منذ قرون والكثير من العّرافين والمتنبأين ورجال الدين يبشرون بدنو الساعة أو نهاية هذا العالم . وهذه النهاية كان يحتمها منطق الفساد وكثرته وستشراه ، فالله ، كما تخبرنا الأديان كان قد سبق له أن دمر العالم في مرات عديد لأنه البشر اسأوا التصرف . وهذاالتدمير الكارثة تحدث على يد الله وبأمر منه وليس للبشر يد فيها سوى أنهم سبب هذه الكارثة . ولقد كانت هذه الثيمة تستخدم من الكثير في ترويع الناس وتخويفهم ، ومن ثم في ابتزازها وإخضاعهم لسلطتهم بحجة أنهم وكلاء الله على الارض ولا يمكن لهم أن يدخلوا الجنة لا بتوصية منهم . وعليه يمكن القول الرعب من نهاية العالم والحياة قديم وله أشكال مختلفة ، بيد أنه مع ذلك لا يبدو محتم ويقني من قبل الكل فالكثير من اصحاب النظرات الثاقبة والمفكرين كانوا يشكون ويسخرون من هؤلاء العّرافين والمتنبئين . وبالطبع ، هناك الكثير من الناس يتمنون هذه المصير للعالم ، فنزعة تدمير الذات والعالم ، هي جزء من تكوين آنا الإنسان كما يخبرنا فرويد والتي يسميها نزعة الموت أو تناتلوس . فاعماق الإنسان حافلة بمثل تلك الرغبات التدميرية التي تبحث عن منفذ ، وأصحاب هذه النزعة عادة ما يصبحون قادة ورؤساء احزاب سياسية أو قاد جماهيرين ، وبعدها عند وصلوهم لسلطة يقود العالم للخراب والدمار ، وغالباً ما يضرب مثل على هؤلاء في ستالين وهتلر ، رغم أن القائم طويلة ، على شاكلة هؤلاء المجانين ، وغالباً ما كان يخفي نجاح هؤلاء مصدر هذه النزعة لديهم ومن ثم يصبحون من القادة والابطال في نظر شعوبهم ، فنابليون ، مثلاً يعد بطل في نظر الكثير من الفرنسين ، ولكنه ظهر في نظر الروأي تولستوي مجرد مخرب وأحمق ، كما رسمه صورته في رواية الحرب والسلم . ولذا يمكن لنا ان نحسب اذا جارينا تولستوي في حكمه ، أن نعدالكثير من الأبطال والفاتحين مجرد غزاة وقتله مثل الإسكندر وقيصر ، ونحن أبناء هذا العصر موعودون في ظهور بطل جديد ، في السنة القادمة ، إذا قيض له النجاح في الانتخاب ، هذا البطل الجديد هو ترامب .
ونحن هنا نريد أن نسبق الأحداث ونتحدث عن ترامب ، فهو به إمكانية ان يكون ، بطل أو هتلر آخر ، فهتلر كان له نفس الأسلوب الديموغوجي ، وجاء كذلك عن طريق الانتخابات ، فأسلوب في الحديث وطرحه لقضايا التي ينوي أن يقوم بها هي التي سوف تحمل لسلطة . وفيما إذا كان ترامب يستخدم اُسلوبه هذا كأتكيك لجذب الناخبين اليه أم يعبر به عما يعتقده ويراه كطريقة في التعامل مع العالم ، فيما لو أصبح فعلاً رئيس للأمريكا . وسنركز حديثنا في هذه المقالة هل في مكان ترامب أن يصبح هتلر الولايات المتحدة أو دكتاتورها ؟ ، وكذلك على فضائل ترامب ، مقارنه مع من سبقوه من حكام في الولايات المتحدة . لنقل بادئ ذي بدء بأن تكرار أو ظهور هتلر في أمريكا ، يكاد يكون امر مستحيل . فالفرصة ، التي سمحت لظهور هتلر في ألمانيا كانت لحظة نادره في تاريخ ألمانيا ، فهي كانت حديث العهد في الديمقراطية ولم تكن فيها مؤسسات تحول دون انقلاب الديمقراطية لدكتاتورية ، فمع صعود حزب العمال الاشتراكي الوطني والذي يسمى في الحزب النازي حتى إلغاء جميع المؤسسات الديمقراطية في ألمانيا وبسهولة لا تذكر . في حين اننا لو عاينا الوضع في الولايات المتحدة لا نجد أي رئيس يقدر على اللغاء أي مؤسسة ، فارئيس في الولايات يعمل وفقاً لتلك المؤسسات وليس هو الذي يسن لها القوانين ، وكل ما يستطيع عمله أن يعمل وفقاً لما هو متاح لرئيس الحكومة خلال مدة حكمه . غير أن هذه ، أي وضع الرئيس ، لا يحول ، مثلاً، من افتعال أزمة أو حرب مع روسيا أو الصين . فهو في فترته قادر على اختلاق أزم كثير ومشاكل قد تؤدي لكوارث حقيقية ، أو حروب نووية . مع علمنا، بأن ليس كل ما يقول الترامب في حملته الأنتخابية ، ليس هو ملزم في تطبيقه عند وصوله لسلطة ، فهو الآن مجرد كلام وشعارات وخطب ، يوظفها في حملته ، ولكن حين يصل لسلطة عليه أن يعمل وفقاً للامر الواقع ، الا اذا كان فعلاً مغامر ويعمل بحسب ما يصور له خياله وما قد تكون لديه من أفكار غريبة عن التعامل السابق المعروف . وفي المحصلة ، أن أي رئيس أمريكي ، يمكن أن يقود العالم لكارثة ، إذا خدمته بعض الظروف المواتية ، مثلما خدمت بوش تفجير برجي التجارة ، فهذه الحدث سوى كان مفبرك ، أو واقعه حقيقية ، يمكن أن تقدم لرئيس فرصة لتنفيذ خططه ، التي قد لا يسمح بها في الظروف العادية . ومن هنا فأن ترامب يمكن أن يكون فعلاً خطر جدي على العالم ، رغم ايماننا بأن البرميل الأجوف يحدث ضجة أكثر من البرميل المتلأ عند تتحرجهما . ولكنا هنا نصدق كل كلام ترامب على علاته ، لأننا أمريكا يبدو قد نضجة لهضم رئيس مثله ، مثلما نضجت منذ ثمانية سنوات لقبول رئيس اسود ، لها . الذي هو أوباما ، والذي كان لا يمكن التفكير به سابقاً ، فما لا يمكن تصور في فتره ما قد يصبح مقبول ومفهوم في آخرى.
فأمريكا يبدو أن في طريقها لخع كل اصدقائها القدامئ والذين شكلوا عبء كبير عليها ، فلا شكّ أن دول لابد أن يكون بها قدر كبير من الانحطاط والفساد لتهضم معدتها صداقة السعودية ودوّل الخليج لا لشيء سوى أنهم عملاء كانوا مفيدن في الماضي . فالتطور التكنولوجي ، وغياب العدو الفعلي ، سوف يجعل من رؤوساء القادمين إلى الولايات المتحدة اكثر جرءة ، ولعل ترامب هو أول هذه الغيث ، وستقول أمريكا لسنا في حاجة لعملاء سنة أو أو شيعة، وعندئذ تنحل عقدة الخلاف المستعصية في النزاع على العمالة ،وليس على من كان احق في الخلافة علي أو ابى بكر ، كما يصور البعض الخلاف الحالي بين السنة والشيعة في وقتنا الحالي . لأن كان من يتمتع في هذا الامتياز كان نصيبه في الحكم أوفر حظ . ولا شك أن ترامب ، سوف يدشن نمط جديد من الرؤوساء إذا ما وضع ما يقوله ويصرح به موضع التطبيق . ولنرجع الآن إلى الفضائل التي يتمتع بها ترامب ، ورغم أن هذا قد قد يبدو غريب ، فأن يصورة ، عادة على أنه نذير شؤم ، لأنه يركز على جانب واحد منه شخصيته ، ولكن له أخذنا عنصر الجدة فيه ازال هذا الأستغراب..
وبالطبع هذه ، الفضائل ، لم نلمس منها أي شيء بعد وإنما هي مجرد وعود وفضائل بالقوة على حد تعبير أرسطو ولم تصبح بعد بالفعل . ولعل ابرز تلك الفضائل هي الصراحة والحديث بدون تقيه وبدون مواربه وتسمية الاشياء ، بخلاف رؤوساء أمريكا ذي الوجهين ، فأن ترامب يريد للأمريكا ورئيسها وجه واحد بدل أن يكون لها ولهم وجه عديدة ، فأوباما ، على سبيل المثال ، كان له وجهين ، ويفعل عكس ما يقول ، فهو دائما يهدد داعش ويعد في القضاء عليها ، وتراه من من ناحيه يزودهاه بما لذ وطاب من سلاح ، ومن هنا كان جاء ، قول ترامب عنه بأن أوباما هو مؤسس داعش . ولقد قضى رؤوساء أمريكا فترة رأستهم بوجهين ، ويفعلون عكس ما يقولون . وبذلك فقدوا الكثير من مصداقيتهم وما عاد لكلامهم من معنى وزن . وبيدو أن ترامب مل تلك اللعبة يريد أن ينبذ هذه القناع المزدوج . فلم يعد هناك من داعٍ الاستمرار فيها ، بعد أن وصل العالم ، لدرجة عالية من الصلافة وقلت الخلق وعدم الاهتمام بالآخرين . فأن الرأسمالية ، في عصر ترامب بلغت نهايتها ، والمقصود في نهايتها هنا ، أنها لم يعد لديها نقبض أو طبقة تهدد وجودها . فآن لها أن تكشف عن وجها الحقيقي . الذي شعاره ، هو أدفع تخدم . فترامب ، سوف لن يكون وجود صدفه ، وأن تعبير عن ما وصولت له الرأسمالية في عهده . فقد كان لها وجه متعدد تخفي به وجها الحقيقي ، أما الآن فلم يبق لها سوى وجها القبيح الحقيقي . لذلك سيكون العالم وجهاً لوجه مع أمريكا بوجه واحد ، لا أصداقاء فيه ولا عملاء وإنما زبأئن تخدمهم أمريكا على مقدار ما يدفعون لها ، وستضع كل القيم الأخلاقية جانباً ، فلم تعد ثمة حاجة لها ، الأنها وصلت لنهاية المطاف ، والأكتمال ، فكل تغير فيها قد يقلبها إلى نقيض لها ، وهذا ما يتعارض أساسها . هذه هي المرحلة المقبلة من الرأسمالية ، فنحن على اعتاب مرحلة جديدة . وهذه المرحلة يمكن أن نسميها المرحلة البربرية ، على حد تعبير ماركس ، حينما قال أن الرأسمالية حين تخفق في تحقيق احلام فلاسفة التنوير في بناء مجتمع بشري تسوية الأخوة والعدالة والمساواة تدخل في مرحلة البربرية ، أو شريعة الغاب . وهذا ما نراه يسود في الحرب التي تخاض في سوريا والعراق باموال سعودية خليجية وسلاح غربية بدون اعتبار إلى الإنسان وأي قيم خلقية إنسانية ، تمنع من بيع السلاح الأستخدامه في أغراض اجرامية .
هاني الحطاب