اليهود العراقيون.. ضيوف أعدائنا
    الأربعاء 20 يوليو / تموز 2016 - 06:59
    آية منصور
    لا اعرف تحديدا من المسؤول عن صفحة "يهود العراق"، هذه الصفحة التي بدأت حديثا بقرص ارواحنا لتنبيهنا بمواطنينا السابقين، ممن اخذت بهم يد الحياة نحو بلدان اخرى بسبب ديانتهم، وابعدتهم السنوات بقسوة عن بلادهم، لكنهم وكمن يربي التحدي في جيبه، ابقوا العراق في مدن قلوبهم، وبقي العراق بدجلته وفراته يسير في شوارع ارواحهم دون الشعور بالارهاق.

    عرضت الصفحة احدى مقاطع الفيديو لأغنية "على شواطي دجلة مر" للمطربة سليمة مراد، بصوت حفيد داوود الكويتي، لأشعر بكلمات الاغنية تحولني لسيدة عراقية تسير في شارع الرشيد في بغداد باتجاه "ابو نؤاس"، عند العصر، فيما الهواء يلاعب شعري، اتجه نحو جارتي اليهودية، ونجلس لشرب الشاي وغناء اغنيات سليمة مراد، بلا انترنت ولا عالم افتراضي، ولا وجود لـ"داعش" او للطائفية، لا الحروب ولا الدمار، الربيع  فقط  وحب الحياة.
    حفيد داوود الكويتي، دودو تاسا، يعد من اشهر مغنيي اسرائيل، ومع تهجير جده بليلة خرقاء مظلمة، وسحب الجنسية العراقية منه ليهوديته، يحتفظ حفيده - كجزء من الامتنان- حتى اللحظة بأغاني بغداد قبل ستين عاماً، بغداد التي كانت كما وصفها لي سائق يوما ما كالمشتل الذي يحوي كل شيء.

    تمسكوا كثيرا بربط عبارة العراق وتذييلها بارواحهم، ولم يفرطوا يوما بها. القاص والشاعر اليهودي انور شاؤول، تعرض كغيره، لمحاولات الطرد من البلاد، انتهت الاخيرة بزجه في المعتقل، وحينما اطلق سراحه واضطر بسببها الهجرة في السبعينيات، كتب "إن كنت من موسى قبست عقيدتي/ فأنا المقيم بظل دين محمدِ".

    الامر ذاته لا يقتصر على من تنفس هواء العراق وشعر بالاختناق بعد الخروج منه، اذ تعامل العديد من العراقيين اليهود المولودين في اسرائيل مع العراق وكأنه البلد الاول، وحتى دون ان يشاهدوه ولو لمرة واحدة، بكامل الحنين ولو تطلب الظرف الكتابة باللغة العبرية، فستظل عن العراق لا غير.

    تناول جميع الكتاب الاسرائيلين من اصول عراقية، العراق بحنين هائل، تحدثوا عن اوجاع غربتهم وسجلوا محاولات ارتباطهم به، كما فعل سمير نقاش في رواية "الرجس"، اذ تحدث عن محاولته العودة الى العراق وامساكه من قبل السلطات اللبنانية وتعذيبه وتسليمه لاسرائيل!. حتى ان اكثرهم وحينما غالبهم الزمن والعمر دون العودة، دونوا ذكرياتهم عن العراق كجزء من خزينة في روح الذاكرة لئلا تندثر او تختفي، مثل كتاب "كل شيء هادئ في العيادة" لشالوم درويش رغم كونه يعد من اواخر المهاجرين اليهود في نهاية السبعينيات.

    الاستماع لكل هذا الشجن والعراقية الخالصة في صوت تاسا، تجعلنا نتساءل، عما سيفعله ايزيديو او مسيحيو العراق بعد ستين سنة من اليوم، حيث سيصبحون لتلك البلدان التي احتوت ضياعهم وفرارهم من العراق، وقد نستغرب وقتها، تمكنهم من الحديث بلهجتنا ونتمنى حينها عودتهم، لكن الاوان يكون وقتها قد فات، فات دون رجعة.

    لا وقت للعودة الى الماضي، عجلة الحياة لا تمتلك مكابح للوقوف حتى، لكن يحدث ذلك، يحدث. ما ان تعيدك اغنية لتذكرك بأشخاص لا تعرفهم إلا من خلال دمائهم المشتركة معك.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media