خلدون جاويد ، حينما يكتبُ عن الساسةِ المنائكةِ (2)......
    الأربعاء 29 يونيو / حزيران 2016 - 15:45
    هاتف بشبوش
    الشاعر خلدون له العديد من القصائد ضد السراق والمارقين ،إنه الشاعر الأكثر غزارة في مجال فضح هؤلاء الساسة المتأسلمين الذين جاؤوا بعد سقوط الصنم ، لنر ماذا قال في جزء من رائعته الطويلة التي هي الأخرى بعنوانها الغريب ( قصيدة الكسكسة) :
    يتكسكسون لبعضِهم يتمرضعونْ
    ويُدَسْترون لسارقٍ ويُموّهونْ
    وهمُ الجميعُ الناهبونْ المفترونْ
    هُمْ بالجريمةِ والدناءةِ ضالعونْ
    تباً لهم عن غيّهـِمْ لايرجعونْ
    هُمْ خلف كلّ فجيعةٍ حلـّتْ بنا .
    يتكسكسون وخنجرُ العجْميّ يغدرْ
    والناسُ نهبُ الموت والدفـّان يحفرْ
    غامَ الطريقُ ونحن نحمدُهُ ونشكرْ
    نفنى ! . نكاد بخالق الحُكـّام نكفرْ
    " فسْبايكر" اللعنات قد كبرتْ وتكبُرْ
    والكل في المأساة ، إلاّ المارقونْ
    همْ أصل كلَ فجيعةٍ حاقتْ بنا .

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
    المعروف عن الأسود بأنها لاتترك عظام وجباتها ، مثلما تفعل الجوارح ، بل يأخذونها الى عوائلهم للتشاركِ في الغذاء ، أما هؤلاء الساسة يأكلون وحدهم تاركين أبناء جلدتهم جياعاً ومن دون أدنى حقوق ، إنهم الجوارح التي لاتفكر الاّ بإشباع بطونها فقط وليذهب الشعب الى الجحيم . 
    لقد تطرق الشاعر أعلاه الى تدخل بعض البلدان الأجنبية في الشان الداخلي العراقي ، مما جعله يترنح بين تلك الدولة وهذه ، والخاسر الوحيد هو الشعب دائما ، مثلما حصل في جريمة سبايكر ، التي راح ضحيتها أكثر من 2000 شاب في عمر الزهور حيث تمت عملية تصفيتهم بالقرب من قصور صدام ورميت جثثهم الى النهر . هؤلاء الساسة هم أصل الفجيعة التي حلت بنا منذ سقوط الصنم ، هم من جلبَ الطائفية والقتل على الهوية . يستمر الشاعر بقصائده الساخرة اللاذعة وموسوميتها الغرائبية كما في ثيمة رائعة  من قصيدة ( جرابيع ):
    " إذا الشعبُ يوما أرادَ الحياة
    فلا بُدّ مِن دحرِكم يا طـُغاةْ
    وخضراؤكم في مهاوي الردى
    تطيحُ وتهوي رؤوسُ الزناةْ
    وجرذانـُكُم غادرتْ جُحْرَها
    بذلٍ ،لترمى الى الحاوياتْ
    إذا هبّ شعبٌ زكيّ الدما

    تـُداسُ عتاةُّ ، تـُوارى بُغاةْ

    يستنجد الشاعر هنا بأبي القاسم الشابي وقولته الشهيرة .  الشعب النبيل حتما سيطيح بالمنطقة الخضراء ، كما حصل في التظاهرات الأخيرة ودخول الغاضبين الى المنطقة الخضراء . كما وأن الشاعر يذكرهم بسقوط الجرذ الأكبر ، بعد إن مسكوه في حفرته ذليلا مهانا . العراق هو بلد كلكامش ، ذاك الذي بحث عن نبتة الخلود ، ذاك الذي لم يقر له قرار حتى غادر الى أرض دلمون ، للبحث عن الحقيقة ، كلكامش الذي بقي مخلّدا على مر العصور ، إذ أوصته سيدوري صاحبة الحانة أن يعتني بزوجه وأطفاله  ، أن يعتني بشعبه ، أن يبني الحضارة ، ذلك هو الخلود الأبدي ولاغيرهُ ، ولذلك بقي كلكامش مخلّدا حتى اليوم بإسطورته الشهيرة  . لنقرأ الشاعر خلدون وماذا قال بصدد ذلك مستهيناُ بساسة هذا الزمن الأغبر  في قصيدة (" كلكامش الزعطوط) :
    كمْ مِنْ دموعٍ
    مثل سكبِ دموعِنا
    كم من مآقٍ
    مثل دجلة والفراتْ
    كم من برايا كفـّـنتْ أمواتها
    وهَمَتْ على التابوتِ
    أدمعُ أمهاتْ
    الشعبُ يخمرُ ينتشي
    بدموعِهِ
    لا حاضرٌ له غيرُ نبشِ الذكرياتْ
    كم من عِراقٍ منذ قابيلٍ ومذْ
    هابيلَ سبّاقا
    إلى قتل  الحياةْ
    إنّ العراقَ هو العراكُ ،
    وموتنا
    مُذ دُقّ في التابوت مسمارُ الوفاة
    ألجرحُ والدمُ
    والدموعُ صليبُنا
    ما حط  طيرٌ فوقهُ إلاّ وماتْ
    لا ، لا تقلْ لي ما العراق
    وأمرُهُ
    فهو الليالي الدامياتْ الناحِباتْ
    جيشُ من الفقراءِ
    تطحنـُهُ الوغى
    وتنام فوق الريش أبناءُ الذواتْ
    مَن مثلنا بمواجعٍ
    وفواجعٍ
    وفواتحٍ مِن مثلنا في النائباتْ
    بل نحن مُذ كلكامشٍ
    نبكي على
    إنكيدْ ،بل نبكي بلادا مُبتلاةْ
    مانحن إلاّ أمّةُّ مهدورة


    سُئلَ أحد الشعراء الكبار ويقال الجواهري : لماذا حينما تقول عراق تلفظها بضم العين لابكسرها ( عُراق) فقال : ..لأنه لايعز عليّ أن أكسر عين العراق .
    هذا هو الذي يستحقه العراق من تمجيد واحترام  ، رغم ما مرّبه منذ ذلك الوقت السحيق ، منذ قابيل وهابيل ، والصراع الدامي ، حتى يومنا هذا بكاء وعويل ،إنه أمة مهدورة ومبتلاة . إنه العراك والمعترك الذي لاينتهي بسبب الساسة المجرمين الذين إتخذوا من ميكافيلي مثالاً  كي يغرقوا العراق ببحور من الدماء  .
    ثم يتناول الشاعر قضية الشعار( شلع قلع)  الذي رفع من بعض الولاة والذين اعتبروا انفسهم قادة هذا الزمن ، ثم إنتشر هذا الشعار بين كافة الناس كما النار في الهشيم ، ثم تم التنحي عن هذا الشعار ولانعرف ماهو السبب ، هكذا هم الولاة حين يعتبرون أنفسهم قادة لشعوبهم ، يضحكون على الفقير لأنه بسيط لايستطيع فعل شيء سوى البكاء والخوف .أما بالنسبة للقيادة ، إذا كان القائد أهوج أحمق ، أي قائد ، قائد في حزب أو في عائلة ، أو شعب ، فإنه سيقود جماعته الى الهاوية والى الدمار ، مثل قائد العربة الذي هو المسؤول الأول عن حماية من في العربة جميعا . ولذلك نرى الزمرة الحاكمة وأزلام البعث حينما قادوا الشعب العراقي ، فإنهم قادوه الى الهاوية والى الدمار المعروف . لكن الشعب يتحمل المسؤولية ايضا وإن كان الخوف جاثما على صدره ، (كما تقول الحكمة ... لقد سقط امامك الكثير في الهاوية , فلماذا لم تتعظ ) . القائد يتحمل كافة المسؤولية المناطة به , ولذلك القيادة والريادة تختلف من هنا وهناك , هناك الكثير من القادة الذين دخلول التأريخ من باب النضال والحرص على شعوبهم وقضيتهم العادلة , ومنهم الثائر المكسيكي (زاباتا) , الثائر الذي علمته زوجته القراءة والكتابة , وظل يقود شعبه نحو الراية المنشودة , حتى مات على أيدي أعدائه المجرمين , وقد أمطروه بوابل من الرصاص وهو يحتضن حصانه , وهو اليوم في قمة الخلود . كما أود أن اشير الى أنّ شخصية (زاباتا )قد مثلت الى فلم رائع من بطولة الممثل القدير الراحل (مارلون براندو) وقد أبدع أيما إبداع في اداء هذه الشخصية الوطنية الخالدة.
    بناءً على ماتقدم أعلاه لنستمع للشاعر في فلقته الرائعة من قصيدة ( لاشلع ورقلع):

    " لا تشلعوا " خضراءَكم " لا تقلعوا "
    للبرلمانِ الألمعيّ استمعوا
    لاتعلنوا كفاحَكم نضالكم
    جهادكم وبجّلوهم واخنعوا
    مهما بدا منهم فهم أسيادكم
    ولتعبدوا فرعونكم ولتركعوا
    إن أحرقوكم إشكروا وأحمدوا
    وبسملوا وحوْقلوا وإخشعوا
    إن قتلوكم فرحةُّ ونعمةُّ
    جادَ بها الله عليكم فاقنعوا
    إن خطفوا الاولاد هذي بهجة ُّ
    فابتهجوا ، مكرمةُّ فانتفعوا
    السارقون أهلكم لاباس أنْ
    يشبع حكـّامٌ وانْ تـُجوّعوا
    لاتشتكوا مهما يكن فانهم
    وُلاتـُكم ، لهم أطيعوا واخضعوا

    (يقولون أن السفينة حينما تغرق أول من يغادرها هي الفئران)...

    لو حصل وتم الإتفاق من قبل الشعب المغلوب على أمره على شلع وقلع هؤلاء السراق لرأينا أول من يهرب هم أولئك الجبناء والفئران . كما وأن هناك توضيح ساخر صريح من قبل الشاعر ، على بقاء هذه الجموع الفقيرة على حالها ، سوى أن تبسمل وتحوقل وتحمدل ولاتجني شيئا سوى الخسارة . في حين يجب عليها أن تنتبه الى حالها وتتخلّص من العقد والتقاليد البالية التي من شأنها أن تؤدي الى ضياع حقوق الشغيلة ، كما وأن الشعب إذا ماظل على هذا الحال فسوف يكون مثل الذي يتحمل الخازوق الذي أدخل فيه في غفلةٍ من الزمن . لنقرأ للشاعر ماذا قال بشأن ذلك في قصيدة ( الخازوق) :
    سُحقا لرافعِ رايةٍ لجوارنا
    وبإسْتِهِ خازوقهُ الايراني
    تباً لطائفةِ النغيلِ كبيرهم
    وصغيرهم لدواعرٍ وزوَان
    يا آكلي أكبادِنا يا خاطفي
    أولادِنا يا أقذرَ الجُرذان
    لعْناً على أسلافِكم ،أخلافِكمْ
    غزواتِ تاريخٍ لعـِينٍ قانِ
    لا ياابنَ سُومرَ ألفُ عارٍأن نرى
    وطنا يُقادٌ بمارقٍ وجبانِ
    قمْ ياعراقيّ المآثرِ ، غيمة
    وتمُرّ عَبْرَ توافهِ الأزمانِ
    إنّ النواهشَ والدواعشَ جوّعوا
    شعبي رموهُ بذلةٍ وهوانِ


    يمكن ان تخدع كل الناس بعض الوقت ، وبعض الناس كل الوقت ، لكنك لاتستطيع خداع كل الناس كل الوقت ... إبراهام لنكولون
    كانت تقرع الأجراس في زمن الكنيسة لوقت طويل , حتى إهتدت في مئذنة الفنار مجاميع وطنية صارخة اتهمت بالفوضوية والهرطقة وأطلّت على ضفاف الجهل والغباء , فأدت الى ظهور الكثير من الأفكار المشاكسة والمضادة والتي إتخذت من العقل كمسار أساسي في إبداعاتها .
    أما بالنسبة لعراق اليوم ، فنرى متأسلمين أذاقونا المر والهوان ، من الإيرانيين الى الدواعش ، الى السلفية التي كانت تأكل الأكباد كما جدتهم ( هند) التي أكلت كبد الحمزة صيّاد الإسود ، انتقاما وحقدا . هو هذا الدين الذي ينخر في الشعوب ، لكنهم مهما فعلوا بأكاذيبهم هذه حتما سيأتي يوم فينكشفوا للقاصي والداني ، سيظهر للعيان خداعهم ومكرهم مهما طال الوقت ،  وسينكشف دينهم المخدّر حسب المصطلح الشائع ، وكما أفادنا الشاعر الكبير في بوحهِ الموسوم ( الدين المخدّر) :
    ماالدينُ إلاّ سارقُّ لدمائِنا
    بشرائِنا مُتنورٌ وببيعِنا مُتبَحِّرُ
    لاتتبعْ دينَ اللئامِ فانهمْ
    حرقوا العراقَ وأجهضوهُ ودمّروا
    الدينُ ذئبٌ في العراق ، دماؤنا
    من ناجذيهِ ومِن لسانِهِ تقطرُ
    دين الوبا والمفسدين خبرتـُهُ
    وعمائماً لمزيفين قد افتروا
    باسم النبيّ وآل بيتِه أقسموا
    أنْ سوف تنطلق البلادُ وتزهرُ
    سُحقا لهمْ كذبوا وزيّـفوا نهجَهم
    وتنكـّروا وتعّهروا وتجبّروا


    (الدين والملالي يصدقهم البسطاء ، ويرفظهم أولو الألباب ..الروائية الأيرانية مارينا نعمت ...في رواية سجينة طهران).
    التخلف الذي وصل في شعوبنا وفي السعودية بالذات ، هو أنّ أحد المواطنين قدم شكوى للمحكمة مفادها ، أن واحدا من الجن يجعله لايستطيع أن ينام ويقلقه ويزعجه ، القاضي يرد الدعوى عليه بإعتباره يحكم على الأنس فقط وليس على الجن ، وليس هناك نصوص شرعية للحكم على الجن ، كان المفروض من القاضي أن يرميها في وجهه ، (لكن هذا هو الحال مع الجهل الذي ينخر بنا ...محمد الباز عن مملكة غرف النوم والإنحراف الجنسي لدى العرب والسعودية) .
    لايستطيع الشاعر أن يستمر في السكون المطلق ، مادام في وعيه ونشاطه اليومي الدؤوب ، فلابد للاصوات الصارخة أن تأخذ مجراها وحقها ومداها وبصاقها بوجه الطغاة . ولذلك راح الشاعر خلدون يذيقهم وينعتهم بأسوأ النعوت فقال لهم ( تفٍ على إسلامكم) كما في رائعته أدناه :
    يتبــــــــع في الجـــــــــــــــزء الثانــــــــــــــــــــــــــــــــالث

    هـــاتف بشبــوش/ دنمارك/28/6/2016



    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media