مارغريتا وعدم الانحياز
    السبت 24 سبتمبر / أيلول 2016 - 09:45
    د. إبراهيم الجعفري
    سياسي عراقي/وزير خارجية العراق
     على مدى يومين من العمل في اجتماع مؤتمر عدم الانحياز في دورته السابعة عشرة وما جرى على هامشه من لقاءات متعددة مع بعض رؤساء الوفود المشاركة فيه، اتضحت ظواهر لم تكن واضحة من البعد في عصر الحضارات الإعلامية والسياسية والاقتصادية وفي عصر المقايضات التي تحوّلت فيه المصالح المتعارفة للشعوب الى صفقات متبادلة بين الحكام!! ومن عصر تعبير الحكومات عن بلدانها الى عصر استجداء الأموال وباقي الامكانات من الدول الفقيرة وهي ترهن ارادتها لدى الحكام الطغاة بحيث يتخذ «تجّار التسيّد» من اموال شعوبهم وسيلة للابتزاز وشراء الذمم وفرض هيمنة ممتدة على دولٍ بعيدة جغرافياً تصل حداً من الشناعة تذعن معها لإراداتٍ اجنبية فتصوّت لها وتردد خطاباتها وتخاصم اعداءها وتصالح اصدقاءها وتقف معها كما تحب لا كما تقتضي مصالح شعوبها!!.
    الرائع في فكرة منظمة عدم الانحياز انها تعبير عن ارادة الشعوب من حيث الاصل والنشوء منطلقة من عشرة مشتركات التقت عليها ارادة المؤسسين في مطلع النصف الثاني من القرن العشرين ، وسواء أكانت «مبادئ باندونغ» مبادرةً من القادة المؤسسين أم استجابةً للظروف التي أحاطت بها، غير أن الجامع لها هو المبادئ العشرة التي صيغت في حينها.. واعتبرت ميثاقاً لإبرام العلاقات فيما بينها وكان من أهم ما ورد فيها: احترام حقوق الانسان.. وسيادة جميع الدول .. والتسوية السلمية لفض النزاعات القائمة في حينها والتنمية والتعاون في إطار المصالح المتبادلة فيما بينها. ولا شك أن مثل هذه المبادئ عدت طفرة نوعية لهذه الدول في مواجهة التحديات التي احاطت بها.. وكان من ابرز قادتها عبد الناصر وسوكارنو ونهرو وتيتو والرئيس السوداني اسماعيل الأزهري كما كانت باكورة مقرراته تصب لصالح الدول العربية ومواجهة الاستعمار.
    دون أدنى شك ان أهدافاً كتلك عبّرت عن موضوعية الظرف الذي احاط بها فلبّت احتياجاتها ورغم ان هذه المبادئ تنطوي على ثوابت عامة لا تتبدل مع الزمن لكن تطور الظروف يفرض عليها ان تتوسع بالتطبيق وتستلهم اهدافاً مستجدة لكي لا تكون حبيسة التاريخ فيتجمد بناءً على ذلك خطابها ومنهجها العام ونمطيات تعاملها.
    عالم اليوم تطور عمّا كان عليه في زمن «باندونغ» و«الحياد الإيجابي و»عدم الانحياز» فيما تتاح من فرص الانتصار لارادة الشعوب أو الاستثمار والتنمية لتبادل المصالح أو مواجهة التحديات كالتي اتسمت به منظمات الاٍرهاب المعاصرة من إمكانات هائلة وسبل مُدَمّرة وممارسات وحشية كلها ترتكز على «فكر الاستباحة» الذي لم يسبق له مثيل.
    ما كان لعدم الانحياز الا المواكبة لهموم وطموحات شعوب العالم وحكوماتها وتطوير هيكلها وسلوكية التطبيق لتواكب حركة العصر وتنفتح على المستجد في الاهداف والتحدي، والعراق ومثلما كان له دورٌ فيما مضى من تاريخ المنظمة لا بد ان يكون له الدور نفسه فيما يستجد من واقع المنظمة ليساهم في تطويرها لكل ما يلبي حاجات الشعوب.
    ورغم كل المنغصات التي حاولت تعكير مزاج الحقيقة في هذه الدورة الا اننا مصرون على المضي للحفاظ على هذا الإطار الدولي المهم الذي وان تعرض لما تعرض له من محاولات التزييف لحقيقة دوره فإنها ستبقى أيقونة مهمة وحيوية لنصرة قضايا الشعوب ومؤازرة الحقيقة ودعم العدل والانصاف.

    "الصباح"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media