الزجاج والحجر!!
    الثلاثاء 28 يونيو / حزيران 2016 - 08:28
    د. صادق السامرائي
    تحطّم زجاج وجودنا وتهدّم بنيان عزّنا , وتهشّمت صورة هويتنا , وتحوّلنا إلى شظايا , بعد أن تكسّرت قارورة وعينا , وتناثرت حبّات ذاتنا , وانتشرت براعمنا المقهورة في أرجاء المعمورة.
    فمَن الذي جعل صَرحَ مسيرتنا كأنه الزجاج الذي فقد قدرات التماسك والحفاظ على هيأته وعلاماته الفارقة ؟!
    ومَن الذي وضعنا في ماء مُتجلد ومن ثم في ماء يغلي ويفور , فصرنا زجاجا يتطاير ويفقد قيمته ودوره النافع؟!
    نحن الذين سحقنا ذاتنا ومَحقنا موضوعنا , لتجاهلنا حقائق الحياة وقوانين الزمان والمكان , وإمعاننا بالأمية الشاملة التي تهيمن على رؤوسنا , وتساهم في إستنقاع ما فيها وتعفنه , مما تسبب بسلوكيات كريهة نتنة.
    نحن الذين شاركنا في إنتاج الغشاوات الكثيفة الكافية لحجب النظر , وعقر البصر , وتحويل القلوب إلى حجر.
    ونحن لا غيرنا الذين فتحنا الأبواب وأشرعنا الشبابيك وتنازلنا عن الحرمات والمقدسات , وتسابقنا نحو الدمار والخراب , والتفاعل السلبي مع جمعنا وبعضنا , وكل ما فينا من عناصر القوة والقدرة على لوي أعناق الصعاب.
    فحجر وجودنا الصلد الشامخ الرائد السائد , أذابته نيران ما فينا وجحيمات فانينا , حتى أصبحنا أدوات طيّعة وإرادات مُضيّعة , وآلات تابعة للذي ينحرنا بمديَة وجودنا , وأسلحة صيرورتنا , فبدى الخير شرا , والصدق كذبا , والخيانة شرفا , والمذلة فخرا , وتنفيذ مشاريع آكلينا طقوسا نمارسها لتقرّبنا لسيدنا , الذي يفترسنا على موائد الفرحين المسرورين بالإكتفاء بغيرهم لتحقيق مشاريعهم العدوانية وأطماعهم البهتانية.
    فهل ينفع رمضان لترميم أعماقنا , وتطهير نفوسنا , وتنقية أرواحنا , وضخ قلوبنا بدماء العفو والرحمة والمحبة والسماحة؟
    رمضان الذي علينا أن نتأمل فيه أحوالنا ونرعى طاقات الخير والتعاون والتكافل والتكاتف في مجتمعاتنا , هل يستطيع تزويدنا بما يُصلح ذات بيننا وذات ذاتنا , ويهذبنا ويخرجنا من ظلمات الغفلة والهوس البغضاوي , والتوحش السلوكي الذي يهيننا ويخزينا؟
    علينا أن نقف بشجاعة وصدق وإيمان , إن كنا حقا نريد العزة والكرامة والمَقام الطيب السعيد , وإلا فلن ينفعنا كل ما نقوم به ما دمنا نبدي سيئات ما فينا , ونقهر أروع ما فينا , ونتعادى ونبرر إيذاء بعضنا ومصادرة حقوق الآخرين من حولنا , ونتظاهر بالتديّن ونتقنع بما يدمر الدنيا والدين.
    فقد وصلت الأمة إلى مفترق طرق , وعليها أن تختار ما بين أن تكون أو تهون , ولن يشفع لها التمنطق بأي دين , ما دامت الأعمال تترجم دين الهوى ورب الهوى , وتتعبّد في محراب النفس الأمّارة بالسوء والعدوان.
    فهل سيعطينا رمضان بعض معنى لنرعوي ونسترد رشدنا؟!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media