مخاطر نظام المحاصصة على الوحدة الوطنية (2)
    الأحد 19 يونيو / حزيران 2016 - 09:08
    فلاح علي
    ثالثاً : المرتكزات الثقافية والفكرية :
    ان نظام المحاصصة قائم على مرتكزات ثقافية وفكرية حاول فرضهما على المجتمع والدولة من خلال وسائل الاعلام المملوكة لهذه الكتلة او تلك ومن خلال تقاسمة وهيمنته على السلطة السياسية .  ان تجربة العراق أكدت ان الثقافة الطائفية والاثنية المتعصبةغذت و تغذي أولوية الانتماء الى الطائفة وزعمائها والمذهب والقومية على الوطن . ان الثقافة الطائفية والاثنية المتعصبة حولت العلاقة الوطيدة بين الوطن والدولة الى علاقة بين الطائفة والقومية والدولة  . أي ان هذه الثقافة اللاوطنية غيبت الوطن والشعب والمواطن . ان هذه الثقافة الطائفية وهذه الرؤية اسهمتا في تفكيك الوحدة الوطنية وتمزيق النسيج الاجتماعي للمجتمع العراقي ,وهمشت المواطن وحولته الى احد رعايا الطائفة والمذهب والقومية وغيبت الهوية الوطنية وحلت محلها الهويات الطائفية والمذهبية والعشائرية والقبلية . ان هذا الخلل الفكري الذي يحملة المشروع الثقافي الطائفي يشكل تناقض في المشروع ويضعه في خانة اللاوطنية , لهذا كان هذا التناقض يعتبر من احد الاسباب الاساسية لدفع هذه الكتلة الطائفية او تلك الى الاستقواء بالعامل الاقليمي والدولي لمواجهة ما تسمية بالخصم الداخلي . وهذا ما اكدتة تجربة نظام المحاصصة وهذا هو في الواقع ترابط للمصالح الفئوية الذاتية بين الكتل المتحاصصة والاستراتيجية الامريكية ومصالح الدول الاقليمية , فالكتل المتحاصصة تستعين بالعامل الاقليمي والدولي لمساعدتها في الاحتفاظ بالسلطة السياسية . ان هذه الوجهة التي مثلها الفكر الطائفي في العراق هي ليس نظرية وانما هي من الواقع وجسدها نظام المحاصصة في الممارسة والسلوك وفي خطابة السياسي . ان زعماء الطائفية السياسية يعتقدون انه من خلال تعبئة ابناء الطائفة حولهم سيكسبون ولائهم ودعمهم وتبعيتهم لهؤلاء الزعماء الطائفيون وبالتالي يضمنون ابدية بقائهم وهيمنتهم على السلطة السياسية كما يعتقدون . لهذا ما يشهده المواطن اليوم في العراق من مقاومة شرسة من قبل هؤلاء الزعماء للأصلاح والتغيير الديمقراطي ولجوئهم الى المناورات المكشوفة والضغط لأضعاف وانهاء الحراك الجماهيري السلمي , ما هو الا دليل على تمسكهم بالسلطة ومعارضتهم للاصلاح والتغيير تحت ذريعة ان التغيير يهدد وحدة الكيان ما يقصدونه بالكيان هو الطائفة ويعرضة للتفكك , ولكن ما اكدته التجربة ان نظام المحاصصة والفكر السياسي الطائفي فككوا الوطن وقسموه الى ثلاث كيانات وهمشوا الكيانات الاخرى اي قوميات شعبنا الاخرى كما همشوا كل التيارات السياسية والفكرية. وعرضوا الوطن للتقسيم .في حين ان كل تجارب شعوب العالم أكدت ان تغيير النظام السياسي الى نظام ديمقراطي قائم على المؤسسات الديمقراطية وليس المحاصصة هو لصالح الوطن والشعب ويضعهما على  طريق التطور والازدهار ويهيئ لبناء دولة ديمقراطية فيدرالية حديثة. ان الفكر الطائفي همش دور المواطن وفكك الوحدة الوطنية ومزق النسيج الاجتماعي للشعب , وناصب الديمقراطية وفكرها العداء .
    رابعاً : المرتكزات الاعلامية :
    بعد سقوط النظام الدكتاتوري من خلال الحرب والاحتلال واقامة نظام المحاصصة الطائفية والاثنية ,  تم فتح ابواب التمويل المالي الامريكي والاقليمي على مصراعيها لتأسيس قنوات تلفزيونية بحجة حرية الاعلام . بهذا تم وضع مرتكزات للاعلام الطائفي والنيوليبرالي في العراق واصبح عدد القنوات الفضائية الطائفية كثير جداً حتى اشخاص امتلكوا قنواة تلفزيونية بتمويل اقليمي, وتم اصدارصحف ومجلات بالعشرات ودفعت مبالغ مالية شهرية عالية لأستقطاب الاعلاميين , والتحق بهذا الاعلام الدخيل على الاعلام العراقي الوطني والديمقراطي ,اعلاميون كثر تحت ضغط ظروف المعيشة الصعبة , وتم اختراق الاعلام العراقي من جهات دولية واقليمية ومتطرفين وبعثيين وفي ظل غياب قوانين وتعليمات تنظم العملية الاعلامية وضعف رقابة البرلمان , تعرض العراق لقصف صاروخي عشوائي من الجو والبحر والبر بصواريخ حاملة لرؤس تفكيك وتدميرالوحدة الوطنية وتمزيق النسيج الاجتماعي وبث الكراهيه والشحن الطائفي والتحريض على العنف واثارة الصراعات الطائفية والاثنية والحزبية السياسية  .  ما نشاهده اليوم من صورة للاعلام الطائفي في العراق  , انها بحق مؤلمة وقف ويقف حولها اجندات و ممارسات مبرمجة لصالح الطائفية والشحن الطائفي والتعصب القومي , وتكريس الهويات الثانوية الطائفية والمذهبية والاثنية والعشائرية على حساب الهوية الوطنية واثارة الصراعات , لهذا ما اكدته تجربة العراق ان الاعلام الطائفي ليس في صالح الوطن والشعب . لذلك التقت المصالح الفئوية الذاتية لزعماء الكتل المتحاصصة مع الاستراتيجية الامريكية والاقليمية في الساحة العراقية وفي منطقة الشرق الاوسط . لا سيما ان امريكا تعمل وفق مبدأ فرق اقتصد . ان احد اجندات الولايات المتحدة الامريكية  في الساحة العراقية , هي في اشاعة الفوضى الاعلامية ونشر الفكر النيوليبرالي وفكر وثقافة الطائفية من خلال الاعلام لغرض تنفيذ أجندتها. ان جوهر المشكلة في الاعلام الطائفي هو نظام المحاصصة الطائفية لأن المشكلة هي ليس في الاعلام فقط وانما المشكلة هي سياسية لهذا تسمى بالطائقية السياسية وتقف ورائها مصالح فئوية ذاتية لزعماء الكتل الطائفية وليست المشكلة دينية او مذهبية او أثنية . وهذا يعني على الواقع ان نظام المحاصصة يتبنى الطائفية السياسية .
    خامساً : هنالك مرتكزات في المؤسسة العسكرية والامنية :
    نظام المحاصصة أخضع المؤسسة العسكرية والامنية  الى المحاصصة واصبحت هذه المؤسسة حكراً لمحاصصاتهم  , وتم تقسيم  الوظائف من الوزير الى المراتب العليا فيما بينهم والصراع حولها . ان كتل المحاصصة الطائفية تناست ان الجيش العراقي هو يمثل مؤسسة وطنية انه جيش وطني , ان الشعور الوطني والوطنية الحقة والحرص على الوحدة الوطنية تستلزم عدم اخضاع الجيش والداخلية والاجهزة الاستخباراتية والامنية للمحاصصة , وان تؤسس هذه المؤسسة العسكرية على اساس الكفائة والوطنية والاخلاص للوطن من هذا كان الصراع بين الكتل الطائفية على أشده على من يحصل وزارة الدفاع او الداخلية , وكانت هذه الاجهزة هي الاكثر عرضة للاختراقات , مع تنامي الارهاب والفساد وغياب الامن والامان وانتشار الميليشيات والمافيات واحتلال داعش لمدن . فغاب الامن والاستقرار في البلد وهذه احد مخاطر نظام المحاصصة . هذه المقالة لا تتطلب الدخول في تفاصيل ومعطيات يعرفها الشعب , وانما لتبيان مرتكزات ومخاطر نظام المحاصصة  على الوحدة الوطنية .
    ما يمكن الخروج به من استنتاجات على ضوء التجربة العراقية :
    1- ما أكدته تجربة العراق ان المشكلة والازمات لا تكمن في الدين والمذهب والقومية وانما المشكلة تكمن في جوهر نظام المحاصصة الطائفية والاثنية اي المشكلة سياسية ترتبط بالمصالح الذاتية لزعماء الكتل واجنداتهم وصراعاتهم على الهيمنة والاستحواذ وهذا ما انتجته الطائفية السياسية التي يتبناها نظام المحاصصة .
    2- ان نظام المحاصصة له مرتكزات في الدولة والمجتمع , وهو سبب كل أزمات البلد  وانتشار الفساد والفوضى والارهاب وغياب الامن والامان .... الخ لكن المشكلة الاخطر هو ان نظام المحاصصة أصبح مرتكز لتقسيم العراق .
    3- أرى ان انهاء نظام المحاصصة الطائفية دفعة واحدة عملية صعبة جداً ومستحيلة , رغم تصاعد ضغط الحراك الجماهيري , ما يمكن ملاحظته ان مقاومة كتل نظام المحاصصة ومناوراتها لا زالت شرسة وقوية ومدعومة اقليمياً ودولياً . من هنا ان حاجة النضال الجماهيري السلمي تتطلب تحديد أولويات التصدي لنظام المحاصصة الطائفية في مقدمتها الضغط بكل الوسائل السلمية على البرلمان لوضع  تشريعات قانونية ذات طبيعة ديمقراطية . والتشرعات هي سياسية وقضائية وثقافية و اعلامية وتعليمية وتربوية واقتصادية واجتماعية وخاصة ضمان حقوق الانسان وتعزيز مبدأ المواطنة وتحقيق العدالة الاجتماعية اي ان تحديد الاولويات ليس على اساس مراحل متباعدة وانما على دفعات زمنية مترايطة .
    4- ارى ان هنالك مدخل مهم جداً لأجل التسريع في الاصلاح والتغييرالديمقراطي يكمن في العمل على تغيير التوازن في المجتمع , وهذه مهمه صعبة جداً لأن الكتل المتحاصصة متمترسة في تحالفات طائفية ان هذه التحالفات تمثل مصدر قوتها وهيمنتها في الدولة والمجتمع . وهذه المهمه تحتاج لأمكانيات كبيرة على صعيد قوى لتهيئة مستلزمات منها اعلام جماهيري واسع وزيادة وزن لاعبيين في العملية السياسية من قوى ديمقراطية ويسارية واتحادات عمالية ومهنية وتشكيل قطب ديمقراطي يساري عابر للطوائف والقوميات سيكون عامل هام ومؤثر في تهيئة مستلزمات تغيير التوازن في المجتمع والتأثير الايجابي على القاعدة الاجتماعية لكتل المحاصصة .
    5- ان الطبقة العاملة وحركتها النقابية هي القوة المدنية الفاعلة في المجتمع في حالة دخولها الكامل في الحراك الجماهيري مع شبيبة الحراك الجماهيري , ستكون خطوة متقدمة على صعيد تغيير توازن القوى الطبقية والسياسية في المجتمع ,  لصالح الشعب والوحدة الوطنية على حساب الطائفية السياسية , لا سيما ان الطبقة العاملة بحكم دورها في عملية الانتاج والخدمات وتسيير مرافق الدولة الاخرى ومؤسساتها وبحكم تنظيمها فأنها بمقدورها التأثير الايجابي على كل الكادحين والمهمشين في المجتمع ومعهم فقراء الارياف وفئات اخرى وكسبهم وجرهم الى الانضمام معها في الحراك الجماهيري لأنها تعبر عن مصالحهم , وبهذا يحدث تغيير التوازن وتهيئ مستلزمات الاصلاح والتغيير الحقيقي .
    6- ان السلاح الفكري المجرب لمواجهة الطائفية السياسية هوالثقافة الوطنية وفكرها الديمقراطي البعيدعن الجمود , وهو السلاح الفكري الفعال والقادر على تبيان مخاطر واضرار نظام المحاصصة وهو الضامن للوحدة الوطنية والمعبر عن حاجات و تطلعات ومصالح الشعب والوطن , وهو يمثل عامل تعبئة لكل طبقات وفئات المجتمع العراقي , من هذا تلعب الثقافة الوطنية وفكرها الديمقراطي على انحصار القاعدة الاجتماعية للكتل الطائفية والقومية المتعصبة وتضعف التحالفات الطائفية , مع تواصل النضال الجماهيري السلمي والاعلامي الضاغط بهذا النضال الجماهيري الحامل للمشروع الديمقراطي ستنهض جماهير الشعب للاسراع باحداث الاصلاح والتغيير وانهاء الفساد وبناء دولة المواطنة ونظامها الديمقراطي الفيدرالي الموحد .
    7- ما أكدته تجربة العراق ان الثقافة الوطنية الديمقراطية هي حاجة فكرية للشعب وهي تمثل حقيقة الشعب العراقي بكافة قومياتة واديانة , وان الاعلام الوطني ذات التوجه الديمقراطي هو يمثل صوت الشعب العراقي بكافة طبقاتة وفئاتة الاجتماعية وكادحية بوجه الاعلام والثقافة الطائفية الخطيرة على الوحدة الوطنية .

    18-6-2016
     
    1. مخاطر نظام المحاصصة على الوحدة الوطنية (1) - فلاح علي
      10/06/2016 - 14:06 مقالات
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media