ما عليهم وما علينا
    الأحد 24 يوليو / تموز 2016 - 10:11
    إبراهيم الجعفري*
    وزير خارجية العراق
    لقد بدأ ونشأ الارهاب في مجتمعنا  مستندا على نصوص واسس منحرفة وقلب الحقائق التي أمر بها الله وجاء بها الدين على لسان رسله وأكرم خلقه، ثم جرى تصميمها بشكل مشوّه قبل قرنين ونيف ليكون اداة بيد أعداء الانسانية.
    وهنا أقول ان على البعض ان يكف عن كيل الاتهامات للدين الاسلامي كما اننا نبرئ الأديان كلها من اي فعل يمس كرامة الانسان وحياته وهو خليفة الله في الوجود وهو سيد مخلوقاته.
     ولكننا بالتأكيد لا نشك للحظة ان هناك استغلالاً للدين وإمعانا بتشويه صورته بسبب ما ارتكب البعض من مجازر وما مارسه من إرهاب تحتها
    ليبرر جنونه وسطوته وانحرافه ، والا كيف لعاقل - مثلا - ان يفهم ان يقتل ولد أباه وأمه بطريقة بشعة كما حصل قبل ايام في السعودية تحت عنوان تكفير الأبوين
    وشرعنة نحرهم بيد الأبناء؟، واي دين هذا الذي يقبل بهذا الفعل الشنيع؟!.
     لقد استفاد المتطرفون من فضاء الحرية في اوروبا فترعرع وأصبح غولا مدمرا ، وصارت هذه الحرية مصدر خطر حقيقي جدير بالمراجعة قبل المواجهة ، كي لا يحكم
    على البريء بجريرة المجرم كما يقول المثل الشعبي وكي نجنب المسلمين المقيمين في دول الغرب من خطر
    التعميم كما يحاول البعض ان يفعل، فالمسلمون في الغرب شعب منتج مبدع أضاف الكثير للأوطان الجديدة التي عاش فيها ، وقد قدم المسلمون نموذجا رائعا من العلماء والمفكرين والفنانين والرياضيين والمخترعين وتفاعلوا مع هذه الشعوب ليكونوا جزءا حقيقيا منها.
    بقي ان يدرك المسلمون في الغرب انهم امام واجب تاريخي لحماية وجودهم والحفاظ على سمعة دينهم بأن لا يسمحوا
    لهذه النتوءات الغريبة باختطاف عنوانهم وتلويثه ، وباستطاعتهم ان يكونوا حصنا حقيقيا لتجنيب دولهم التي تحتضنهم من خطر الارهاب بمحاصرة كل وسائل الإرهابيين المالية والفكرية وتقويضها والإبلاغ عنها وفضحها.
    لقد تحمل العراق مسؤولية المواجهة وسيقضي على «داعش» حتما خلال مدة قصيرة قادمة ، ليس هذا توقعا بل يقينا مما نلمسه من بسالة
    في عيون ابنائه المنخرطين في قواته الأمنية وقواته الشعبية من الحشد الشعبي والعشائر والبيشمركة المعبأة للقتال،  فالفلوجة وقبلها
    بيجي والعظيم والعلم وجرف الصخر ما هي الا صفحات مشرقة متوالية للقضاء على شذاذ الآفاق كما فعلناها سابقا مع تنظيم القاعدة على مدى عقد من المواجهة.
    نعم .. اننا في طريقنا للخلاص من الارهاب بوحدتنا وشجاعتنا في المواجهة وتعاون شعوب وحكومات العالم معنا.
    ولكن السؤال الصعب الذي يجب ان يبحث عنه  الغرب بعد حين هو: هل ستكون أسواقه وبيوته وشوارعه في مأمن من الوباء الذي فقد ظروف حياته عندنا فراح يبحث عن ارض جديدة يعيش فيها وينتشر؟
    نقول لهم ، قاتلوا الاٍرهاب مع العراق واسندوا اهله عسكريا وأمنيا وإنسانيا قبل ان ينازلكم في بلدانكم.

    تعاني كل دول العالم وعبر مراحل التاريخ من ضغط الاٍرهاب سواء بما فتك فيها من الفعل في التفجيرات او من ردود الفعل بفرض القيود الأمنية التي اعتمدت توخيا لسطوته المتوقعة، ولكنها لم تتحصن منه كمعادل فكري وأخلاقي لتصون بناءها الداخلي وتمنع ثقافته التخريبية النافذة.
    اخطر ما بالارهاب المعاصر هو قاعدته القيمية وبنيته الثقافية، ما يمنح المتورطين فيه دوافع ذاتية بالتحرك وابداعاً بممارسة الجريمة وجنوناً بالتضحية!!، وهو ما اتاح له فتح حدود الدول واستباحة مجتمعات العالم ليتسع لبلدانٍ متعددة عبرت القارات.
    ويوما بعد آخر يهيمن شبح الارهاب على العالم وتزداد سطوته في هجمة غير مسبوقة حيّرت أجهزة الأمن وأقضّت مضاجع الآمنين من سكان العالم وأقلقت القاصي والداني معتمدةً مبدأ «الإرهاب بالترويع» بمعنى استهداف الارهاب باعتماد شتى فنون التعذيب الوحشي!!. وليس ثمة مخرج منظور مما يجري أو رؤية يتفق عليها الجميع لحسم هذه المعركة المصيرية التي صارت تهدد استقرار البشرية وتصدّع أمنها وسلامة أهلها. كل ما نراه على ارض الواقع من إجراءات يعتمدها البعض ليس الا علاجات موضعية مؤقتة زادت من حجم التعقيدات والقيود لكنها لا تقع على أصل الاسباب ولا تتولى جوهر المعالجة. 
    ما نريد الوقوف عليه هنا هو ان ندرس بعمق أسباب هذه المشكلة الخطيرة ونتفحص بعناية ظروف إنتاجها وتطورها وتفاقمها واتساعها؛ والمتلمس لحقيقة جذور الارهاب يتأكد بما لا يدع مجالاً للشك انها فكرية بامتياز وأنها نتجت عن تغذية مسمومة بقصد مدروس تمكنت من ان تستوعب عددا من الجهلة والموتورين وان تلعب على وهم التدين السطحي، وان تستفيد من ظروف الفقر والعوز والحاجة، وان تسخّر بعض المدفوعين للانتقام وربما بعض المهملين الذي اتسع إهمالهم، وساعدهم في ذلك ما يعيشه عالمهم «الشرق أوسطي» من فقر مدقع رغم كل ما حباه الله من إمكانات زاخرة في الثروات كالنفط والماء والزرع والطاقة الشمسية والحضارة والثروة المعنوية.  
    لقد استهدفت كل تلك الأدوات انتاج فكر متطرف في لحظة غياب الامة عن وعيها وفي ظروف انفلات وتخلف يسهل معه بناء أعشاشه الظلامية في زوايا البيت الإنساني الكبير.
    إن الحل الامني وتتّبع هذه المجموعات على ما له من أهمية ليس حلاً ناجعاً للقضاء على هذا المرض العضال، والحقيقة التي يجب ان ينتبه اليها الجميع هي أنّ «الفكر لا يواجه إلا بالفكر»، وان الحلول الامنية هي مرحلة متأخرة في سلّم خطة القضاء على الارهاب، وهنا لا اريد الدعوة الى إيقاف الإجراءات التكتيكية الأمنية في المناطق التي عاث فيها الارهاب فسادا وإفسادا، لكني أشير هنا الى الحلول الاستراتيجية طويلة الامد بأنها حلولٌ تأخذ بنظر الاعتبار حماية اجيالنا القادمة من تسرب هذا الوباء إليهم وانتشاره في صفوفهم  من جديد، بعد ان يتم القضاء على نطفة السوء «داعش» وبعد ان تم القضاء  من قبل على الأب اللاشرعي لها «القاعدة» فقد تنتهي «داعش» كمسمى في القريب ولكننا لا نملك الضمانات على عدم عودتها من جديد بأسماء جديدة ما دامت ظروف نموها متوافرة وأسباب عودتها قائمة.
    إن العالم اليوم بحاجة الى خطة حقيقية لمكافحة الارهاب جنبا الى جنب مع خطة الوقاية من الارهاب المستقبلي. الامن الوقائي مقدمٌ على الامن العلاجي وهذا لن يكون إلا اذا اضطلعت المؤسسات الدينية والثقافية والمؤسسات المدنية بدورها الحقيقي في توعية الامم بخطورة هذا الفكر وقدمت الدلائل والبراهين المقنعة للاجيال على خلو الأديان من اي فكر دموي متطرف، والامة الاسلامية اليوم مطالبة بالدرجة الاولى بتحقيق هذا الفهم لمواجهة خطر ما يروج له البعض تحت عنوان «الإسلاموفوبيا» وتحذير الشعوب من هذا الدين المتسامح الرافض لكل انواع الاذى، كيف لا والله تعالى يقول (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا).
    إن الدموية والارهاب والتطرف لا يمتّ بصلةٍ على الإطلاق بأي دين او مذهب. انه «هيستيريا الانتقام»  و «جنون  الضياع» يسكنان عقول المهووسين والمنحرفين من شذاذ الآفاق.. وهنا يجب ان نتساءل بصراحة: هل كانت أطراف الحربين العالميتين من المسلمين حين تسببوا بمقتل عشرات الملايين من البشر؟، ومن الذي ارتكب جرائم الإبادة الجزائرية والكمبودية والأرمنية والأوكرانية والرواندية والبوسنية وابادة الهنود الحمر وضحايا هيروشيما وناكازاكي ومجازر الاحتلال الصهيوني ضد الفلسطينيين؟، واذا التفتنا الى الامس القريب نجد حروب الفرنجة أو الحملات الصليبية التي قام بها أوروبيون من أواخر القرن الحادي عشر حتى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر (1096 - 1291)، وكانت بشكل رئيسي حروب فرسان، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى الذين اشتركوا فيها وكانت حملات دينية وتحت شعار الصليب.

    * وزير الخارجية العراقي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media