زيباري ...وبداية انهيار "الهيمنة الكردية" على الحكومة الاتحادية ... !!!
    السبت 24 سبتمبر / أيلول 2016 - 04:51
    أ. د. حسين حامد حسين
    يمثل قرار طرد زيباري من الحكومة الاتحادية من قبل أغلبية برلمانية ، بداية لشجاعة لم تحصل سابقا في أي من الحكومات المتعاقبة منذ 2003، حيث كشفت هذه الخطوة عن استعداد البرلمان بقيادة كتلة الاصلاح الميمونة لمقاتلة لاشرعية مارسها طويلا رئيس الاقليم وبطانته وبحرص واستماتة لجعلها واقعا مفروضا لتمرير اهدافهم والاستمرار في الابتزاز والهيمنة على الحكومة الاتحادية والتستر وإخفاء ممارساتهم في ابتزاز الجميع الخانع . فانشغال مسعود برزاني اليوم في صد كثيرا من المحن والمشاكل الرئيسية التي لملمتها عليه مواقف فساده العريض واضطهاده للعراقيين جميعا عربا واكرادا وافتقاره للحكمة ، قد عمدت الى هز شخصيته وافقدته القدرة على استعادة توازنه والحفاظ على رباط جأشه.
    فاستفراد مسعود برزاني واسرته وحزبه بتكديس الثراء من خلال بيع النفط المهرب الى تركيا وايران واسرائيل واستحصال الضرائب والرسوم من منافذ ابراهيم الخليل مع تركيا والمنافذ الاخرى مع ايران وتجاهله لمعاناة فقر الشعب الكردي واضطهاده ، فضلا عن عدم اعترافه باحقية وحقوق الاحزاب الكردية الاخرى وتجاهل وجودها على الساحة السياسية كالاتحاد الوطني وكتلة التغيير والاحزاب الاسلامية الاخرى والتي تعاني هي أيضا من التهميش ، قد دفع تلك الاحزاب السياسية الى الدخول في تحالفات فرضتها حاجة المرحلة الحرجة لاعلان ان صبر الشعب الكردي بدأ بالنفاد. وان عليها الانصهار في بودقة العمل الوطني للوقوف بوجه الزعامة البرزانية التي استولت على كل شيئ ولم تعد تبالي بإي شيئ سوى مصالحها. من جانب اخر ، كانت لمواقف مسعود برزاني الحميمة مع تركيا – اوردغان في عدوانيتها ضد الشعب الكردي والقمع العسكري التي تمارسه ضد تمرد حزب العمال الكردستاني ، كان له تأثيرا مباشرا على معنويات الشعب الكردي بشكل عام بسبب ان مسعود برزاني يبدي التزاما كبيرا بأوامر اوردغان ، تماما كما كان يفعل من قبل مع صديقه الحميم صدام حسين والاستقواء بحليفه هذا على حساب الاحزاب الكردية الوطنية من شعبه التي يهمها كثيرا فرض المساوات وتطبيق العدالة والعيش الكريم لشعبها.
    والسيد مسعود برزاني الذي يشعر اليوم انه لم يعد القائد الروحي للشعب الكردي والوريث الشرعي لوالده ملا مصطفى كما كان يتوهم، فان مسعود كان يتوقع على الرغم من كل افعاله ونواياه الغادره مع شعبه ، خروج الشعب الكردي الى الشارع لاجبار الاحزاب الاخرى والحكومة والبرلمان ان تجتمع فورا وتخرج بقرار موحد يفرض استمراره كرئيس شرعي للاقليم . وعندما شيئا كهذا لم يحدث، فلقد ولد ذلك في ذات مسعود افتراقا نفسيا كبيرا ، لكنه مع ذلك لم يستطع قطع وايقاف شهوة الثراء عن نفسه ، فكانت على حساب سمعته الوطنية وظلم وجوع وعبودية الشعب الكردي نفسه.
    من ناحية اخرى، اصبح وجود أبطال الحشد الشعبي الميامين بين ليلة وضحاها يشكل تهديدا كبيرا ومباشرا لمسعود برزاني وبيشمركته. فقبل تشكيل الحشد الشعبي ، كان مسعود لا يعبئ كثيرا بالقوات المسلحة العراقية ، حيث استطاع هو نفسه عمليا من احلال نكبة كبرى بالعراق من خلال اعطاء الاوامر لبيشمركته للانسحاب من الموصل لكسر معنويات الجيش الكبير المتواجد هناك عند دخول داعش الى المدينة . فكان انسحاب البيشمركة، بشكل مقصود ومتعمد قد قاد الى تلك الهزيمة المنكرة التي منيت بها القوات العراقية التي ولت هاربة امام اقل من ثلاثة الاف من دواعش الذين قام مسعود بدعمهم لاحتلال الموصل . فمسعود يؤمن بالمبدأ الميكافيلي من أن الغاية تبرر الوسيلة ، ولكن بطولات الحشد الشعبي قلبت جميع الموازين وتعدت النظريات العسكرية ، حيث ، لم يحدث ان تحشيدات من المدنيين تتحول بهذه السرعة الى قوات عسكرية تتصدى لاعتى جيش منظم ومدرب من منتمي الحرس الجمهوري وانزال أفدح الخسائر وطرده من مواقع استحكاماته . هذا كله أصبح بالنسبة لمسعود ، مبعث أرق وقلق عظيمين ، حيث تحطمت اماله العسكرية في قوة بيشمركته بعد ان راحت صحف العالم تتحدث عن الجيش الشعبي الذي هو والقوات العسكرية العراقية ، را حا يلغيان "البطولات الحديدية" التي يتبجح بها داعش ومنعته ، حيث أمست سوى نمورا من ورق.
     فمسعود برزاني يتوقع اليوم ، انه عند اعطاء الاوامر بتحرك القوات المسلحة والحشد الشعبي لتحرير الموصل ، فان من شأن ذلك ان يسمح للحشد الشعبي وبعد طرد داعش من الموصل ، أن يواصل تقدمه لازاحة البشمركة من المناطق العراقية التي تم احتلالها من قبلهم، وهي حقيقة ، تشكل احتمالاتها واقعا ممكنا .  وما وجود القوات التركية عند اطراف الموصل سوى للتنسيق مع البشمركة وتقاسمهما المناطق هناك . فعند حصول اشتباكات بين البيشمركة والحشد الشعبي، سيصبح تدخل الاتراك ذريعة من اجل بقائهم، متذرعين بالاتفاقية الجرباء عند ضم الموصل للعراق ، ومنحهم حق التدخل بحماية التركمان في المدينة، متناسين ان الكثير من الاتفاقيات قد ألغاها الزمن .   
    واليوم ، وبعد ان حلت اخر الكوارث على رأس مسعود ، في طرد "خاله" زيباري من الحكومة الاتحادية كتوجه فيه الكثير من الحماس البرلماني والشعبي لكشف وفضح نموذجا كان "مصانا" من قبل "قوة" كانت في يوم ما قادرة على حماية فساده وفساد الاخرين . وظلت هذه القوة في هيمنتها الطويلة على القرار العراقي ، غير قابلة للزحزحة . لكن طرد خال برزاني نفسه وابعاده معنويا وتحطيم هيمنته على الحكومة الاتحادية والعراق جميعا، ستكون له اثارا كبرى . فلطالما كان البرزاني كثير الاعتداد بنفسه "كصانع الملوك" ، وان حزبه الديمقراطي الكردستاني كان باعتقاده يمثل الصخرة التي تتحطم عليها اماني كل من يقف ضده وضد حزبه. ولكن الاطاحة بزيباري كانت هي الصحوة التي هزت البرلمان والتي دللت على توجه وطني وانعطافة تأريخية كبرى بقيادة أبطال جبهة الاصلاح البرلمانية التي تصدت لدحر اخزى واقبح الوجوه السياسية كالعبيدي. كما ونتوقع من خلال سعيها الوطني سقوطا لوجوه اخرى معفرة بالخزي كرئيس البرلمان الطائفي سليم الجبوري وغيره من قادة الشيعة والسنة معا ممن يتبجحوا بمأثرها النضالية ، لكنهم سقطوا في الحضيض نفسه بعد استطابوا طعم الحرام .
    أن المتتبع لمسيرة مسعود الاخيرة ومنذ انتهاء شرعيته كرئيس للاقليم ، يدرك ن سلوكه لم يعد سلوكا سويا . فمسعود الذي لم يتوانى حتى من الكذب  على وسائل الاعلام ، لكن ، العالم بدأ بالتعرف على فساده وادعاءاته . فما حصل لمسعود في زيارته الاخيرة الى فرنسا ، كان قد وضع مسعود في حرج كبير حينما سمح لنفسه بالتصريح ان الرئيس الفرنسي يؤيد اقامة الوطن الكردي وانه قد سأل مسعود عن موعد اعلانه لذلك ، ولكن جاء النفي الرسمي من قبل الحكومة الفرنسية في اليوم التالي لتصريحات مسعود. ومسعود الذي تفوق على الجميع في ثراءه الفاحش من خلال بيعه النفط المهرب الى اسرائيل وتركيا ،  كان قد اختار منطق الكذب والافتراء لاخفاء بيعه نفط المهرب ، حتى بدأت وسائل الاعلام الغربية تنشر صورا لجيش الشاحنات التي تقف في صفوف طويلة وهي تقوم بتهريب نفط الاقليم الى تركيا وايران واسرائيل . كذلك كان الحال مع لجوئه الى ضمه مناطق من كركوك وبقية الاراضي والمناطق العراقية الاخرى. وكانت اوامر مسعود برزاني لبيشمركته لاحتلال الاراضي العراقية  مجرد لعبة انتقامية وبراءة له من علاقته بالوطن العراقي . فضلا عن كونها محاولة للفوز بتأييد الشعب الكردي والالتفاف حوله في تأسيس "كردستان الكبرى" ، وتحقيق "حلمه"  المستحيل ، مع انه يعلم انه لم يعد رئيسا شرعيا للاقليم .
     ان في تحرير الموصل الذي يمني مسعود نفسه في ضمه لمناطق اخرى منه، أنما هو الكابوس والمأزق التأريخي الذي سيزج اخوتنا الكرد فيه انفسهم ، وسيجعل العالم يتخلى عن تعاطفه مع الشعب الكردي ذلك لان مسعود سيقدم نفسه للعالم مجرد"غازيا" ومحتلا ، ويقتفي خطوات سيده المقبور صدام عندما غزى كردستان ومن ثم الكويت، وسيكون صديقه اوردغان أول المتخلين عنه .
    لقد مرت على العراق حكومات وتجارب كثيرة جدا ، لكن مسعود وغيره كثيرون لم ولن يتعضوا من تجارب الماضي ، فنجده يغالي كثيرا بقوة البيشمركة . كما وان مسعود قد برهن للشعب الكردي وللعراقيين بشكل عام منذ 2003، أنه بالتأكيد ليس ذلك القائد الذي يمكن ان يمنح لشعبه حرية ورفاها وسلاما . بل انه يعد لهم حروبا واقتتالا وتدميرا وشتاتا في بلدان كثيرة مثل تركيا وايران وسوريا ، تماما كما فعل بهم من قبله صدام . وستكون نتائج مغامراته الكارثية ، وبالا على الشعبين الكردي والعراقي  حيث تأمره نزعته السادية لتحقيق احلامه الدموية على حساب كل شيئ. وإلا ، كيف يمكن أن يفكر رجل "عاقل" ان يكون ثمن" تخليه عن علاقته بداعش.. اشتراطه لضم 21 وحدة إدارية للاقليم؟؟  أليس مسعود برزاني هو الغريق الذي يتشبث بقشة ؟؟؟ 
    حماك الله يا عراقنا السامق...
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media