المرأة وحديث مكذوب عنها
    الخميس 28 يوليو / تموز 2016 - 00:49
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    أخبرنا مشايخنا أن المرأة فى الجاهلية كانت مضطهدة ذليلة ومهيضة الجناح، مطرودة من متع الدنيا ونعيمها، ولم تكن محرومة من الميراث فقط، بل كانت هى بذاتها تورث للابن الأكبر كمتاع من متاع الأب يرثها كالأنعام أو البهائم، وكانت كما قالوا لنا: تواجه مصير الوأد وهى طفلة صغيرة مخافة الفقر والحاجة، أو العار الذى تجلبه لقبيلتها إذا أسرت من قبيلة أخرى وأصبح نصيبها إما مواخير البغاء أو حظائر الإماء، وكأنها والدابة واحد، وفيما استندوا إليه مفردات علاقات الفراش بينها وبين الرجل وهى (امتطاء، ركوب، دهس، رسغ، اعتلاء، وطء) وكلها صور للعلاقة بين الثور وبهائمه، أو بين ذكر الدواب والإناث منها (يقول امتطى الرجل الدابة أو اعتلاها أو ركبها أو وطأها أو دهسها دهسا، وهكذا) وكأن الصورة السيئة التى صوروها للمرأة قبل الإسلام مبرر للمشايخ أن يوسعوها إذلالا وقهرا وظلما بعده، حتى تظل ترزح تحت سطوة الرجل ونفوذه، ويمنون عليها أنهم قد حرروها مما هو أقسى منه وأحط، وأنهم غيروا ظلم الجاهلية بظلم أخف، واستبدلوا اضطهاد الجاهلية بما هو أكرم منه، فلما يقرر لها شيخ السلفيين ابن تيمية أنها والمملوك (العبد) أمرهما واحد، يكون شيخنا الجليل قد انتصر للمرأة أشد انتصار وأعزها أكثر مما كانت من قبل، وارتقى بها أيما رقى، لأنه قد رفع مقامها من مقام الدواب إلى مقام العبيد، ونقلها من حظائر البهائم إلى مواخير البغاء، وساقها من أسواق المواشى إلى أسواق النخاسة، وهى على كل الأحوال أرقى وأشرف.

    لكن الأمر لم يكن على هذا النحو، بل كانت للنساء فى قبائل كثيرة من الجاه والعز ما يتساوى بالرجال، فكان لكثير من النساء الحق فى أن تشترط على الرجل تطليق نفسها إذا وجدت فيه ما خالفها العهد والاتفاق، وكان من النساء من يرثن الآباء والأمهات نصف حق الرجال كنساء قبيلة عمرو بن النفيل، وقبيلة ذى المجاسد وغيرهما. ولم يكن عدم توريث المرأة مقصودا به النساء لكونهم نساء، لكن السبب أن القبائل كانت تستبعد من الميراث من لم يشارك فى الغزو سواء من النساء أو الصغار من البنات والأولاد أو حتى الرجال الذين رفضوا الالتحاق بكتائب الغزو والقنص والاستيلاء على مال الغير بالقوة. والعربى قديما كان يؤمن أن رزقه يأتى تحت ظل رمحه، وأن العمل فى الزراعة والصناعة والرعى أقل شأنا من الغزو الذى لم يكن أمرا عارضا، بل هو الأصل ومستمر عدا الأشهر الحرم ضمانا لقضاء فريضة الحج لكل الأديان فى أمان، ولقد فرضت قريش هذا على الناس لأن الحج مورد الرزق الرئيسى لها. وكان الولد هو فرحة القبيلة فهو محارب ومقاتل المستقبل، والأرجح أن القبائل التى كانت تعمل فى الرعى والزراعة والتجارة بعيدا عن السطو والغزو كانت ترث عندهم النساء نصف حق الرجال، وكان من النساء الكثيرات يعملن فى التجارة ومنهن خديجة بنت خويلد، والتى كانت تجارتها ثلث تجارة مكة بأكملها، فكيف كانت تسير القوافل إلى اليمن فى الجنوب والشام فى الشمال، وتعقد الصفقات وتحاسب التجار إلا إذا كان لها من العز والرفعة ما يساعدها على ذاك. ومن أين قوة ومنعة هند بنت عتبة وسطوتها على أبو سفيان بن حرب؟ وكيف طلقت زوجا قبله وتزوجته بإرادتها ورغبتها!! وهى التى شاركت فى موقعة أحد ومثلت بحمزة عم الرسول، ومن أين عز تماضر بنت عمر، وسطوة فاطمة بنت ربيعة (أم قرفة). وفى التاريخ الأقدم نساء عربيات، بلقيس ملكة اليمن، وزنوبيا ملكة تدمر، ومن الشاعرات جليلة بنت مرة، وصفية بنت ثعلبة وتماضر السلمية، وسمية زوجة شداد العبسى وكن فى حلقات الشعر كالرجال. أما وأد البنات مخافة العار فلم يثبت هذا الأمر وثبت فقط أن وأد الأطفال كان خشية الفقر من المستضعفين من العرب الذين وصلوا إلى العسر الشديد، فلم يجدوا قوت أولادهم فتمنوا لهم الموت، وكان عمرو بن النفيل وغيره من رحماء قريش يكفلون مؤنة كل الأطفال الذين يهم آباؤهم بقتلهم خشية الفقر، وإلا لو كان قتل البنات خشية العار لكان العرب قد انقرضوا، ولم يجد العربى من الزوجات العشرات ومن الإماء المئات، وكان صنف النساء قد ندر وتصارع العشرات من الرجال على امرأة واحدة، وليس كما قالوا إن متوسط ما تزوج العربى القديم عشر نساء غير الإماء والسبايا فمن أين كل هذه النسوة إذا كان الوأد يطول البنات صغارا مخافة العار.

    والسؤال لماذا يدلس الرجل العربى على تاريخ النساء؟ وحصارهن إما فى حظيرة البهائم قبل الإسلام أو حظائر العبيد أو الإماء بعده؟ حتى إن النساء يتساءلن عن حقهن فى الجنة من الذكور أسوة بحق الرجال من الحور العين البكارى والتى يفضها الرجل ليلا فتعود سيرتها الأولى فى الصباح. وأين حق النساء القانتات الصابرات العفيفات الحافظات لفروجهن، ولم يمسسهن إنس ولا جان، وحرمت متعة الرجال فى الدنيا؟. هل لها فى جنة الرجال من رجال، تفضى إليه وتلمس منه ما حرمها المصير فى الدنيا، أو يأخذ منها ويعطيها. كان هذا تساؤل قارئة عن حقها فى رجال الجنة بعد أن تركت الدنيا على العهد والميثاق والشرف وليس عندى لها إجابة.

    يا أيها الرجل العربى القديم الذى حاصرتها فى حظائرك، فك أسرها وانفض عنها هذا التخلف، واتركها وشأنها تدور دورتها مع الدنيا وتصعد معها دون خوف أو إرهاب، فهى كما أنت لذات المصير وذات الحساب.

    adelnoman52@yahoo.com

    "المصري اليوم"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media