ما أن أعلنت نتائج التصويت على الثقة على وزير المالية هوشيار زيباري حتى نزلت افتتاحية "طريق الشعب"، بعنوان: "استجواب الوزراء: رقابة على اداء الحكومة أم تسقيط سياسي؟”(1)
ولم تبدأ الافتتاحية بمهاجمة من استجوب زيباري بل عادت إلى استجواب سابق لوزير الدفاع مشككة، فأشارت إلى "المطالبات بالتأجيل" و "التحفظات بشأن شرعية الاستجواب". ركزت الافتتاحية على اتهامات الوزير للنواب ورئيس المجلس، ولم تكد تشير إلى التهم الموجهة للوزير في الاستجواب، رغم ان اتهامات الاستجوابين كانت موثقة بالكتب الرسمية، ولم يستطع الوزير الإجابة عن اكثرها، بينما كانت اتهامات الوزير مجرد اقوال شفوية بلا ادلة، وتشي بان الوزير كان يحاول تجنب الفضيحة باللجوء إلى الهجوم المضاد بأي شكل كان.
كذلك أشارت افتتاحية طريق الشعب إلى "التعاطف الشعبي العام مع الوزير لجرأته"، ثم خرجت عن التلميحات إلى اتهام من صوت ضد الوزير بالخضوع لضغوط اجنبية او العمالة، فادعت أن الكتل "توافقت في تحركات مكثفة شملت بعض دول الجوار على التصويت بعدم القناعة بإجابات الوزير"، دون ان تكلف نفسها ان تأتي بأي دليل، رغم انها تهمة خطيرة.
ولنلاحظ أن من كتب افتتاحية طريق الشعب تعمد كما يبدو، ليس فقط خلط التهم الموثقة بالكلام الشفوي المرسل بلا دليل، واعطائها قيمة واحدة، وإنما ايضاً المراوغة بإثارة الشكوك الهلامية عن طريق الإشارة إلى الآخرين، لكي يستفيد منها دون ان يكون مسؤولا عنها. فهو يثير الشكوك دون ان يتخذ موقفا صريحا منها. إنه يشير إلى "المطالبات بالتأجيل" و "التحفظات" و "التعاطف الشعبي مع الوزير" دون ان يخبرنا إن كان مع تلك المطالبات أو التحفظات، ولا أخبرنا إن كان يرى "التعاطف الشعبي" مؤسساً بشكل جيد أم أنه نتيجة الحملة الإعلامية التي تحيط بالوزير، والتي لم يسبق لشخصية عراقية منذ 2003 أن حصلت عليها، ولا أحد يعلم من يديرها!
وأخيرا القت طريق الشعب اللوم على "توقيت” عمليات الاستجواب لأنه كما قالت، نشأ عنها "وضع غريب وغير طبيعي" لأننا "في بلد يخوض حربا ضارية ضد عدو ارهابي وحشي لا يزال يحتل ثالث أكبر مدن البلاد" والنتيجة هي، حسب طريق الشعب: "رأي عام شعبي يشجب القرار ويعتبره عقوبة غايتها ردع من يتجرأ على تحدي منظومة الفساد في الدولة"!
ثم يأتي دور استجواب وزير المالية، وهو الموضوع الأساسي والحقيقي لكتابة الافتتاحية (سأذكر سبب اعتقادي هذا بعد قليل). فذكرت الافتتاحية أن التصويت جرى "في اجواء مضطربة ومتوترة، خرجت عن السيطرة والرصانة لتصل حد الاشتباك بالأيدي بين النواب."، وأن "هذه التطورات تشكل ارباكاً اضافيا في الوضع السياسي" وتصعب على العبادي "تحقيق الاستقرار الحكومي المطلوب والضروري لخوض المعارك الفاصلة مع تنظيم داعش الارهابي من أجل تحرير الموصل، ومواجهة التحديات الكبرى لما بعد التحرير."
ثم تأتي جملة اعتراضية خجولة كتبت كما يبدو لاستباق السؤال عن تناقض هذه المقالة مع مواقف الحزب: "ومعروف اننا من المطالبين بتفعيل الدور الرقابي لمجلس النواب، ونعتبر عمليات الاستجواب بحد ذاتها امرا ايجابياً".
أما السبب في الموقف المختلف فهو أن العملية صارت "تخضع عند التطبيق للتجاذبات السياسية وصراع المصالح والاجندات السياسية الفئوية الضيقة" و"استخدام الاستجواب بصورة انتقائية، ووفقا لاستهدافات سياسية ضيقة" و "اداة للتسقيط السياسي"، وقالت أن هذه هي القاعدة في الاستجوابات.
وأخيرا تتساءل طريق الشعب "لماذا تم التركيز والاصرار على استجواب وزيرين منغمرين في اهم ملفين يواجهان البلاد، الحرب ضد الارهاب والازمة المالية؟ الم يكن تأجيلهما لعدة أشهر ممكنا والاهتمام بملفات وزارات أخرى؟"..... انتهت اقتباسات الافتتاحية الأخيرة لطريق الشعب.
هذه الافتتاحية تطرح على الطاولة مجموعة من الأسئلة.
إذا كانت طريق الشعب ترى أن العملية صارت تخضع لـ "الاجندات السياسية الفئوية الضيقة" وأن هذه هي القاعدة، فلماذا تؤكد أن الحزب "من المطالبين بتفعيل الدور الرقابي لمجلس النواب" وانه يعتبر عمليات الاستجواب امرا ايجابياً"؟ ما هي صفات عمليات الاستجواب الإيجابية؟ وأين بالضبط حادت عمليات استجواب زيباري والعبيدي عن تلك العمليات في رأي الصحيفة الرسمية للحزب الشيوعي؟ لا شيء في الافتتاحية يشير إلى أسئلة سيئة أو غير موثقة، وكل ما اشارت اليه هو "الأجواء المضطربة والمتوترة والاشتباك بالأيادي" وإن كان هذا سبب كاف لاعتبار الاستجواب فاسداً فهذا يعني اننا لن نستجوب احداً لان جماعته يمكنهم دائما ان يضعوا "شلاتيه” من أمثال "عواد العوادي" او النواب الكرد لتخريب "الأجواء" ويشتبكوا بالأيادي ويوقفوا أي استجواب!
هل حقا أن هذين الوزيرين حاولا تحدي منظومة الفساد في الدولة، كما تدعي "طريق الشعب"، وأن الاستجواب كان لمعاقبتهما؟ إن الافتتاحية تضع العربة امام الحصان بلا خجل كما يفعل الكثير من جوقة الإعلام المدافعة عنهما! رغم ان الجميع يعلم بوضوح أن أي من الوزيرين اللذين تدافع عنهما، لم يبادر بتحدي "منظومة الفساد" كما تقول الصحيفة، ولم يتذكر أي منهما أي من "الحقائق" (إن كانت كذلك) التي كشفاها، إلا بعد ان تم احراجهما بالأسئلة التي عجزا عن الإجابة عنها، وفوق ذلك لم يكن لديهما اية ادلة على ما قالاه ولا احد يعلم حتى الساعة إن كان في بعض ما قالاه حقيقة أم أنها بمجموعها مجرد أكاذيب محتال محاصر، فماذا تخلط طريق الشعب الأوراق؟
دعونا نطرح سؤالا ابسط: هل حقاً أن استجواب وزير بريء في البرلمان يمكن ان يسقطه سياسياً كما يكثر الحديث عن الأمر، أم ان تهمة "التسقيط" طريقة لمنع المحاسبة عن الوزراء الفاسدين بالذات؟ ما نراه ان الاستجواب نوع من "محاكمة علنية" تمنح الوزير الفرصة الكاملة ليدافع عن نفسه امام اتهامات النواب وامام الناس، وبالتالي فالبريء يستطيع ان يستخدمها لإزالة اية شوائب قد تكون سمعته تعرضت لها، ويفترض ان يكون سعيداً بها. وهناك امثلة من الواقع.
ففي استجواب سابق لوزير الدفاع، استطاع الأخير الإجابة عن أسئلة حول التعيينات والإقالات للضباط، تحمل تهمة التمييز الطائفي. وكانت النتيجة أن النائب المستجوب أكدت اقتناعها بالأجوبة، وشكرته وكانت الجلسة بحق جلسة دعاية إيجابية له، وخرج منها بصورة أفضل مما كان قبلها. وهو مؤشر قوي على ان الاستجواب البرلماني من الصعب جدا ان يستعمل كسلاح تسقيطي، مالم يكن المتهم ساقطا بالفعل.
كيف استنتجت طريق الشعب أن الاستجوابات "تسقيطية" القصد؟ أنا اعرف طريقة واحدة لتمييزها: ان تكون الأسئلة في غير مكانها ولا تؤشر مواقع فساد أو لا تستند إلى وثائق، فهل كانت الأسئلة الموجهة إلى الوزيرين بهذا الشكل؟
الصحيفة نفسها اكدت العكس في افتتاحية سابقة في نفس الشهر، وأشارت إلى أهمية ما تم الكشف عنه في الاستجواب وقالت أن هناك المزيد. "إن ما تم الكشف عنه في جلسة استجواب وزير الدفاع، على أهميته، لم يتطرق سوى إلى عدد محدود من العقود، في حين يعلم الجميع أن شبهات الفساد في وزارة الدفاع تكاد تطول جميع، أو معظم، عقود التسليح وتعاقدات الوزارة الأخرى في الحكومات المتعاقبة." وأكدت أن الفضائح التي كشفتها جلسة الاستجواب بينت "أن الفساد والارهاب وجهان لعملة واحدة”(2)
فكيف نفهم هذا الكلام وذاك؟ وكيف تحول الاستجواب الذي كشف فساداً يطول "جميع، أو معظم، عقود التسليح وتعاقدات الوزارة" في الافتتاحية الأولى، إلى مجرد "تسقيط سياسي" في الافتتاحية الثانية عندما بدأت الاستجوابات تطال وزراء كردستان؟
وكيف تحولت الدعوة العاجلة إلى "اتخاذ الخطوات العملية الحازمة لفتح جميع ملفات الفساد في وزارة الدفاع والضرب بقوة على يد المتورطين فيه والمتواطئين معه من داخل الوزارة وخارجها"... إلى تشكيك وتساؤل عن جدواها وتوقيتها؟
وكيف تحولت ضرورة "الجدية في محاربة الفساد والقضاء عليه، وخاصة في القوات المسلحة" من "دعم حقيقي وناجع في اتجاه تحقيق النصر على داعش والارهاب” في المقالة الأولى، إلى أمر سلبي وتساؤل عن سبب "الاصرار على استجواب وزيرين منغمرين في اهم ملفين يواجهان البلاد، الحرب ضد الارهاب والازمة المالية؟" وبدلا من الحث السابق على الإسراع بكشف الفساد، صار السؤال: "الم يكن تأجيلهما لعدة أشهر ممكنا والاهتمام بملفات وزارات أخرى؟"
ما الذي تغير في الحكومة او في موقف الحزب ليفسر كل هذا التناقض بين افتتاحيتين نشرتا في نفس الشهر عن نفس الموضوع؟ لا شيء سوى ان الاستجوابات بدأت تطال الفاسدين من وزراء كردستان، وهؤلاء كما يبدو "خط احمر" بالنسبة للحزب الشيوعي! ومن الطبيعي ان يستفيد الفاسد الآخر، خالد العبيدي من هذا التغيير في الموقف من الاستجوابات!
لقد ارتكبت كردستان بحق العراق منذ 2003 وبالتعاون مع اميركا، الكثير من الجرائم فاستولت على نسبة من ثروات البلاد وسيادتها (عملية صنع القرار فيها بنسبة النواب وغيرها)، تزيد بـ 50% عن نسبة سكانها وسرقت واردات الحدود والنفط وأرسلته إلى إسرائيل إمعاناً في إهانة العرب، واحتلت كركوك واراضي وقرى عربية وهجرت سكانها حتى تضاعفت مساحة خارطتها، وهاهي ترتب امورها مع تركيا وأميركا، لاحتلال أكبر مساحة إضافية ممكنة من الموصل. ولم ينطق الحزب الشيوعي خلال 13 سنة من الابتزاز الكردستاني للعراق بكلمة لوم أو عتب بسيطة واحدة تجاه حكومتها التي حظيت دائما بمدافع ثابت مهما كان الموقف. وحتى حين كانت تلك الحكومة الاقطاعية الإجرامية تضطهد الشعب الكردي نفسه لم ينبس الحزب بكلمة دفاعا عن الشعب الكردي الذي يتحجج بالدفاع عنه لتبرير صمته.
لقد سكتنا طويلا عن كل هذا احتراما لتاريخ الحزب ولسمعة اعضائه، لكن الصبر فاض، ولم نعد نرى أية علاقة بين ذلك التاريخ الناصع وهذا الحاضر المليء بعلامات الاستفهام التي لا يمكن إخفاؤها إلى الأبد. ورغم يأسنا التام والمطبق، من أي إصلاح أو أي إحساس بالخطأ القاتل، وأن تجربتنا تقول إن كل ما سيحدث هو ان الحزب سوف يعتبر كل من يفتح فمه بكلمة عن العلاقة المريضة والمريبة بينه وبين كردستان، من المعادين له والذين "يريدون الإساءة إلى سمعته وتاريخه"، ويمضي في طريقه المؤسف كما فعل دائما، فإن من واجبنا ان نقول ما نراه، وإن كان هناك من يجب ان يحترم هذا التاريخ ويحرص على سمعة الحزب فأعضاء الحزب أولى بذلك، وهم الأقدر على إعادة الثقة به. ولن يكون هذا بالقرارات الناشزة والمريبة، مرة بالتحالف تحت مظلة عملاء السي آي أي (علاوي) ومرة مع عميل الموساد (الآلوسي) والتبعية المستمرة والثابتة لإقطاعيي كردستان – ذيل إسرائيل وهراوتها على العراق - ومساندتهم غير المشروطة لسفلتها وتغطية عدوانهم على العراق وتآمرهم على مستقبله مع كل اعدائه، وحتى على شعبهم الكردي ايضاً، وللقضية بقية...
(1) استجواب الوزراء: رقابة على اداء الحكومة أم تسقيط سياسي؟
(2) جلسة استجواب وزير الدفاع العاصفة
ردي على رد د. حسان عاكف عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي
صائب خليل
شكري للدكتور حسان على رده على مقالتي، وأبدأ ردي على النقاط التي طرحها بشكره على المحاضرة عن الأمانة في النقل وضرورة عدم "حشر كلمات" ونسبها إلى الجهة الأخرى، لكن مثاله لم يكن موفقا في رأيي، فأنا لم انسب كلمات "العمالة" و "خضوع النواب لضغوط اجنبية" إلى المقالة ابداً، حيث وردت هذه العبارات كاستنتاجات ضمنية لما جاء في الافتتاحية التي اشارت أن التصويت على عدم القناعة بأجوبة الوزير جاء بعد "تحركات مكثفة شملت بعض دول الجوار"، وهو تلميح واضح في تقديري على الأقل إلى ان تلك الدول قد مارست الضغط على النواب من اجل التصويت بهذا الشكل. وإلا فلماذا يذهب نائب إلى دولة أخرى ليسألها كيف يجب ان يصوت وما مدى قناعته بالأجوبة؟
ويمكن للدكتور حسان ان يلاحظ بسهولة أنني التزم بالعرف الصحفي بوضع النصوص المنسوبة إلى المقالة كاقتباس، بين اقواس اقتباس، وعلى هذا الأساس فإن اتهامه بعدم الأمانة اتهام مؤسف ولا أساس له، وإني اتحداه أن يأتي بكلمة واحدة تم اقتباسها ولم تكن موجودة في المقالة. وما لم أحصل على رد على هذا التحدي منه او من أي قارئ آخر فإني سأعتبر تلك التهمة في غير محلها وأنها جاءت نتيجة الغضب، وربما يحق لي ان اطالبه باعتذار عنها.
ويعود الدكتور حسان لتكرار نصائحه الأخلاقية لي عن ضرورة الأمانة والصدق "في نقل مواقف الآخرين" ويؤكد إني تخليت عن تلك الأمانة لأني اجتزأت "فقرات وجملا من التصريح" وأخرجتها عن "سياقها وترابطها" لكي تخدم فكرتي.
بدأً أقول انه من الطبيعي والأمين تماما ان "يجتزئ" الناقد المقولات التي يريد تركيز الضوء عليها لانتقادها، فليس من المعقول أن ينقل المقالة برمتها (وقد نشرت روابط للافتتاحيتين على كل حال لمن يريد الإطلاع على نصهما في مقالتي الأولى وهنا)، إنما لا يجب أن يتم الاجتزاء بطريقة تعطي عكس المعنى المقصود أو معنى مختلف تماما عنه. وما ينتظر المرء بعد هذا الاتهام هو ان يقدم د. حسان مثالا على تلك "الفقرات والجمل" التي اجتزأت وأخرجت من سياقها لتعطي معنى مخالفاً لما يفهم منها عندما تقرأ ضمن السياق، كما نجتزئ "ولا تقربوا الصلاة" بعد ان نقطعها عن تكملتها: "وانتم سكارى" فتعطي معنى مقلوباً.
د. حسان، وكما في الحالة الأولى، لا يشير إلى عبارة واحدة من تلك العبارات المفترضة التي "اقتطعتها من سياقها" لأجعلها تلائم فكرتي، لكي يترك القارئ يحكم ان ذلك الاستقطاع كان بالفعل قالبا للمعنى كما يقول أم لا. إنه يقدم بدلا من ذلك العبارات التي لم اقتبسها ("قفزت فوقها" حسب تعبيره). ويرى ان تلك النقاط تتضمن إشارات "الى ايجابية استجواب الوزيرين بالذات وليس فقط الاستجوابات بشكل عام."، والتي اعطى إهمالها انطباعاً غير متوازن عن محتوى الافتتاحية.
وهنا يجب ان نقول أولا، أن تركيزا على نقاط تعطي انطباعاً يميل أكثر مما يجب إلى جهة ما (وسنعود لمناقشة هذه التهمة أيضاً)، هي تهمة مختلفة تماما عن تهمة "إخراج عبارات من سياقها وترابطها" بهدف تغيير معناها. ومن المؤكد ان د. حسان لم ولن يجد عبارة واحدة أخرجت من سياقها بشكل يغير معناها، ولو وجد لذكرها. وهنا اشعر مرة أخرى أن د. حسان مطلوب اعتذار آخر لي.
ويلومني د. حسان لأني اشرت إلى عبارة "مجرد تسقيط سياسي" وهذا امر غريب، فالعبارة وردت في الافتتاحية وفي عنوانها بالذات: "استجواب الوزراء: رقابة على اداء الحكومة أم تسقيط سياسي؟”، إضافة الى ورودها في متن المقالة
لقد أورد د. حسان عدداً من النقاط، ليبرهن انها تشير إلى نقاط إيجابية من ذلك الاستجواب، والحقيقة ان بعضها لا يفعل ذلك، وبعضها على العكس تماما، وواحدة منها هي استدراك مجتزء من جملة تهاجم الاستجواب في الأصل!
بشكل عام، فأن تلك "الإشارات" ضعيفة. تتحدث عن "مخالفات وتجاوزات على الضوابط المالية.. "قد" يرقى بعضها الى مستوى الفساد... ووصف الاستجوابات بأنها "إشارة واضحة للوزراء انه لم يعد يمكن الاستمرار في التمتع بامتيازات"... الخ. ولا يمكن ان تقارن تلك بالجمل الشديدة القوة التي تهاجم الاستجوابات، حين وصفتها المقالة بأنها:
نشأ عنها "وضع غريب وغير طبيعي" ... "في بلد يخوض حربا ضارية ضد عدو ارهابي وحشي لا يزال يحتل ثالث أكبر مدن البلاد" والنتيجة هي "رأي عام شعبي يشجب القرار ويعتبره عقوبة غايتها ردع من يتجرأ على تحدي منظومة الفساد في الدولة"! و"هذه التطورات تشكل ارباكاً اضافيا في الوضع السياسي" وتصعب على العبادي "تحقيق الاستقرار الحكومي المطلوب والضروري لخوض المعارك الفاصلة مع تنظيم داعش الارهابي من أجل تحرير الموصل، ومواجهة التحديات الكبرى لما بعد التحرير."
وأخيرا الدفاع الصريح الغريب عن "وزيرين منغمرين في اهم ملفين يواجهان البلاد"، والمطالبة الصريحة بالتأجيل: "لماذا تم التركيز والاصرار على استجواب وزيرين منغمرين في اهم ملفين يواجهان البلاد، الحرب ضد الارهاب والازمة المالية؟ الم يكن تأجيلهما لعدة أشهر ممكنا والاهتمام بملفات وزارات أخرى؟".....
هل تقارن هذه العبارات بتلك التي أوردها د. حسان في قوتها ووضوحها؟ هل مثل هذه المقالة تعبير عن دعم الحزب لاستجواب الوزيرين؟ لكن دعونا نعطي القارئ فرصة ليحكم بنفسه، وبالطريقة التي يفضلها د. حسان.
يقول د. حسان "ان قراءة التصريح بشكله الكامل وتسلسل فقراته تبقى هي الطريقة الانجع والافضل للاطلاع على الموقف الموضوعي المتوازن للحزب الشيوعي."
وأنا موافق على ذلك، وأدعو القارئ إلى قراءة الافتتاحيتين لطريق الشعب، التي تقول مقالتي أن الافتتاحية التي جاءت بعد استجواب زيباري تختلف بشدة عن تلك التي قبل استجوابه، وليحكم القارئ بنفسه إن كان موقف الحزب الشيوعي الذي تعبر عنه المقالتان هو نفس الموقف، أو حتى قريب منه!
في النهاية أشار د. حسان إلى علاقة الحزب الشيوعي العراقي بالقضية الكردية وبالأحزاب الكردستانية، قائلا إنه موضوع مستقل بحد ذاته، واتمنى ان يسعفني الوقت والمزاج للرد على ما كتبه وتخطئة الكثير منه، مضيفاً نقطة يريد ان يثبت بها ان الحزب قد انتقد الكتلة الكردستانية فقال إن "الحزب الشيوعي العراقي ومنذ سنوات وهو يحمل الكتل الرئيسة الحاكمة الثلاثة مسؤولية التردي" متسائلا وبسخرية، إن لم يكن هذا يعني انتقاداً لـ "الكتلة الكردستانية"؟
ومن الجميل ان لا يجد د. حسان في ذاكرته أي نقد أبداه الحزب الشيوعي العراقي للسياسة الكردية، رغم كل الجرائم التي ارتكبتها الكتلة الكردستانية بحق العراق وبحق كردستان ذاتها، (ويمكننا ان نسطر قائمة لا يستطيع الحزب انكارها بتلك الجرائم) سوى أن الحزب قد "حمل الكتل الثلاث المسؤولية"! إنه لا يجد مثالا واحداً يشير إلى انتقادها مباشرة وبالاسم!
يمكننا ان نستمر في دفن رؤوسنا في الرمل بشأن العلاقة غير الطبيعية بين كردستان والحزب الشيوعي، والمنظمات القريبة من الحزب الشيوعي ايضاً والتي كتبنا عنها وسنكتب، لكن الحقيقة التي يعرفها الجميع بلا استثناء، ولا اظن ان الشيوعيين دون باقي العراقيين لا يحسون بها، أن هناك علاقة تبعية مريضة بين الحزب الشيوعي العراقي وكردستان، وهي بالتأكيد ليست علاقة تضامن ودعم، فكردستان هي الأقوى والاقل حاجة للدعم! نتمنى أن يفي د. حسان بوعده، ويلقي لنا الضوء على هذه العلاقة بشكل يحمل الحد الأدنى من المصداقية غير المجاملة، فالسؤال على بال كل عراقي، وليس بالإمكان دفنه بالتجاهل والهرب.
(1) صائب خليل - كادر شيوعي متقدم يرد على انتقادي لموقف الحزب من استجواب الوزيرين
(2) صائب خليل - الشيوعيون العراقيون - أما حان الوقت لوقف التبعية لكردستان؟
(3) استجواب الوزراء: رقابة على اداء الحكومة أم تسقيط سياسي؟
(4) جلسة استجواب وزير الدفاع العاصفة