تركيا بين الاردوغانية و الاتاتوركية
    الخميس 28 يوليو / تموز 2016 - 16:30
    د. توفيق آلتونجي
    حين تركت العراق كان انقلاب ايلول العسكري يعيش ايامه الاولى وقد فأجنا الظلام وقد اسدل ستاره علينا ونحن نترك الحدود العراقية التركية عند بوابة ابراهيم الخليل عام 1980. فجاء طوقنا دورية عسكرية ورجال مدججين بالأسلحة وحال رؤيتهم لرقم السيارة المكتوبة بالعربية وقفوا من تهديدنا بالكلام وبالإشارات فتحدثت معهم بهدوء بالتركية طالبا الاتصال بالضابط المناوئ فعرفته بنفسي وذكرت له بأننا قادمون من بغداد وسنسافر عبر تركيا ووجهتنا الى اوربا وبكياسة تمنيت لهم الموقفية داعيا المولى ان يسدي خطاهم. اعطي الضابط للجنود امرا بمرافقتنا عبر طريق خاص الى ان وصلنا مع حلول الصباح الى مدينة اورفه فدخلنا اول فندق قرب مقام ابراهيم الخليل كي ننام.
    [[article_title_text]]
    ان المتتبع لتاريخ العسكر وانقلاباتهم في الشرق الأوسط يجد دوما عاملا مشتركا في أهدافهم المعلنة والجاهزة دوما عند اذاعتهم للبيان السيئ الصيت والجميل في فحواه من وعود والمسمى البيان رقم واحد. بهذه المقدمة أود ان ابدا القول بكوني لا اؤيد ابدا اية حركة عسكرية لادارة الحكم لاي كيان مهما كانت أهدافها و نواياها السرية والمعلنة منها. تركيا ليست مستثنى من تلك القاعدة وكانت دوما هدفا سهلا العسكر لما للمؤسسة العسكرية سطوت على السياسة في تركيا متمثلة بمجلسها العسكري للأمن القومي رغم ترأس رئيس الجمهورية لجلساتها. في واقع الأمر ان هذا المجلس كان ولا يزال الحاكم الفعلي في تركيا وتعتبر نفسها الحامية للديمقراطية والجمهورية ومبادئ مؤسس دولة تركيا الحديثة مصطفى كمال اتاتورك. هذا النموذج اصبح أيضا قدوة للحكومات العسكرية العربية تاريخيا. لكن ما نبه نجاحا للمؤسسة العسكرية المصرية برئاسة عبد الفتاح السيسي أصبحت لاحقا درسا للرئيس اردوغان وكانت هذه التجربة احدى عوامل وسببا لفشل الانقلاب العسكري في تركيا. ناهيك عن وجود أمور خفية استخباراتي وامني سيكشف عنها الزمن في المستقبل.
    المؤسسة الاتاتوركية تعتبر الهيكل العظمي لجميع مؤسسات الدولة الرسمية وحتى الغير رسمية ومعضم المؤسسة الاعلامية. أنها مؤسسية تبدا درسها الأول في رياض الاطفال ثم تساير الجميع الى يوم مماتهم. هذه المؤسسة القوية التي تستلهم افكارها وأهدافها من مؤسس تركيا الحديثة أتاتورك أصبحت بمرور الزمن مقدسا و مطلقا في افكارها وتنظيماتها. طبعا علينا ان لا ننسى بان معارضة تلك الأفكار كان دوما تواجه بالعنف الشديد. اما المؤسسة العسكرية والاستخباراتية والأمنية والشرطة فهي مؤسسات وفية لتلك الأفكار.
    هذه المؤسسة القوية وكما أسلفت جعلت من أفكار أتاتورك ارثا مقدسا وهدفا مباشرا لخوض مغامرة الانقلابات بين فترة وأخرى. ناهيك عن أنها مؤسس تشريعية وتنفيذية تكون في مجملها دولة داخل دولة تعمل من وراء المؤسسة السياسية الديمقراطية أي البرلمان.
    تلك القوة السياسية والعسكرية الأمنية والاستخباراتية كانت دوما تعارض جميع الحلول السلمية لحل النزاعات للحفاظ على ديمومتها فهي تمثل جيشا يتعدى تعدادها الملايين لا بل حوالي اكثر من عشرة في المائة من مجمل سكان الدولة. طبعا البديل عند الحكومة التركية الحالية يعتمد بالاساس على كوادر الحزب الحاكم اليوم (ئاك) حزب العدالة والتنمية. هذا الكادر الذي كان عبر تاريخ الحزب الذي غير اسمة مرات عدده قبل ان تاخذ التسمية الحالية اقول كان دوما هذا الكادر تقريبا ثابتا بملاينه. هذا الكادر الكبير فيه العديد من التوجهات رغم ان التوجه العام يعتمد على مبادئ الدين الاسلامي الحنيف. هناك ايضا متطرفين الى درجة كبيرة وهناك طبعا ما تم تسميته في الاونة الاخيرة بجماعة فتح الله گولن. هذه المجموعة الاخيرة اختارت خطا يجمع بين الحداثة وأفكار اتاتورك والإسلام وأسلوب الحياة الغربية وقبول العلاقة بين الخالق والإنسان بعلاقة شخصية دون تدخل الدولة واعتبار التعليم والتطور العلمي اسس يعتمد عليها في بناء المجتمعات الحديثة مع الاحتفاظ بالثقافة وأسلوب الحياة الاسلامي.
    الشرق الاوسط تحول الى ارض ذو رمال متحركة والنار الملتهبة كالبركان تسير حممها بحرارة القادمة من افريقيا والذي بدا ينتشر شيئا فشيئا في كل مكان في الشرق لا تعرف الاستثناء ولا توجد اي دولة في المنطقة اليوم لها مناعة من انتشار عدواها اليها.
    هذه اللوحة تشاؤمية تامة غامقة وسوداء وكل ما نحتاجه ان نتحاور ونجلس الى طاولة المفاوضات قبل رفع لغة السلاح والقتل والسجن وغلق صوت الاعلام الحر وصولا الى الدكتاتورية العمياء وادخال البلاد والعباد في حالة من الدمار للوطن وإنسانه. ارجو ان يرجح العقل والمنطق ويحقن دماء الملايين وليتحاور السيد اردوغان مع غريمه السيد فتح الله گولن ويلتقيان في دولة محايدة وليتوصلوا الى حلول لحقن دماء الشعب التركي بجميع قومياته واتجاهاته الدينية والعقائدية والاثنية البديعة وكي يكون خلاص المنطقة باسرها من التشتت والضياع وخراب النفوس والبيوت والأوطان.
    انهي دعوتي بدعوة اخرى نادى به جلال الدين الرومي.
    تعال ..تعال
    لا يهم من تكون, هلم تعال.. ان كنت كافرا.. ان كنت مجوسيا ..حتى لو كنت عبده اصنام.. هلم تعال .. بابنا .. ليس بباب البؤساء حتى لو قطعت توبتك مئات المرات.. هلم  و تعال... فقط تعال لنتكلم عن الله

    20160726
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media