العلاقة بين أربيل وبغداد قطيعة أم شراكة؟
    الأربعاء 24 أغسطس / آب 2016 - 05:34
    شيرزاد شيخاني
    كاتب ومراسل صحفي
    منذ سنين عديدة والعلاقة بين أربيل وبغداد تمر بمرحلة شد وجذب، تقترب في بعض الأحيان الى حد القطيعة بسبب خلافات بعضها شخصية وأخرى مفتعلة تعترض سبل التطبيع االشامل.. أما الخلافات الأساسية فقد طفت على السطح منذ عام 2007 بملف النفط حين بدأت حكومة إقليم كردستان برئاسة نيجيرفان بارزاني بإستخراج هذه الثروة من حقول وآبار كردستان وإعتماد سياسة تصدير مستقلة عن الحكومة الإتحادية.وهذا الملف هو الأساس الذي تفرعت عنه خلافات أخرى وتعاظمت خلال السنوات الماضية،منها الخلاف المتعلق بالمادة 140 الدستورية لرسم الحدود الادارية للمناطق المختلف عليها بين الإقليم والمركز،وكذلك ملف البيشمركة الذي لايقل أهمية عن مسألة النفط لأنه يتعلق بمستقبل الأمن الوطني،ولكن إكتشاف الثروة النفطية أغرى قيادة بارزاني للإستحواذ عليها من دون الحكومة الإتحادية رغم أن الدستور الذي شارك بارزاني والقيادة الكردية بصياغته ينص في مادة منه على أن النفط هو ثروة وطنية وتتولى الحكومة الإتحادية إدارتها،وهذه هي المادة الوحيدة التي يرفض بارزاني وحزبه الإلتزام بها لأنها تمنعه من الإستئثار بهذه الثروة بعيدا عن رقابة وسلطة الحكومة الإتحادية.إذن النفط أصبح أم المشاكل القائمة بين بغداد وأربيل ولايمكن التكهن بالوقت الذي يمكن أن يعالج فيه الطرفان هذه المشكلة كبداية لحل بقية المشاكل.

    هناك من يعتقد بوجود أياد خارجية تدفع الى مزيد من التعقيد وتأزيم العلاقة بين أربيل وبغداد، وهذا غير صحيح،لأننا لاحظنا بكل بساطة أنه لم تكن هناك أية خلافات بين الطرفين قبل عام 2008 حين بدأت عمليات التنقيب عن النفط بكردستان،وكان الإقليم يستلم حصته من ميزانية الدولة من دون أية قيود،ولكن مع بدء إستخراج النفط وتهريبه عبر الشاحنات وكانت هذه العملية إختبارية الى حين تمكنت حكومة الإقليم بمد إنبوب ناقل للنفط عبر تركيا وتوقيع عقد يمتد لخمسين عاما معها ما أغرى حكومة الإقليم بفك إرتباطها بالحكومة الإتحادية وإعتماد سياسة نفطية مستقلة أثبتت فشلها فيما بعد.فبرغم الكميات الهائلة من النفط المصدر الى الخارج لم تتمكن حكومة الإقليم من توظيف موارده لخدمة الشعب وتحسين أحواله المعيشية،بل أنه بمجرد قطع حكومة بغداد الحصة المالية عن كردستان وقعت حكومة الإقليم في مأزق كبير حين عجزت خلال السنتين الماضيتين من تدبير وتأمين الأموال اللازمة للميزانية. واليوم يتلمس المواطن الكردي حجم الكارثة التي حلت به جراء إعتماد تلك السياسة النفطية المستقلة عن بغداد، فبدلا من أن تتحول تلك الثروة النفطية المكتشفة الى نعمة أصبحت كما كانت نقمة على الشعب،لأنها حرمتهم من تمويل بغداد لميزانية الإقليم،في وقت تذهب الموارد الى جيوب العائلة البارزانية الحاكمة بكردستان.

    لقد كانت السنوات من 2005-2014 هي أزهى سنوات العيش والرفاهية بكردستان حين كانت الحكومة الإتحادية تؤمن حصة كردستان من ميزانية الدولة، فقد تطور الوضع الإقتصادي وتحسنت الأحوال المعيشية وتنوعت المشاريع التنموية،وبعد أن تم قطع تلك الحصة واجه الإقليم كارثة حقيقية نتيجة إنعدام الموارد،وساهم خفض أسعار النفط وهو المصدر الأساسي لتمويل الحكومة في تضخيم الأزمة المالية والتي وصلت الى حد قطع رواتب الموظفين بنسبة 50-75 بالمائة ما أفقر نسبة كبيرة من المواطنين،وتوقفت المشاريع بما فيها الخدمية، ورزح الإقليم تحت عبء ديون خارجية تقترب من 30 مليار دولار.

    إستئثار حزب بارزاني بموارد النفط وعدم وجود الشفافية في العملية برمتها،دفع بأطراف أخرى سياسية في الإقليم،وخاصة الإتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير والحزبين الإسلاميين الإتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية والتي تعتبر اليوم جبهة معارضة ضد حزب بارزاني الى تبني سياسة مغايرة لحزب بارزاني في مجمل ملفات التعامل مع بغداد، ولقد أكدت هذه الأطراف دوما على ضرورة التعامل مع بغداد كشريك في الوطن ونبذ الخلافات والقطيعة التي يتبناها حزب بارزاني بهدف الإستئثار بالثروة النفطية،وتطبيع الأوضاع معها لأنها في المحصلة هي التي بإمكانها كدولة أن تؤمن الحياة المعيشية اللائقة للمواطن،ولكن يبدو أن بارزاني وحزبه يرون مصلحتهم الشخصية فوق المصالح الشعبية وهكذا تستمر الأزمة.

    يتساءل البعض عما ستؤول اليه الأوضاع بين الإقليم والمركز بعد تطهير العراق من عصابات داعش؟.ويثير الكثيرون مخاوف من إحتمال حدوث مصادمة بين الطرفين بعد تحرير مدينة الموصل وطرد داعش من العراق،وهذا إحتمال وارد خاصة في ظل قراءة السياسات غير السليمة التي يعتمدها حزب بارزاني في حكم الإقليم،فهذا الحزب وضع كل بيضاته في سلة الحكومة التركية ويستقوي بها في مواجهة خصومه،وعليه فإحتمال المواجهة يكون واردا خاصة وأن تركيا هي المستفيدة الوحيدة من سياسة النفط الفاشلة التي تعتمدها حكومة بارزاني في الإقليم،وبطبيعة الحال فإن تركيا ستكون مستعدة للدفاع عن مصالحها المشتركة مع حزب بارزاني في حال حدوث المواجهة.

    والآن كيف يمكن معالجة هذه الأمور ودرء خطر صدام متوقع ومن حرب قد تحرق الأخضر واليابس في المنطقة؟.

    من المهم جدا تدعيم وتفعيل دور الأحزاب والقوى الكردستانية المعارضة لحزب بارزاني في إقليم كردستان،وإحداث تقارب وتفاهم بين الحكومة الإتحادية والقوى السياسية العراقية مع هذه الجبهة،وإذا أمكن للحكومة الإتحادية أن ترفع الحصار المالي عن الجزء الخاضع لسلطة الإتحاد الوطني والأحزاب المؤتلفة معه في محافظتي السليمانية وحلبجة،لكي يشعر المواطن الكردي بالفرق بين إدارة الإتحاد الوطني وإدارة حزب بارزاني،وسيشكل هذا الموقف ورقة ضغط كبيرة على إدارة بارزاني وسيدفع الناس الى إعادة النظر في تقييماتهم للأحزاب السياسية ما سيؤثر على أوضاعهم في الإنتخابات اللاحقة وهذا سيسهم بنظرنا في إنهاء الحكم الفردي الذي تنتهجه العائلة البارزانية في إقليم كردستان، وسيعيد بناء علاقة متوازنة بين الإقليم والمركز على أساس الشراكة الحقيقية بدلا عن القطيعة النهائية.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media