الوطنية والديمقراطية!!
    الجمعة 23 سبتمبر / أيلول 2016 - 20:05
    د. صادق السامرائي
    الوطنية أولا والديمقراطية ثانيا , فلا قيمة للديمقراطية بغياب الوطنية , ذلك أن الديمقراطية كفكرة هي نظام تفاعلي ما بين أبناء الوطن الواحد لتقويته وتعزيز إرادة مواطنيه , وليس العكس , ونرى ذلك واضحا في تفاعلات الأحزاب في المجتمعات الديمقراطية المتقدمة , وفي التحديات والمنافسات الإنتخابية بين الأحزاب الساعية للفوز بالحكم فيها.
    وقد رأينا ذلك جليا في عام 2008 في أمريكا , عندما فاز أوباما بالإنتخابات وسارع مرشح الحزب الجمهوري ماكين بتهنئته والعمل معه من أجل رفعة الوطن وقوته.
    وفي نفس العام تابعنا التنافس الحاد والمحتدم بين هيلاري كلنتن وأوباما , وفي النهاية إعترفت هيلاري بفوز أوباما وصوتت لصالحه ودعت مؤيديها لمساندته بأصواتهم.
    وقد شهدنا في الأسابيع والأشهر الماضية التنافس الشديد ما بين بارني ساندرز والمرشحة كلنتن , وكيف إنتهت الحالة لصالح كلنتن وبتأييد ساندرز رغم معارضة الكثير من أتباعه , لكنها الإعتبارات الوطنية التي تستدعي التفاعل الإيجابي المتضامن لبناء القوة والقدرة على التحدي والإنجاز والتقدم.
    فالوطن أكبر من الجميع , وعليهم أن يكونوا معا وسويةً , لا على بعضهم البعض , فالهدف سلامة الوطن وقوته وإقتداره , وليس المنصب والسلطة وغيرها , ذلك أن للديمقراطية محكمة تأريخية قاسية , والساعون للسلطة يبحثون عن مكان لائق في أروقة التأريخ , ويأنفون من المواضع الرزية الدونية المخزية.
    ومن هذه التفاعلات الديمقراطية الراقية علينا أن نتعلم الدروس الوطنية الصالحة لوجودنا ومصيرنا , فما يحصل في مجتمعاتنا بعيد عن الديمقراطية , وإنما يبدو كصراعات عاطفية أنانية  غابية متوحشة تُلصق بها الديمقراطية ظلما وتعسفا , فتحقق المعاداة والتحاربات وآليات الدمار والخسران على جميع المستويات.
    فعندما تحصل منافسة حزبية أو إنتخابية , تتحول الأطراف إلى أعداء وتتنامى العدوانية لتصل إلى إراقة الدماء والإتهامات الجائرة , التي تهدف لإنجاز أعلى درجات الإنفراد بالسلطة والحكم.
    شهدنا ذلك في العديد من بلداننا التي تتغنى بالديمقراطية , وهي منهمكة بتفاعلاتها المعادية لأبسط معاني وقيم الوطنية , وحصل تغييب مروّع للوطن والمواطنة والشعب , ودام الإمعان بالفئوية والطائفية والتدمير الذاتي والموضوعي لمعظم المرتكزات الصالحة للحياة المشتركة.
    ولهذا فأن من العيب أن نتحدث عن الديمقراطية في مجتمعاتنا , ونحن نمارس أبشع أساليب العدوانية على بعضنا وننتهك حرماتنا الوطنية والإنسانية والقيمية.
    فهل رأيتم معارضا واحدا لم يفز بالتصويت وإعترف بحق منافسه , أم أنه يذهب إلى آلة تدوير الإسطوانة المشروخة المكررة المملة التي عنوانها "تزوير"؟!!
    وبسبب ذلك فأن الإنتخابات في مجتمعاتنا لم تشيّد أسسا راسخة , ولم تصنع قدوات سلوكية صالحة , وإنما تلد متوالية من التفاعلات الدامية المهلكة القاسية ,التي ترعى السلبيات وتعزز التداعيات.
    فهل سنعرف الوطن والإرادة الديمقراطية؟!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media