عن التعديل الأخير بوزراء تكنوقراط
    الأربعاء 24 أغسطس / آب 2016 - 07:10
    عبد الحليم الرهيمي
    إعلامي ومحلل سياسي
    تعددت آراء ومواقف القوى والكتل السياسية، فضلاً عن وسائل الاعلام، ازاء التعديل الاخير الذي اجراه العبادي على حكومته بإدخال خمسة وزراء جدد وصفوا بالتكنوقراط بانتظار استكمال التشكيلة الوزارية بوزراء ثلاثة بقيت مقاعدهم شاغرة هم وزراء الداخلية والتجارة والصناعة. تمرير البرلمان لخمسة وزراء – باستثناء مرشح وزارة التجارة – يعني موافقة الكتل السياسية على هؤلاء الوزراء (التكنوقراط) رغم انهم لم يكونوا منتمين الى احزاب او كتل سياسية، غير ان معظمهم رشح باقتراح من الكتل!. لكن في مقابل ذلك هناك قوى وشخصيات سياسية ودينية اعترضت او وجهت النقد لهذا التعديل او للحكومة كلها باعتبارها استمرارا – بشكل او آخر – للمحاصصة الحزبية والسياسية، ولعل ابرز الآراء المنتقدة لذلك هو رأي السيد مقتدى الصدر الذي عبر عن رفض التشكيلة الوزارية برمتها بتعبيره الاثير (شلع قلع)!. والواقع، ان الوزراء الذي قدمهم العبادي مؤخراً ومررهم البرلمان، هم كزملائهم، والبعض منهم، سبق ان قدمهم العبادي في (الظرف الابيض المغلق) ومرروا في البرلمان رغم الانتقادات القوية التي وجهت للكثير منهم، غير ان الخلافات التي عصفت مؤخراً بالبرلمان ادت الى الغاء الجلسة التي مررت هؤلاء الوزراء مع جلسة برلمانية اخرى حول اقالة رئاسة البرلمان.
    الوزراء (التكنوقراط) الذي مررهم البرلمان في التعديل الوزاري الاول وتم نقض هذا القرار، او الذي مررهم البرلمان في التعديل الثاني انما حملوا صفة (التكنوقراط) بمفاهيم الحكومة وبالمعايير التي وضعتها لادراجهم في القائمتين اللتين قدمتهما للبرلمان. ومنذ ان اطلق السيد العبادي - بعد الاعلان عن رغبته بالتعديل الوزاري - عن تشكيل حكومة «تكنوقراط»، جرى تداول هذا المصطلح على نطاق واسع وبقي تعريفه يتراوح بين الوزير المهني والنزيه والمؤهل وذي الخبرة وبين المستقل اي غير المرتبط بأية كتلة او حزب او تنظيم سياسي.
    والدكتور العبادي وحكومته تعمدا تكرار التوضيح لمعنى التكنوقراط وتوصيفه، وتأكيد اعتبار هذا التعديل جزءاً من عملية الاصلاح التي يجري التأكيد على السير بها الى امام رغم الصعاب الكثيرة التي تواجهها.
    وفي وصف وزراء التعديل الوزاري الاخير، حرصت الحكومة وبلسان متحدثها الاعلامي الدكتور سعد الحديثي على التأكيد مرات عديدة على ان الوزراء المرشحين الذين صادق عليهم البرلمان تنطبق عليهم معايير ومواصفات التكنوقراط، وان رئيس الوزراء اشترط ايضاً اختيار اشخاص مهنيين لجميع المناصب العليا في الدولة. ولمزيد من التوضيح حول صفة ومعنى (التكنوقراط) التي يتصف بها وزراء التعديل الاول والاخير اكد الحديثي في (ايجازه الصحفي) المعتاد، على ان الوزراء هم خبراء ومتخصصون في مجال عملهم ولديهم سنوات خدمة وظيفية طويلة وخبرة ادارية متراكمة في الوزارات التي اختيروا لها او في مؤسسات الدولة الاخرى، واضاف: ان هذه الخطوة تشكل بداية نوعية وفقاً للرؤية الاصلاحية للسيد العبادي العازم على ان يعمم هذا المنهج على مستوى رئاسة الهيئات المستقلة وبقية المناصب العليا في الدولة.
    لكن، وبالرغم من كل التوضيحات والتأكيدات التي عبرت عنها حكومة العبادي في اختيار الوزراء التكنوقراط والذين اكدت على صفاتهم تلك سيرهم الذاتية المنشورة على وسائل الاعلام، تبقى الاعتراضات والتساؤلات قائمة حول مدى استقلالية الوزراء عن الكتل او الاحزاب السياسية التي رشحتهم، وان لم يكونوا من عناصرها القيادية؟.
    واذا ما استبعدنا الاعتراضات والانتقادات الحادة التي ترفض كل شيء دون تقديم البديل العقلاني الممكن التحقيق، واذا ما اخذنا باعتراف الحكومة وبلسان السيد العبادي ذاته بأنه لم يستطع ترشيح وزراء حتى اولئك الذي يتمتعون بكامل صفات التكنوقراط دون موافقة وعدم اعتراض الكتل والاحزاب السياسية عليها، كي يتم ضمان مصادقة البرلمان عليهم وتمريرهم، وهذا ما حصل فعلاً وباعتراف رئيس الوزراء، فإننا نستطيع ان ندرك صعوبة وتعقيد هذه المهمة.
    ولان الاستقلالية التامة للوزير، اي وزير، لا يمكن تحقيقها بشكل مطلق، وحتى لو اختارهم رئيس الوزراء وحده دون مشاورة الآخرين والاستماع لآرائهم، فان السبيل الافضل لمنع الآثار السلبية لعدم الاستقلالية سواء على الوزير او على الوزارة كلها هو، اتخاذ الاجراءات التي من شأنها الغاء وتصفية تلك الآثار السلبية لعدم الاستقلالية وبيئتها وفي مقدمتها منع او تحريم تشكيل اللجان الاقتصادية داخل الوزارة او خارجها تحت طائلة المسؤولية الاخلاقية والجنائية للوزير، وكذلك منع التعيينات والتنقلات غير المشروعة في هيكلية الوزارة ومؤسساتها الادارية فضلا عن حصر العقود بلجنة وزارية عليا، هذا اضافة للتمني على الوزير التكنوقراط الذي رشحته احدى الكتل، بأن يلتزم اولاً واخيراً، بمصلحة العراق لا مصلحة الكتلة او الحزب خلال عمله بمجلس الوزراء وخلال اتخاذ القرارات وتكون مرجعيته في قبول او رفض اي قرار او موقف هو مجلس الوزراء ومصلحة العراق لا رأي او مصلحة الحزب او الكتلة التي اشارت على ترشيحه للوزارة كمستقل.
    ان تحقيق تلك الاجراءات يمكن ان تساعد فعلاً على استكمال الصفة المهمة للوزير التكنوقراط وهي الاستقلالية لتضاف للمواصفات والشروط الاخرى كالمهنية والخبرة والكفاءة والنزاهة والاخلاص.

    "الصباح"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media