأة البطلة "ام قصي" من صلاح الدين التي انقذت من صاروا اولادها من الجنوب ، بل و أسميناها "طوعة" تيمناً .."

    نعم، بسيم يضع بهذا حداً فاصلا بين (نحن) و (هم)، بين من هو عراقي ومن يريد تدمير العراق.

    كتب منير التميمي أن "ام قصي" إذا قالت غداً "ها خوتي"، جاءتها الملايين من "تفاكة" الجنوبين تهتف "لبيك".
    لقد انقذت روح ام قصي معركة تحرير تكريت، وأتمنى أن تكون معنا في معركة تحرير الفلوجة ثم في معركة الموصل، تنشر مشاعر الشهامة والوحدة والاخوة على الشباب المقاتل، فيسحق من يستحق ويحتضن من يستحق، ويحقق النصر الكامل من كل الجوانب، ليستعيد العراق من داعش ومن أسس داعش، مدنه... واهلها أيضاً.

     (1) محافظ صلاح الدين:"الحشد” يواصل النهب والحرق في تكريت

    http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/007fb8cd-4c88-47ac-b453-cba7775f879e

    (2) محافظ صلاح الدين للمربد:عصابات مندسة حرقت الدور السكنية للإساءة لسمعة الحشد الشعبي

    http://almirbad.com/news/view.aspx?cdate=04042015&id=7210cfe3-34fe-4bd4-b93e-929c10ea1544

    (3) صلاح الدين تنددبـ"الهجمة الشرسة" تجاه الحشد وتؤكد: التصرفات المسيئة ينفذها مندسون

    http://www.alsumaria.tv/news/129905

    (4) علماء صلاح الدين :الحشدالشعبي دافع عن تكريت

    http://hakaek.net/?p=20225

    (5) طوعة (ام قصي) من العلم/صلاح الدين التي انقذت ارواح العشرات من طلاب سبايكرمن داعش

    https://www.youtube.com/watch?v=iSMlJ92eayc

    (6) نصير المهدي:فلوجيات

     https://www.facebook.com/neseer.elmehdi/posts/1741352202812553

    (7) بسيم محمدمصطفى: هم ونحن

    https://www.facebook.com/baseem.must/posts/10206559775578427

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media