مؤتمر باريس... ومن المذنب؟
    الأحد 29 مايو / أيار 2016 - 11:49
    قرطبة الظاهر
    عارضنا نظام صدام لاكثر من 29 عاما وعشنا في شتى اصقاع العالم هربا من بطش المخابرات الصدامية حتى استقرارنا في اوروبا التي لم ترحمنا قط من ملاحقة هؤلاء الذين جندوا اعدادا كبيرة من اللاجئين العراقيين ليمنحوا هوية ما يسمى بال"مغتربين" تهيأهم لتنفيذ اوامر جلادهم الاكبر في بغداد ضد ابناء وبنات الجالية العراقية وبالتعاون مع انظمة الاحزاب في اوروبا. ولدي ما يكفي من ظلم وجور وقعنا فيه ضحية النظام الذي منحنا اللجوء وضحية النظام الصدامي العفلقي في تلك الحقبة المؤلمة علينا جميعا.
    تنفسنا الصعداء وانجلت تلك الغيمة السوداء من سمائنا عام 2003 واعتقدنا بان امريكا واحتلالها مع الحلفاء قد يمكن العراق من طفرة اقتصادية نوعية في الشرق الاوسط ويجلب الاستثمار والاسقرار والامن والامان. لاحظنا تغيير مفاجئ لنبرة اوروبا وانظمتها تجاهنا. استطعنا بعد 2003 اكمال دراستنا الجامعية، استطعنا ايجاد عمل مناسب لنا بعد قطيعة كبيرة ومضايقات عديدة واسلوب استفزازي وتسقيطي لم نشهده من قبل. لكن سرعان ما تلاشت احلامنا وتطلعاتنا إلى عراق ما بعد الدكتاتورية. لم نر نظاما ديمقراطيا ولم نر انتخابات حرة ونزيهة ونظيفة، لم نر بناء ولا تحضر ولا عمران، لم نر حقوقنا تعود لنا كما هو مفترض، لم نر عدالة ولم نر قانون ولم نر حتى دولة! فما وجدناه منذ عام 2003 هو نظام الاوليكارخية الفئوية الطائفية والقومجية ونظام الاسلاموـ أرسطقراطي الفاسد حتى اخمص قدميه، ونظام المليشيات والعصابات ونظام الطبقة الامية والجاهلة. لم نجد ديمقراطية حقة تصنع الفكر النظيف والناقد وتحترم ارادة الانسان وتحفظ كرامته وتصونها. لم نجد مؤسسات دولة تدار من قبل كفاءات علمية تخدم اهلها وتسعى لتحقيق العدالة بين الناس وتنصف المظلومين وتعدل مسار الحوكمة او النظم الادارية في المؤسسات العامة عبر قوانين اصلاحية شاملة ومواكبة للعصر الحديث. بل وجدنا تراجعا مريبا في الانتاج والاكتفاء الذاتي ونسبة بطالة عالية بين الخريجين وموظفين غير جديرين وغير نزيهين وعصابات تجوب شوارع العاصمة بسيارات مصفحة تعود للحكومة ولاحزاب السلطة. وجدنا ثروات العراق تذهب إلى ارصدة الشركات وليس إلى عائدات الدولة ووجدنا عقود وهمية وشركات اصلها مافيات دولية مسلحة تقتل وتغتصب وتغتال بلا رادع او قانون يحمي المواطنين. وجدنا احتكار الاميين ومزوري الشهادات للوظائف الاساسية والهامة في الدولة، وجدنا حشود كبيرة من هم ليسو اصلا عراقيين يجوبون دوائر الدولة ويتحدثون فيما بينهم باللغة الايرانية! كل هذا لاحظناه ووجدناه والخطأ الاعظم الذي ارتكبه جورج بوش الابن وفريقه في العراق هو حل الجيش العراقي والتصنيع العسكري وانشاء نظام الدمج والمليشيات عوضا عنه للبدأ في مرحلة تقسيم العراق طائفيا وعرقيا، كما مشروع قتل الكفاءات العراقية وابعادهم وتهميشهم بشكل ممنهج ومبرمج بالتعاون مع ايران ومليشياتها الناشطة في العراق!
    إنه نتاج كل هذه السياسات الخاطئة، انه ناتج طبيعي لكل ما حدث ولازال يحدث في العراق من اخطاء جسيمة وفادحة تقوم بها جماعات من الفاسدين السياسيين والجهلاء في السياسة وادارة الدولة. فهيبة الدولة اصبحت وبفضلهم بيد قاسم سليماني والارادة الايرانية بقيادة الولي الفقيه والحوزة النجفية بقيادة المراجع الاربع لا تقوى على الكلام ضد التدخلات الايرانية الفاضحة. وامريكا سحبت ايديها من العراق سياسيا فهي الان تركز عملها فقط على مكافحة داعش جوا وتدريب القوات العراقية المسلحة على الاسلحة المتوسطة والثقيلة الجديدة والاكراد يخططون لتقسيم العراق وقضمه عبر تأسيس دولة مستقلة لهم بدعم امريكي ـ اسرائيلي ـ عروبي.
    فماذا يتوقع ساسة العراق بعد كل هذه الكارثة؟؟؟ ان يسكت العراقيون؟ ان يلزموا الصمت بعد ان تم تهجيرهم من ارضهم وسرقة كل حقوقهم ونهب ثرواتهم؟ ماذا يتوقع المالكي وحيدر العبادي وعمار الحكيم وهادي العامري والنجيفيين والمطلق والعاني والعيساوي من كل ما احدثوه في العراق من نكبات وارهاب ومآسي وسرقة اكثر من 800 مليار دولار من املاك وحقوق العراقيين؟؟؟
    مؤتمر باريس هو ردة فعل متلازمة لعدة ردود افعال في الشارع الغاضب والهائج على نظام الفاسدين في الخضراء وأكذوبة الاصلاحات العبادية. جاء هذا المؤتمر الذي لم نتوقع وقوعه بعد كل الاعتراضات وبعد ان انسحب حزب البعث منه وهيئة علماء المسلمين كعمل رديف للاستبداد والطغيان في بغداد المليشيات والعصابات. انها ليست معارضة من داخل البرلمان او من داخل فصيل حزبي شارك في العملية السياسة. قطعا انهم عراقيون بلا حقوق من كافة طبقات المجتمع العراقي جاؤوا للتشاور وحل الازمة مع المجتمع الدولي. كنا قد سبقناهم في انعقاد مؤتمر مع الامم المتحدة في جنيف لكن الاخيرة لم تستجب لانها خاضعة لاوامر امريكا وسياساتها في العراق.

    يجب ان يتبلور دور المعارضة العراقية في الداخل والخارج ويجب ان يكون هناك تداول مباشر مع كافة الحركات المناهضة لنظام المحاصصات والفساد والطائفية في العراق. فقط هكذا ستنجح المعارضة في ايصال صوتها إلى العالم وفقط هكذا سينجح العراقيون في تقرير مصيرهم باسقلالية تامة...
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media