هل يمكن إصلاح السعودية؟
    الخميس 22 سبتمبر / أيلول 2016 - 11:15
    هاني الحطاب
    هل تتغير الأشياء اعتباطاً أم أن هناك قوانين تخضع له ؟ أما يجب يجب علينا تغير صيغة سؤال قبل الإجابة عليه ، فسؤال عن الاشياء ، قد قد لا يكون ملائم  ، لأن نسأله عن الأفراد    أو الحكومات فهم لا يخضعون لنفس القوانين  . وعليه لنعيد صياغة سؤالنا بشكل التالي ؛ كيف يمكن لفرد أو الحكومة أن تغير من سلوكها أو نهجها ، فهل يتم تغير الفرد أو الحكومة يحدث  بطريقة عشوائية ولا يوجد هناك  قانون أو  قوانين يخضها لها . بالطبع هذه السؤال،   ذو شقين أو له جانبين ، وعلينا أن ننظر له من زاويتان ، أو يمكن الأجابة عليه بطريقتين ، وحتى لا نخلط بينهما . 
    فأولاً ، لو نحن ، نظرنا للفرد أو الحكومة بشكل عام ،  فشيء أعتياد وكما تعلمنا العلوم الأجتماعية ، بأنهما يتغيران على المدى الطويل  ويخضعون في سلوكهما تلقوانين تحتم هذا التغير . لأن التغير هو سنة الحياة ، وهذه الحقيقة معروفه منذ زمن الأغريق ، حيث قال هيرقليطس بأن كل شيء يتغير ، وهو الشيء الدائم ، في هذا  الكون . فالنظر لهما على هذا المستوى يكون الجواب في الإيجاب . أما المستوى الأخر من التغير والذي نعنيه هنا في سؤالنا ، فهو ما يخص التغير على المستوى القصير الامد والذي يتعلق في مدى عمر المرء أو حكومة واحدة أو جيل  . فنحن نقر مبدئياً بأن التغير سنة الحياة ، فهذا ما لا يحتاج لجدل . وبما أننا نريد أن نفهم نوعين من التغير، هما التغير على المدى القصير ، والمدى الطويل . لأننا كما قلنا نقر في التغير كمقولة فلسفية . بيد أن نريد هنا فقط نعلل ما يبدو ساكن في المدى القصير .  
    فالتغير على المدى الطويل  شيء مؤكد وقانون  ثابت من قوانين الحياة , وحتى تكون الصورة   من تلك المقارن ، بين التغير على المدى القصير والبعيد واضحت  . دعونا نضرب الأمثال في توضيح ما نعتزم في الحديث فيه ،. هل يمكن لمجرم ، مثلاً  ، لم يمتهن الإجرام عن عوز وفاقة وإنما عن حاجة داخلية ونزعة أجراميه تسوقه بشكل غير أرادي نحو الجريمة ، يمكن التلويح له بالخطر وعقوبة الموت أن يكف عن ارتكاب الجريمة . شيء طبيعي ، أن الجواب لا ، ليس لأنه ، فقط لا يخشى الموت ، وإنما لأنه مقتنع اقتناع من يموت في سبيل عقيدة أو معتقد ، فهو حتى ولو هادن لمدة من باب التقية فسوف ينتظر الظرف المواتية حتى يعاود السلوك بنفس الطريقة . فهذا مقطوع الأمل في إصلاحه ، مثل الشخص الذي أدمن الكذب أو الغش أو أي سلوك منحرف يجد من الصعوبة تغير مسلكه ، ومن ثم لا تجد الحكومة أو المجتمع سوى موقف واحد أم حجزه أو تخليص المجتمع منه .هذا على مستوى الفرد العادي ، خلال فترة حياته .
    أم إذا انتقلنا إلى مستوى اعلى وأكثر تعقيد  وطرحنا نفس السؤال  ؛ هل يمكن للحكومة  أدمنت الأرهاب والجريمةً أن تغير نفسها على مدى فترة من حكم عائلة أو حفنة منهم ؟ وشيء طبيعي ليس كل الحكومات  من طبيعة واحدة ، هذه حقيقة معروف من  زمن أفلاطون كذلك  ، وما يحدد طبيعة الحكومة ، هو المهم هنا. فالحكومةأو الدولة لا تكون ذَا بنية أرهابية في الصدفة ونتيجة نزوع الحاكم أو طاغيه . فما يحدد طبيعة الحكم  أو الحاكم هو الظروف والبيئة او الوضع التاريخي التي تكونت فيه . فإذا سلوك الفرد ليس دائما يعين بالظروف الأجتماعية  ، فأنه على مستوى ظاهره اكثر تعقيد ، كالدولة والحكومة ، لا يمكن أن يعلل بنزوة حاكم أو طاغية ، وإنما نحتاج هنا تفسير نزوة ذلك الحاكم نفسه حتى لا نجعل الحاكم ضحية تلك النزوة  . فتلك تنبع من بنية الدولة ، وما نقصد في بنية الدولة تركيبها ، في الحكم السياسي ، فإذا الحكم فيها قأم على تغليب فئة على بقية فئات المجتمع الاخرى ، وتحرمها من المشاركة في الحياة السياسية ، فهي تنزع في مثل تلك البنية إلى الاٍرهاب والدكتاتورية .
    ولنسأل هل كان صدام دكتاتور بمحض أرادته وعلى الضاد من بنية الدولة العراقية ، أم أن بنية الدولة العراقية هي التي جعلت منه دكتاتور ؟ النظرة الساذجة ، والمداهنة ، تقول أن صدام هو طاغيه بالفطرة والطبيعة ولا علاقة لبنية الدولة العراقية في استبداده ! وهذا يعني ، في المقابل أن صدام كان يمكن أن يكون ديمقراطي أو شيوعي بدون أن تكون لبنية الدولة يد بهذا، ولكن كما كان يمكن أن يدوم حكمه ، في هذه الحال   ؟ لا شك أن صدام ما كان أن يبقى في الحكم كل هذا الفترة لو كان ديمقراطية أو شيوعي . فصحيح أن صدام ذَا نزوع دكتاتوري ، بيد أن هذه النزوع هو وحده الذي جعله يدوم كل هذه الفترة ، ونحن نعرف هذه النقطة غامضة وما تزال في حاجة للإيضاح .
    فنحن نقصد بنزوع صدام الدكتاتوري  كانت تحتمه بنية المجتمع العراقي ، فهذا المجتمع قائم منذ تأسيسه على حرمان قسم كبير من المجتمع أو جزء الأكبر من الحياة السياسة والمشاركة في الدولة ، ولهذا وجد لتسلطه دعم ومساندة كبيرة  من قسم من المجتمع وأصبح اُسلوب التسلط هو القاعدة . وعليه كانت هنا بنية المجتمع العراقية هي الأساس وحجر الزاوية في تسلط وخدمته بأطالت حكمه ،  وليس نزوته وميل إلى الطغيان هي التي تفسر نوع الحكم الذي  وجد بالعراق . وأظن أننا بلغنا الحد والنقطة تؤهلنا لكشف عما نريد أن نتحدث فيه ، بعد أن وضحنا بما يكفي  كيف أن بعض الأفراد والدول أن تكون على ما هي عليه .  وبما أن موضوع مقالتنا هذه هو هل يمكن للسعودية  تصلح وتغير نهجهافي الأرهاب  وتكون دولة غير أرهابية ودولة ديمقراطية ؟ وما كان لنا أن نكتب تلك المقالة لو لم نقرأ مقالة وزير خارجية أيران ، ومحمد جواد ظريف ، المنشورة نيويورك تايمز ، والمنشور أيضاً على صفحة جريدة  الأخبار بعنوان ،  فنخلص العالم من الوهابيةً. ورغم أن مقالته يجب أن لا تؤخذ بحرفيتها ، أي كما لو أن الرجل عبر في صراحته عن رأيه ، فهي بلا شك مكتوبا بروح دبلوماسية ، والدبلوماسية هي منتصف الطريق ، اي أنها لا تقول الحقيقة كما هي ، وإنما نصفها أو مجرد التلميح لها ، لكي يتيح لنفسه طريق أتراجع  عنها أو سحبها إذا اقتض الامر . وبما الحقيقة في للغة الدبلوماسية مفقوده ، ولا يعبر عنها بشكل صريح ، رأينا ، أن نعبر عما لم يستطع ظريف أن يقوله بصريح العبارة ، لكون الرجل دبلوماسي ، ويترك فسحه لتراجع . وبما أننا بعكس ظريف ، نتمتع بحرية تامه ، ولا يقيد فكرنا مسؤولية دبلوماسية أو منصب حكومي ، سوى المسؤولية الاخلاقية في قول ما نراه حقيقة وما نحسبه هو الواقع بكل عريه . فما لا يستطع ظريف أن يقول ، هو أن السعودية لا يمكن إصلاحها أو  تغير نهجها وأسلوبها في التعامل مع المنطقة بغير منطق الاٍرهاب  .
    فهو يعول  الكثير على أن يمكن تبدل طريقتها وسلوكها ، ولم يقدر أن  يقول ، بصريح العبارة ، كما نفعل نحن  الآن  ، لأنه ، كما قلنا رجل دبلوماسي يقول نصف الحقيقة أو فقط يلمح لطيفها . ويلقي اللوم كله على وهابيتها ، وكأن الوهابية يمكن فصلها عن حكام السعودية . هذه الرسالة التي أراد يوصلها ظريف للسعودية ، هي أننا مستعدون لعودة المياه لمجاريها . بيد نحن الناس العاديون والذين خبروا وعايشوا السياسة السعودية منذ فترة طويلة ، وما زلنا نتذكر قول جلال صادق العظم في السبعينات بأن هذه الحقبة هي حقبه سعودية ، أي فترة سيطرة سعودية ، وأن لم تكن في الشكل المكشوف الذي هي عليه الآن .
    فالسعودية لا يمكنأصلاحها أو تغيرها وتغير نهجها في الأرهاب ، فهي تُمارس الأرهاب عن وعي ودرأيه ، وليس شيء عارض في سياستها ، فمتى تغيرت السعودية كفت أن تكون السعودية المعروفة للعالم  ، وعلينا اختيار أسم اخر لها ، يلائم الفترة  ويمحو الفترة المظلمة من تاريخها .
    أما لماذا لا يمكن أصلاحها  ولا تقدر تبدل نهجها ، فقد قلنا عنه ، أن ظروف تكونها وطبيعة بنيتها والاهداف وجدت لخدمتها صاغت بلا رجعت ماهيته وأسلوبها في الحكم .
    فهي ليس مجرد صدفه أن ترعرعت في احضان الإنكليز ، وليس مجرد سوء حظ أنها تبنت الوهابية عقيدة لها ، ولا مجرد نزوة اختارت  الأرهاب طريقة في التعامل مع العرب ،  والعداء التاريخ للأيران . كل هذه الحجج تؤكد على أن السعودية لم تنجر إلى الأرهاب  بمحض اتفاق عارض .
    فصدام ، مثلأً ، لم يصبح ارهابي أو بلطجي في المنطقة نتيجة دخوله الحرب مع أيران ، وأدمن  من ثم الحروب والارهاب نتيجة لذلك الخطأ التاريخي . وإنما كما قلنا أن بنية الدولة العراقية هي التي حتمت على صدام ، أن يكون رئيس دولة  مرتزقة يباع ويشرى .
    أما من  يراهنون على تغير السعودية لوضعها الحالي ، وبعد أن قطعت شوط طويلة في الأرهاب وصناعته ، فرهانهم لا محال خاسر ، لأنه  من طبيعة رهان الخميائين القدامى على تحويل المعادن الخسيسة  إلى ذهب . ولا يصدر سوء  الفهم لطبيعة النظام السعودي  ، في الغرب ، الا عن المكانة التي احتلتها السعودية طيلة العقود التي مرت ، وعلاقتها القوية مع الولايات المتحدة الامريكية والغرب .  فأمريكا  والغرب بدأ تواً يقول احكام خجولة بحق السعودية ، ويلقون عليها اللوم بين فترة وآخرى . غير أنهم  لم يتوصل بعد لحزم أمرهم ويقول حكم الحقيقة في حقها ، بان الوقت فات  عليه منذ زمن طويل للأصلاحها الذي  يمكنها من أن  لا تكون دولة أرهابية  .
    فقد عززت الأحداث التي حدثت في عصرنا وخصوصاً سقوط  الاتحاد السوفيتي والمنظومة الأشتراكية من نهج السعودية الإرهابي ، فقد خَيل لها يمكن أن تعود في المنطقة لزمن العصور الوسطى .  وهي تسعي جاد لهذا  ، حتى تجعل كل الأبقار سوداء في الليل  ، ولا تكون البطة السوداء الوحيدة في المنطقة .  وهذه  هو في الحقيقة الذي يلقي الضوء على هذه العناد الذي تسعي  فيه لتجد لها أقران في المنطقة . فتفردها ، وتوحدها ، في هذا السلوك الأرهابي  ، يجعلها تسير عارية ، ومن طبيعة الأرهاب  أن يخشي العري ، ونظرات الأخرين . ومع ذلك ، يبقى وارد ومعقول تغير السعودية ككل  أو أنهيارها دولتها نتيجة  حماقتها أو أخطأها أو تغير نظرة المجتمع الدولي لها ،  وتغير موقف أصدقها الحالين بعد أن تصبح حمل ثقيل عليهم ، فهذا شيء آخر ، فما كنّا نقصده هو استحالة إصلاح السعودية وتغير نهجها في الأرهاب بوضعها الحالي وعلى ما هي عليه الآن ، فهذه ما نراه مستحيل ولا يمكن التفكير  لكون الأرهاب  بات هو الرئة التي تنفس من خلاله . وتنفس عن مشاكلها ، فالتفكير في إصلاح السعودية ، لا يمكن أن يحدث ، وأسهل  منه هو تغيرها جذرياً وقلب أعلىها إلى أسفلها ، وأحلال  شيء سوي ومعقول محلها .

    هاني الحطاب
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media