التطبيع ترسيخ مهمة التوترات والازمات
    الأربعاء 29 يونيو / حزيران 2016 - 15:39
    عبد الخالق الفلاح
    بعد ستة أعوام مرة من الانقطاع والتهديد والتوترالشكلي في العلاقة بين الكيان الاسرائيلي والنظام التركي، أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم في 27 يونيو/حزيران 2016 توصل الطرفين الإسرائيلي والتركي -في العاصمة الإيطالية روما- إلى تفاهم حول تطبيع العلاقات بينهما. والتي نتجت عن الغارة الإسرائيلية التي شنت على السفينة ( مافي مرمرة )التي حدثت في 31 مايو/أيار 2010،والتي تعتبر من  أهم الأحداث التي أضعفت العلاقة بين البلدين. حيث هاجمت القوات الإسرائيلية أسطول الحرية الذي كان يحمل مساعدات إنسانية، لغرض كسر الحصار المفروض على قطاع غزة .وأفضت إلى مقتل تسعة مواطنين أتراك. استدعت تركيا حينها سفيرها من تل أبيب، وطالبت إسرائيل بالاعتذار فورا عن الهجوم، ودفع تعويضات لعائلات الضحايا، ورفع الحصار المفروض على غزة. ومع عدم اتخاذ إسرائيل أي خطوات في هذا الاتجاه وصمت اذانها ، خفضت تركيا علاقاتها مع إسرائيل إلى المستوى الأدنى للتمثيل الدبلوماسي بمستوى القائم بالأعمال، وعلقت جميع الاتفاقات العسكرية.

    وفي 22 مارس/أذار 2013، قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان- اعتذارا باسم إسرائيل بخصوص قتلى ومصابي مافي مرمرة، وقبل أردوغان الاعتذار باسم الشعب التركي. . فور الإعلان المفاجئ عن الاعتذار والذي كان الانجاز الوحيد لزيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى المنطقة انذاك ، بادر رئيس الوزراء التركي رجب طيب  أردوغان في حينها إلى القول إن اعتذار نتنياهو حقق الشروط التركية وإن عودة العلاقات بين الجانبين سيخدم السلام والاستقرار الإقليمي في المنطقة والذي لم يكن سابقاً إلا الخراب والدمار .. إن أردوغان وبمجرد الاعتذار الإسرائيلي الشفهي بادر إلى إلغاء مطلب المحاكمة الدولية ومجمل ما فعله القضاء التركي بهذا الخصوص بعد أن بذلت المنظمات الحقوقية جهوداً كبيرة في هذا المجال أملاً في محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وهو بذلك تجاوز البرلمان التركي وقراراته في هذا المجال، ولعل هذا ما دفع بزعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليجدار أوغلو إلى اتهام أردوغان بتحويل المؤسسات التركية إلى مجرد مكاتب تخضع لأوامره، وهذا ما يكشف حقيقة زيف الحديث عن الديمقراطية والمؤسساتية في تركيا.

    الحادثة ادت الى الفجوة في للعلاقة بين البلدين والتي كانت تعتبر من أهم العلاقات في الشرق الأوسط وقد تعود و تتجة إلى عتبة التعاون المشترك مرة اخرى . و يفتح طريقاً أمام البلدين للعمل سوية ولن يستغرق الامر فترة طويلة و تستطيع تركيا وإسرائيل العودة إلى العمل للتأمر على المنطقة ،والحقيقة ان هناك، في موازاة هذه الخطوة ،خطوات أخرى تعمل عليها إسرائيل لتوسيع دائرة تحالفاتها، خارج اطار الدول العربية التي تربطها معها اتفاقيات تسوية، مصر والاردن، نحو دول التعاون وعلى رأسها المملكة السعودية. ويبدو من المسار المتدرج في تظهير هذا المسار، والرسائل السعودية المقابلة، أن القضية مرتبطة فقط بكيفية الإخراج للإنتقال الى مرحلة التحالف العلني مع اسرائيل، وخصوصاً ان حكومة العدو ترفض تقديم أي تنازل جوهري ادراكاً منها بأن الطرف السعودي ومعها دول في التعاون الخليجي  لن تكون أكثر تمسكا بحقوق الشعب الفلسطيني من الطرف التركي.

     وتطبيع العلاقات بينهما من الامور المحسوبة بالنظر لان الطرفيين لايختلفان شيئ في سياستهم في اكثر المجالات وهناك الكثير من التطابق في وجهات النظرولان تركيا الان تمر بمرحلة صعبة بسبب السياسات الخاطئة للرئيس التركي اردوغان في ضرب المعارضة السياسية ومما وقع البلد في مشاكل لاتعد ولاتحصى مع دول الجوارانعكست على الوضع الاقتصادي الحالي الهش ومن اهم الملفات هي قضية الاكراد في الداخل واشتداد الصراع مع جماعة غولن وكذلك النفجيرات التي تحدث بين حين واخر في مناطق مختلفة واخرها هزت قرب مطاراسطنبول الاستراتيجي والتي اثرت على مستوى السياحة التي تعتبر من الموارد المهمة في اقتصادها وقد انخفضت الموارد بنسبة اكثر من30- 40%عن السنوات السابقة اضافة الخلاف التركي - الروسي بعد حادث الطائرة الروسية التي اسقطتها انقرة والتي سارع اخيراً الرئيس التركي للاعتذار برسالة الي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعودة جزئية للعلاقات الاقتصادية بينهما كمرحلة اولية  كما ان عدم تعاون الناتووالدول الغربية  في الوقوف مع تركيا لتغيير نظام الحكم في سورية وبقاء انقرة لوحدها في هذا الصراع من الاسباب التي ضغطت في تغيير بوصلتها اتجاه الكيان الاسرائيلي التي كان رئيس الوزارء السابق احمد داوداوغلو يقف حائلاً امامها . وبالرغم من ذلك، ستكون للاعتذار الإسرائيلي لتركيا تبعات بعيدة المدى بالنسبة للمنطقة. ، ولو من خلف الستار، فيما يتعلق بموطن اهتمامهما المشترك الأكثر إلحاحاً – سورية – والتدخل المستمر في التواجد العسكري والاعتداءات في شمال العراق بالإضافة إلى طائفة من القضايا الأخرى، بما فيها التكنولوجيا العسكرية والتعاون بين حلف الناتو وإسرائيل. والخلافات الحادة مع حكومة مصر بعد ازالة نظام الاخوان  وكان الاعتذار خروجا عن الطبيعة المتغطرسة تقليديا للقيادة الإسرائيلية، حيث تجرع نتنياهو كأس المرارة منها. وبالرغم من أن الرأي العام فضّل تقديم الاعتذار، فإن المسؤولين الإسرائيليين أصروا في السابق على أن إسرائيل "لن تعتذر أبداً عن دفاعها عن مواطنيها"  و سوف يُقابل الاعتذار بمزيج من الحذر والراحة في المقر الرئيسي للناتو في بروكسل. وكان قد تم استثناء إسرائيل، من انضمامها لحوار الناتو المتوسطي قبل عقد، وفي التمارين العسكرية المشتركة للتحالف، استجابة للمطالب التركية المتصلبة، كما منعت إسرائيل من حضور أي ورشات عمل أو ندوات تعقد في تركيا. وفي العام الماضي، رفضت ايضاً تركيا حتى المشاركة الإسرائيلية في قمة الناتو في شيكاغو.

    وقد حصل تحول وتوسعت  طموحات أردوغان السياسية في الأعوام هذه، فقد عمد رئيس الوزراء إلى التخلي عن تحالف المصلحة هذا مع القوميين المتشددين. لذلك نرى إسرائيل قد فقدت بعضا من هالتها كقضية جدلية لصالح حزب أردوغان "العدالة والتنمية". ذلك، بالتناغم مع مغادرة وزير الخارجية الإسرائيلي المتشدد أفيغدور ليبرمان، والاهتمامات المشتركة للبلدين في سورية ، فقد مهدت الأرضية لاعتذار نتنياهو الحاسم ولقبول تركيا له . وتتطلع تركيا بشغف إلى استئناف التعاون مع إسرائيل التي تعد أكثر أقوى قوة عسكرية في المنطقة العربية على الاقل في الوقت الحالي ، فيما تقلقها الحرب الجارية في سورية والتي كانت تحسب لها حسباً خاصاً. وقد أعرب مسؤولون اسرائيليون عن اليأس من السلوك التركي. وسبق لاردوغان ان اعلن  "إن امتلاك هذا الفهم القاسي سوف يتعارض مع بنائنا وتاريخنا وثقافتنا". ولك أن تنظر عن كثب الآن إلى النهج الذي سيعقب.
    وقد تم الاشارة الى مواضع اخرى ، بمن فيهم وزير الطاقة التركي ، إلى تجدد إمكانية تصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى تركيا. لكن هذا قد يكون سابقاً لأوانه. وبعد أن اتفقت إسرائيل وقبرص في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2010 على عدم تحديد مناطقهما الاقتصادية الخاصة في شرقي البحر الابيض المتوسط من أجل التنقيب عن الهيدروكربونات، استدعت وزارة الخارجية التركية سفير إسرائيل للشكوى وأوصت بأنه سيكون هناك تصرف عملي ضد الجهود القبرصية لاستخراج الغاز الطبيعي في المنطقة الاقتصادية الخاصة في جنوب قبرص .

    وثمة احتمال بأن يسمح التقارب الجديد برفع وتيرة التعاون الاستخباراتي حول المنطقة بالكامل بمركزية انقرة ، كما يجدر التنويه، على اهتمام مشترك بمنع وصول الأسلحة الثقيلة إلى مجموعات مثل حزب الاتحاد الديمقراطي المتحالف مع حزب العمال الكردستاني في شمالي سورية، وحزب الله في لبنان، بالإضافة إلى مراقبة ورصد المرافق السورية المشكوك بأنها خاصة بالأسلحة الكيميائية. وتظل قدرات تركيا في الاستخبارات والاستطلاع والطلعات الاستكشافية محدودة، في الوقت الذي شرعت فيه الولايات المتحدة في الحد من المعلومات التي تتقاسمها معها. وهناك شائعات رائجة منذ فترة شائعات عن تعاون استخباراتي بين البلدين، حيث تبقى كل من إسرائيل وتركيا شريكين طبيعيين في هذا المضمار. كما ان التناقض في تصريحات للمسؤولين في البلدين يثير الشك من ان التقارب قد تقف خلفها مصالح تهم تعاون البلدين في مجال الاستخباري لضرب قوى محورالمقاومة وخضوع تركيا للضغوطات الامريكية في هذا المجال ، كما انها اصبحت تحت الضغط من امريكا لتقوم بإغلاق ما تبقى من نقاط العبور لعصابات داعش و الذي يمتد 60 ميلاً على الحدود السورية التي سيطرت عليها داعش و هذا المعابركان تستخدم لتصدير النفط الخام من حقول نفط التي سيطرت عليها داعش و لتصدير الاسلحة و مباشرة بعد هذا الامر إتهم الرئيس الروسي بوتين تركيا بإمداد داعش و القاعدة .

    والريبة تزداد من خلال ماذكرته تركية ان من اهم شروط التطبيع هو رفع الحصار عن قطاع غزة بشكل كامل وعودة الحياة الطبيعية  إلأ ان رئيس الكيان الصهيوني نتنياهو اعلن بأن رفع الحصار سيكون جزئي لايتجاوز الحالات الانسانية المهمة فقط اي ان القضية الفلسطينية لامكان لها في التطبيع بل قد تكون هي ايضاً مستهدفة  .
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media