تركيا بين اليوم والرؤية المستقبلية
    الأربعاء 24 أغسطس / آب 2016 - 19:13
    عبد الخالق الفلاح
    في تركيا يبدوا ان التغييراصبح مضموناً في برنامج الحكومة القادمة ، والذي جاء متطابقاً تماماً، ومعبّراً عن السياسات والمواقف المعلنة للرئيس رجب طيب أردوغان . وتحويل النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وهو البند الأهم ربما على جدول أعمال الحكومة الجديدة. والتي كانت من اسباب الخلاف رغم الجهود التي بذلها خلال الشهور العشرين هي الفترة التي قضاها كرئيس للوزراء حيث عمل احمد داود أوغلو بجد من اجل حل الكثير من القضايا الداخلية و الذي كان من أحد أهم عقول إدارة حزب العدالة والتنمية ، وساهم من خلال بحوثه الأكاديمية في رسم توجهات متقدمة للسياسة الخارجية ، ونقلها نحو لعب أدوار على المستوى الدولي انطلاقًا من القدرات التي تتوافر لها ؛ رغم اختلاف نهج رجب أردوغان عن احمد أوغلو في العديد منها والحديث من أن السياسة الخارجية التي تبنتها الحكومة التركية خلال تولي داود أوغلو لوزارة الخارجية ورئاسة الوزراء فشلت في بعض الملفات الإقليمية . وكذلك بعض المشاكل المهمة خلقت متاعب بين فريقي العمل لفترة من الوقت ما وصلت هذا البلد الى ما وصل اليه  . وكان الاعتقاد ان أردوغان هو الرئيس الذي يعد القائد الطبيعي للحزب الحاكم ، ويملك قاعدة شعبية قوية في المجتمع، ولذلك يمكن للنظام في تركيا أن يتقدم، إذا انسجم رئيس الوزراء معه في العمل بوصفه رئيسا للدولة ولم يتحقق ذلك لهما . ومع النظام البرلماني الذي لا يزال قائما، ويشكل أساسا للكثير من المشاكل في البلاد. ومن الواضح خلال عهدعلي بن  يلديريم بوصفه رئيسا للوزراء الحالي ستحاول حكومة العدالة والتنمية إجراء تعديلات على الدستور ، والتحول إلى نظام يسمح للرئيس بأن يكون عضوا في حزب سياسي، وسيكون هذا حلاً وسطاً مؤقتا بعد ان  صارت تركيا في وضع جديد ينتخب فيه الرئيس بالتصويت الشعبي. وعلى الرغم أن من  ينتخب بهذه الطريقة يبدو محايدا من الناحية الرسمية، فإن من المستحيل، بالنسبة له، أن يكون على هذه القاعدة ، كما لو كان لا يملك روابط بأي حزب سياسي. وتبقى المساعي عند الرئيس اردوغان وحزبه هو إصدار دستور جديد يعتمد النظام الرئاسي، لكن عدد المقاعد في البرلمان الحالي لا يسمح بذلك ، اي ان عليه ان ينتظر الانتخابات القادمة لتحقيق هذا الامل  كما أن النظام الرئاسي يجب أن يوضح جيدا للشعب على اعتباره نظاماً جديداً يراد منه ادارة البلد بموجبه . وبعبارة أدق تحتاج تركيا إلى إيجاد الأجواء المناسبة لمناقشة أي نوع من النظم تتطلبه لتعزيز الديمقراطية والحقوق الأساسية . لكن، هذا غير ممكنا في الوقت الحالي نظرا للاعتراضات التي تثيرها أحزاب المعارضة حول النظام الجديد، ورغبتها في استمرار الاطرالحالية . بن علي يلديرم هو مهندس معروف بأعماله وجهوده الإنمائية، فعندما كان في زمن قيادته لوزارة الاتصالات والمواصلات والنقل، شيدت الطرق والجسور وأقيمت مشاريع عملاقة وهو الآن يريد التركيز على التنمية ولعله سوف يخاطر ويهدف إلى تنفيذ مشاريع عملاقة مثل قناة إسطنبول ، والدفع بسرعة العمل واعطائه الحيوية والحد من التباطؤ الذي تمربه تركيا منذ اندلاع الاحتجاجات في غازي بارك عام 2013. ويحاول تحقيق العديد من المشاريع على نحو متزامن، كما ستركز تركيا على زيادة النمو في مجالات عديدة  في الفترة المقبلة . لا يعرف عن يلدريم انخراطه بالسياسة، أو اهتمامه بها بالمعنى المباشر للكلمة، ونادراً ما كان يدلي بدلوه في القضايا السياسية. أو السجالات المتعلقة في القضايا السياسية الساخنة، الداخلية والخارجية. وبالتأكيد، هو لا يحمل طموحاً سياسياً، وقد تصرّف، عموماً، كما الوزراء الميدانيين التنفيذيين والنشيطين .

    وعلى رغم ذلك فان هناك اختلافات اساسية بين عهد داود أوغلو ويلديرم . فلدى كل واحد منهما ملامح مختلفة، فداود أوغلو أكاديمي، وهذه المزية تنعكس دائما في السياسة. وداود أوغلو سياسي رومانسي شكلت رؤيته السياسة الخارجية التركية منذ عام 2009..ومن المحتمل ان تعمل الوزارة الجديدة  لتنقل تركيا من المسار المثالي الرومانسي إلى الواقعية في السياسة الخارجية خلال الحقبة الجديدة و بشكل سريع في منطقة الشرق الأوسط وتتعرض العلاقات لإعادة تشكيل في أكثر من  ملف وتعيش تركيا توترًا في العلاقات مع دول مثل العراق وسوريا ومصر والسعودية ولعلها غير نشطة مع بعض دول التعاون الخليجي يجب التغلب عليها لاهمية هذة العلاقات ولاخراج انقرة من الانغلاق والتراجع وخاصة من ناحية الازمة الاقتصادية  الصعبة التي تمر بها. كما أن الحراك الفاعل الذي تشهده المنطقة حاليًا والتحالف الذي يتم تشكيله لمواجهة تنظيم الدولة في العراق وسوريا يستدعي وجود تركيا عن قرب من أجل تنسيق التحركات والمواقف، خاصة أنها على تماس مباشر بما يجري في هذين البلدين على وجه الخصوص وانعكاسها على العالم بعد ان اشعلت لهيبها في البداية وانكفأت السياسة الاميركية الحالية على اثر الضغوطات الداخلية  ودفعت المنطقة منه ثمناً كبيراً خصوصاً مقارنة لحجم الضحايا الذين سقطوا والدمار والخراب الذي حل في بعض بلدانها وهي ليست ظاهرة جديدة عند واشنطن فقد مارستها بعد حرب فيتنام واليوم في العراق وسوريا واليمن والاثمان الغالية لحجم الضحايا البشرية والاقتصادية التي تدفعها كل يوم .

    ومن المؤكد أن نهج بن علي يلدريم لا يتم  إلا بموافقة تامة من الرئيس رجب طيب أردوغان، وهذا ما كان قد صرح فيه خلال تقديمه تشكيلة الحكومة إنه يدعم الاصلاحات الدستورية للرئيس لتحويل تركيا من النظام البرلماني إلى الرئاسي ومن المواقف الدولية والذي يهدف إلى تحسين موقف تركيا الاستراتيجي حتى لو كان هذا على حساب تقديم تنازلات معينة من نوع أو آخر لهذه الدولة أو تلك. وعلاقات تركيا اليوم لا تتمركز فقط على الشرق الاوسط ودول الجيران  المتوترة ولكن التوتر واتساع الخلاف بين أنقرة وواشنطن، وكذلك بين أنقرة والدول الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، والخلافات التي أضحت بينة جدًا عند النظر في السياسات الغربية تجاه الدول العربية المجاورة لتركيا. ويمكن الاشارة الى ان على  أعقاب محاولة الانقلاب، قامت بعض الدول والدوائر بالإدلاء بآرائهم حول محاولة الانقلاب الفاشلة، وهناك لا يمكن حتى الآن تقييم مواقف البعض من الدول منهم بدقة في الوقت القريب على الاقل ، ناهيك عما إذا كانوا قد لعبوا دورًا في محاولة الانقلاب الذي يعمل الرئيس والحكومة تصفية عناصره في الداخل واخراجهم من المؤسسات ويعتبرهم العائق امام مشاريعه .

    وكانت روسيا واحدة من الدول التي تبنت موقفًا مبكرًا يدعم شرعية الحكومة وفي ادانة محاولة الانقلاب ، ولعل السبب في ذلك أن موسكو تخشى من صعود الضباط المعروفين جيدًا بعلاقة وثيقة مع الأمريكيين. والكثير من التوقعات في ان يكون تغييرًا وشيكًا في الموقف التركي تجاه الأزمة السورية وخاصة التصريحات الاخيرة من القضية السورية لكل من رئيس الوزراء بن علي يلديرم ووزير الخارجية جاوش مولود اوغلو، ويعزز ذلك عن ما تمخض  من الاجتماع بين رجب طيب  أردوغان في زيارته لموسكو اخيراً مع الرئيس فلاديمربوتين حيث تم وضع الحجر الأساس لفهم النية التركية الروسية بشأن هذا الصراع .

     كما ليس هناك ما يشير إلى أن أنقرة تخطط  لقطع العلاقات مع واشنطن

    أو الاتحاد الأوروبي ، بدلاً من ذلك ، فإن تركيا ستصبح أكثر حزمًا حول مصالحها في العلاقة مع الأوروبيين، وخاصة فيما يتعلق باللاجئين وتوفير ملاذات آمنة من قبل بعض الدول الأوروبية لعناصر من حزب العمال الكردستاني   التي قد طالبت من الولايات المتحدة أكثر من مرة بالتراجع عن تحالفها مع وحدات حماية الشعب التابعة لحزب العمال الكردستاني المطالب بالاستقلال، والذي يُصنف بمنظمةً إرهابيةً في الولايات المتحدة وأوروبا وكذلك جماعة غولن المتهمة بقيادة الانقلاب الاخير. وفي ضوء الرأي العام التركي الذي يعتبر أقل حماسًا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإن جوهر العلاقات التركية الأوروبية لن تتغيرللترابط التاريخي فيما بينهم وخاصة لتواجد العمالة التركية المنتشرة في تلك البلدان ولكن قد تخف عما كانت عليه  . وفي هذا المجال لايمكن ان نعزل العلاقات الايرانية التركية ونموها في الوقت الحاضر على حساب توثيق الروابط بينهما وتقريب وجهات النظر والتي قد تحرج تركيا أمام حلفائها الأميركيين والأوروبيين، ولكن تحاول اصلاح الاخطاء الكبيرة التي وقعت فيها  شرط ان لا يؤثر على الدورالاستراتيجي الايراني أو يقوِّض سياسته  المتنامية في الشرق الأوسط . وبعد ان ربحت طهران ونجحت في مساعيها، وحققت إنجازاًت كبيراً على المستوى الدولي ، و في كسب جاراً إقليميَّاً مهمَّاً من قائمة أعدائها الحاليين والمفترضين لتتعاون معاً في حل القضايا المهمة وعودة الهدوء للمنطقة التي تعيش الازمات والنكبات وايقاف نزيف الدم والقضاء على حلم الشرق الاوسط الجديد .

    عبد الخالق الفلاح – كاتب واعلامي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media