عن إصلاح الدولة وإصلاح المجتمع
    الأحد 25 سبتمبر / أيلول 2016 - 09:17
    عبد الحليم الرهيمي
    إعلامي ومحلل سياسي
    تهدف الدعوات والمطالبات الشعبية الواسعة النطاق للاصلاح ومحاربة الفساد وإنهاء المحاصصة الحزبية والسياسية, الى التوجه الجاد لاعادة بناء مؤسسات الدولة وأجهزتها وتحسين أدائها، وهي مؤسسات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية واجهزتها التابعة لها، كما تهدف تلك الدعوات ايضاً الى إصلاح المجتمع، مؤسسات وأفرادا، من خلال دور الدولة المشمولة بالاصلاح في انهاء الخلل الكبير في قيم ومفاهيم وعادات المجتمع التي طرأت عليه بعد التغيير.
    وبالطبع، فإن ثمة علاقة وثيقة وطردية بين اصلاح الدولة ومؤسساتها وأدائها وبين اصلاح المجتمع، فكلما خطت الدولة خطوة متقدمة في اصلاح مؤسساتها وأدائها، تهيأت الظروف لأن يتقدم المجتمع بدوره خطوة الى الامام في إصلاح نفسه والمباشرة بتبديد الخلل الحاصل في قيمه ومفاهيمه وذلك بفعل وتأثير خطوة إصلاح مؤسسات الدولة وأدائها إضافة الى تهيئة ظروف ملائمة لفعل وتأثير عوامل أخرى: دينية وأخلاقية ومجتمعية، وهذا ما يمكن الدولة من مواصلة القيام بالمزيد من الخطوات الاصلاحية في مؤسساتها وادائها، بما يسفر عن ذلك من تطور إيجابي في مواقف المجتمع والمواطنين تجاه الدولة والاخلاص في العمل بمؤسساتها، وفي الالتزام الى حد كبير بالقوانين والانظمة والاجراءات التي تتخذها.
    إن أبرز واكثر الاوصاف تداولاً التي يجري التعبير عنها في وصف الدولة العراقية، هو انها دولة فاشلة او دولة فاسدة، بل تذهب بعض الاوصاف الى ابعد من ذلك بنفي وجود دولة عراقية، والقول بأن العراق يمر بمرحلة ما قبل الدولة وذلك لسيادة القيم والممارسات العشائرية والقبيلة والطائفية والمناطقية على حساب قيم وقوانين وانظمة الدولة العصرية.. والى غير ذلك من أوصاف وتعابير تشير اليها العديد من الدراسات او المواقف لسياسيين وكتاب عراقيين وغير عراقيين.
    والواقع، ان اكثر الاوصاف تعبيراً عن واقع الدولة العراقية الحالي، هو انها تمتلك كل مواصفات ومؤسسات الدولة المعاصرة المتعارف عليها دولياً، كالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وأجهزتها، إلا انها مؤسسات وحتى سلطات شبه معطلة او مشلولة تعمداً وموضوعياً في آن واحد.. اي انها دولة يمكن وصفها بدولة في طور التكوين، وان دعوات الاصلاح تعني، فيما تعنيه، المطالبة باستكمال هذا التكوين كي تكون دولة تمتلك المقومات لاعتبارها دولة ناجحة وعادلة بعد الاصلاح الجدي لمؤسساتها وادائها. اما الدعوة لاصلاح المجتمع، الذي ينبغي ان يتحقق مع اصلاح مؤسسات الدولة، فانما تعني تبديد وانهاء الخلل الحاصل في القيم والمفاهيم والممارسات السيئة المتمثلة بانعدام النزاهة وتبرير الفساد وعدم الصدق، والنفاق وعدم الالتزام بالانظمة والقوانين السائدة وعدم الحرص على الممتلكات العامة.. وغير ذلك، وان تحل بدلاً عنها المفاهيم المنافية لها، اي القيم الوطنية والاخلاقية المتمثلة بالنزاهة والصدق وادانة الفساد والاخلال بالقوانين والنظام العام.. وغير ذلك من القيم والمفاهيم المجتمعية المتعارف عليها. وبالطبع، فان هذا الخلل في قيم ومفاهيم المجتمع وسلوكيات أفراده قد ورث المجتمع معظمه من النظام السابق وزاد عليه بقيم ومفاهيم وممارسات سلبية جديدة ما بعد التغيير في عام 2003 ، أي بما أفرزه الجانب السلبي في مسار العملية السياسية بعد ذلك التاريخ. يتحدث كثير من السياسيين والكتاب والاعلاميين بخطابات او مواقف حماسية عن مشاريع لاصلاح الدولة والعملية السياسية بشعارات وخطابات عامة لا قيمة لها على الصعيد العملي لافتقادها لآليات التحقق والتغيير، لانها لا تهدف حقاً لإجراء الاصلاحات في الواقع إنما تهدف – في أغلبها – لتحقيق دعاية انتخابية او مصالح تنظيمية ضيقة، سرعان ما يتبدد مفعولها بانتهاء تحقيق تلك المصالح والاهداف التي سعت اليها.
    ثمة حقيقة مهمة ينبغي التذكير بها وهي انه على كل من يريد اصلاحاً حقيقيا للدولة ومؤسساتها ان يقر بأن الاصلاح الحقيقي لن يتم من خلال المؤسسات القائمة، انما من خارجها وبمساعدتها ومشاركتها.. وهذا يعني ان تبادر الرئاسة والحكومة والسلطتان التشريعية والقضائية باختيار لجنة موسعة ما بين 30-50 عضواً تضم علماء مختصين من مختلف الاختصاصات من أساتذة الجامعات وقانونيين وسياسيين خبراء مشهود لهم بالخبرة والنزاهة والاستقلالية، مع ممثلين عن السلطات الثلاث والأمم المتحدة، وتحدد مهمة هذه اللجنة بتحديد أزمة بناء الدولة وتعثرها منذ 2003 وتضع مقابل ذلك أسسا وقواعد علمية وعملية لاصلاح مؤسساتها بدءاً من: اقتراح قانون جديد للانتخابات يضمن عدم التزوير وعدم سيطرة المال السياسي عليها ويقر سلفاً اعلان نتائجها في اليوم ذاته لاقفال صناديق الاقتراع، وتشكيل مفوضية جديدة مستقلة ونزيهة حقاً للانتخابات، وتعديل الدستور باقتراح التعديلات اللازمة عليه، وتضع كذلك أسسا وقواعد سليمة لاصلاح القضاء بالشكل الذي يضمن فاعليته ونزاهته حيث شابهما الكثير من علامات الاستفهام، ثم وضع قواعد لمناهج التربية الوطنية التي تستبعد الطائفية والمذهبية والعنصرية والتحزب، وكذلك وضع اسس وقواعد محدد لاعلام حر ومستقل ووطني يخدم عملية التعبير والاصلاح ولا يضيق بأي قدر كان على الحريات.
    وبعد انتهاء هذه اللجنة من عملها خلال شهرين او ثلاثة اشهر مثلاً تطرح مقترحاتها الى الرأي العام لمناقشتها في الاعلام ثم تقدم الى البرلمان لمناقشتها وإقرارها والزامه بعدم التلكؤ في إقرارها أو إجراء اي تعديل في القضايا الاساسية التي تتضمنها تلك الاقتراحات. نأمل ان يجد هذا الاقتراح الاهتمام اللازم، او اقتراح البديل المناسب لاصلاح الدولة واصلاح المجتمع.

    "الصباح"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media