سقوط الإمبراطوريات!!
    الأحد 17 يوليو / تموز 2016 - 21:52
    د. صادق السامرائي
    الأرض في مسيرة إنتقالية تواصلية تفاعلية ذات تداخلات متسارعة وإمتزاجات فائقة , وتحولات متوثبة نحو صيرورة إنسانية واحدة , ووطن واحد إسمه الأرض , أو الإمبراطورية الأرضية , أو الدولة الأرضية , وغيرها من المسميات التي ستكتسبها حتما في مراحلها القادمة , وهي تتطلع للتواصل مع جمهوريات كونية وإمبراطوريات فضائية , صارت قاب قوسين أو أدنى من إكتشاف وسائل الإتصال معها عبر شبكات كهرومغناطيسية ذات طاقات إندماجية عالية , حتى ليبدو الكون للأجيال القادمة على أنه فضاء يزدحم بالحضارات والإمبراطوريات الثاقبة الإمتدادات.
    ويبدو أن الأرض قد آوت في دائرة قصية فرضت عليها عزلة قاسية , وتسببت بإستنقاع ما فيها , وحوّلتها إلى تفاعلات سلبية ذات إرادات بقائية محكومة بقوة الدوران وقبضة الجاذبية.
    لكن المخلوقات الأرضية وعبر مسيرتها الأزلية – الأبدية قد تمكنت من الإنتصار على واقعها الإنعزالي , وإبتدأت مشوارها التفاعلي الإمتزاجي في وعائها الدوّار , وقد أخذت معالمه تتجسد في بدايات هذا القرن , وتتعاظم حتى تحوّلت المجتمعات إلى خليط من جميع الأجناس والأعراق والثقافات , وهذا يعني أن الأرض قد بلغت سن الرشد , وإكتسبت حكمة ذات قيمة حضارية تنافس بها حضارات كونية أخرى , ذلك أن المجتمعات الكونية واحدة في كينوناتها المطلقة , لأنها قد إمتلكت قدرات التواصل منذ نشأتها , أما المخلوقات الأرضية فأنها عاشت في عزلة شديدة على مدى المسيرة القاسية لمخلوقاتها , وما أن أزف هذا القرن حتى إستيقظت على ثورات تكنولوجية فاعلت جميع مخلوقاتها على شاشة صغيرة.
    وهذا يعني أن الموجودات الأرضية صارت تجري نحو بعضها , وتسعى للإختلاط والذوبان في كياناتها , لإنجاب أجيال ذات إنتماءٍ أرضي أصيل , مما سيؤدي إلى فشل المشاريع الإنعزالية والإمبراطورية الحالمة بإقامة حالات داستها سنابم القرون ومحقتها.
    فما عاد هناك فرصة لإمبراطوريات وفئويان ومذهبيات ودول حزبية ودينية وقومية , وغيرها من التصورات والأوهام التي عبثت بمصير المخلوقات , وفتكت بالبشر والعمران وأحرقت وأتلفت وأبادت وإرتكبت افظع الجرائم بحق البشرية جمعاء.
    هذه النزعات والتوجهات أصبحت في عداد الموتى , وفي مقبرة الماضي , فلن تنجح الجهود الهادفة لإقامة إمبراطورية أيا كان نوعها , ولن تفلح المشاريع الإنعزالية والفئوية والتحزبية , لأنها خارج العصر وضد نهر التأريخ الجاري بتيارٍ عنيف.
    وما يجري في العديد من المجتمعات المتمحنة بتصوراتها الخائبة ورؤاها السالبة , سببه عدم توافق إيقاع خطواتها مع إيقاع خطوات التأريخ , وما يدور من حروب أهلية وصراعات طائفية ومذهبية , ما هي إلا علامات لفظ الأنفاس الأخيرة للأفكار البائدة المتعارضة مع قوانين التأريخ الصارمة , والمتحدية لإرادة      الأرض العارمة.
    فالأرض تدور وتريد أن تمزج ما على ظهرها وفيها , وقد نجحت وتأكدت إرادتها الدورانية , وكل وعاء يدور يمتزج ما فيه وبعضه يأبى الإمتزاج , فيتعرض لقوة دورانية طاردة تلقي به على الأطراف , كما تلقي الأنهار ما فيها من الشوائب والفضلات على الجرف أو الضفاف , وهذا ما يحصل فعلا وواقعا في عصرنا الإمتزاجي الفعّال.
    أي أن هذه الصراعات عبارة عن فقاعات تلفظ أنفاسها الأخيرة على جرف هارئ يحتشد بالوعيد , ولن يبقى إلا ما ينفع الناس أما الزبد فيذهب جفاء , وتلك حقيقة شمّاء!!
    والذي سيبقي على زخم نزقه الإمبراطوري فأنه سيندحر وستُذهِب ريحه أعاصير الإمتزاج العولمي التسانومية الطباع والتفاعلات!!
    فهل إدراك معاصر لقوانين الحاضر والمستقبل؟!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media