يوم السلام!!
    السبت 24 سبتمبر / أيلول 2016 - 19:07
    د. صادق السامرائي
    لايمكن للحياة الأرضية أن تتنعم بالسلام ولو لدقيقة واحدة , لكن البشرية تحلم بيوم واحدٍ فقط للسلام كل عام وفي الحادي والعشرين شهر أيلول , وهذا أمر مستحيل ولا يتوافق مع إرادة الأرض الدورانية , ففي كل دقيقة هناك ما لا يحصى من الأحداث الحزينة الدامية الإفتراسية المتوحشة , وعلى جميع المستويات التفاعلية ما بين المخلوقات الساعية فوق التراب المتشوق لأكلها والسكر بدمائها.
    فالسلام مستحيل أرضي لا يمكن إنجازه مهما توهم البشر , لأنه يتعارض مع قوانين التواصل والبقاء , ويناهض إرادة الأرض وتطلعاتها للتجدد والتخلق والتوالد الدوّار , الذي يعيد تصنيع ما فيها وتكريره بآليات لا تدركها العقول في أغلب الأحيان.
    بينما الحروب والصراعات هي الديدن الفاعل والمتسيّد والمتوافق مع الصيرورات الكيانية , ومناهج القوى والإقتدارات اللازمة لبناء الحياة.
    ولهذا فأن الحصيلة اليومية ناجمة عن الحروب بأنواعها , فهي التي تحرك النشاطات , وتمنح المخلوقات الحوافز الكفيلة بتحضيرها لأدوار جديدة ذات مرتكزات غير مسبوقة ومعروفة , لكي تتمكن من التطور والرقاء والبناء والخراب والدمار المترافد.
    وليس بالإمكان إلغاء الحروب ما بين البشر مهما توهم وأراد , والأدلة والشواهد واضحة ومتواترة , فلا يوجد مجتمع أرضي واحد لم يذق طعم الحروب والصراعات ويعاني من ويلاتها , ولا تخلو الأرض من الحروب الطاحنة في بقاعها المتنوعة ولو لدقائق , فالبشر بالآلاف والملايين تجده متحفز للقتال , ويحمل آلات القتل بيديه وأفكاره ومعتقاداته وما يدين به , مهما كان نوع ذلك الدين.
    بل أن البشر سخّر المُخترعات والمكتشفات لتنمية إقتداره القتالي والنيل من البشر الآخر ومحق وجوده , ولا يوجد أي مخترع مهما كان نوعه إلا وإستخدمه البشر لقتل البشر , وأن جميع الوسائل التي تُحسب للرفاهية والتمدن إنما آلات للنيل من البشر , كالسيارة والطيارة ووسائل التواصل السريعة والثورة المعلوماتية الطاغية وغيرها من الوسائل والمواد , التي يتم إستعمالها لتكون آلة دمار وخراب ومبعث ويلات وأخطار وحذر , حتى صار البشر يخاف من البشر لأنه أصبح يُرى على أنه قنبلة موقوتة أو حالة موبوءة بالشرور والتطلعات الإجرامية المرعبة.
    وهكذا فأن القول بيوم للسلام إنما فيه نظر , فالدنيا لا تحلم إلا بيوم واحد فقط للسلام ,  لأنها تعجز عن تحقيق الحياة الآمنة المطمئنة مهما وضعت من قوانين وجندت من رجال شرطة وأمن وأجهزة مراقبة ومحاسبة , فالبشر في حقيقته يضع قبعة الباء على رأسه وحسب , ويمكنه أن يرفعها بسهولة أنى يشاء ليكشر عن أنياب وحشيته وينشب مخالبه في قلب البشر.
    وتلك محنة البشر بالبشر , ومأزق الأرض التي تدور بجنون وغثيان , والمخلوقات فيها تزأر وتتوعد وتثور , وتصول على بعضها كأنها شظايا الجمرات في التنور!!
    فهل من سلام على أرض تدور , يا بشر؟!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media