قِيَمُ آلْغَدِيرِ (3)
    الثلاثاء 27 سبتمبر / أيلول 2016 - 10:04
    نزار حيدر
       {بَلِّغْ} {يُبَلِّغُونَ} {أُبَلِّغُكُمْ} {أَبْلَغْتُكُمْ} {بَلَاغٌ} {أَبْلَغُوا} {بَلَّغْتَ} ومن ذلك نفهم؛

       ١/ انّ التّبليغ لا يتحقّق الا بوصول الأَمر، الرّسالة، الى مُنتهاه، فلا يكفي ان تلقي الحُجّة فقط أَو ان تُسقِط الواجب الذي تشعر بهِ إِزاء الرّسالة عن كاهِلِكَ، بل يلزمُك ان تُكرِّر التّبليغ بكُلِّ الطُّرق والوسائل والاساليب حتّى يبلُغَ الامرُ أَجلهُ أَو مُنتهاهُ!.

       وانّ الذين يظنّون انّ التّبليغ لا ينفع مُخطِئون، فلقد حدّثنا القرآن الكريم عن حالِ هؤلاءِ وكيف أَنّهم كانوا يُثبِّطون الرُّسل والانبياء عن تبليغ الرّسالة وردّ الأَخيرين عليهم بقولهِ تعالى {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.

       لا ينبغي، إِذن، ان نصغي لمثلِ هذه النّماذج التي لا تُبَلِّغ رسالةً ولا تشجِّع الآخرين على التّبليغ بل انّ همّها التّثبيط دائماً، رُبما كطريقةٍ للهربِ من المسؤوليّة! مسؤوليّة التّبليغ!. 

       والعكسُ هُوَ الصّحيح، ففي قصَّة نبي الله نوحٍ (ع) دليلٌ على وجوب الإصرارِ في تبليغِ الرّسالة مهما كانت الظّروف، فمسؤوليتنا التّبليغ بغضّ النّظر عن التَّأثير، فلقد لبثَ نوحٌٍ عليه السّلام في قومهِ كما يحدّثنا القرآن الكريم بقولهِ {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} من دونِ كلَلٍ أو ملَلٍ، وظلّ يُغيّر وسائل التّبليغ وأدواتهِ خلال هذه الفترة الزّمنيّة الطّويلة، كما يصفَها لنا القرآن الكريم بقولهِ {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} و {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} و {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا}.

       هذا يعني أَنّك بحاجةٍ الى أَن تبذِل كلّ الجهد من أَجل ان تتأَكّد بانَّ رسالتكَ قد وصلت الى مُنتهاها، خاصَّةً في عصرِنا الحاضر، عصر التّكنلوجيا التي ألغت المسافات لتهطِلَ الرّسائل على أدمغتِنا كالمطرِ، فتشتدّ المنافسة، كمّاً ونوعاً، الأَمر الذي يتطلّب المزيد من بذلِ الجُهد ليس فقط لتبليغِ الرّسالة وانّما للتأكُّد والتثبُّت من أَنّها قد استقرّت في الهدف، ما يتطلّب التّكرار والإعادة بطرقٍ شتّى، والا فانَّ توالي الرّسائل الكثيرة المُضادّة في فترةٍ زمنيّةٍ قصيرةٍ جداً قد تُحسب بطَرفةِ العينِ، تُلغي تأثير الرّسالة التي مرّت عليها دقيقةً رُبما!.

       مُشكلتُنا انّنا نتعب بسُرعةٍ من تبليغِ رسائلِنا ولذلك فانّ أَسهل سلاح للهرب او التّهرُّب من هذا الواجب هو تكرارُنا العبارة (مَيفيد) أي (لا ينفع) وكأَنّنا نستسلم للتّحدّي، خاصَّةً على مستوى تربيةِ الأَطفال والنَّشء الجديد، فبينما يستقبل الطّفل مِئات الرّسائل في السّاعة الواحدة بما في ذلك الرّسائل المُتناقضة، لا يستقبل من الوالدَين مثلاً الّا رسالةً واحدةً خلال اليوم، فكيف سيُرَبّي الأبوان أولادهُما؟ وكيف سيتحدّى الأولاد ضغط الرّسائل المُضادّة والمُتتالية؟ وكيف سيحمي الوالِدان أَولادَهُما؟!.

       ٢/ ومن أجلِ ان تترك عمليّة التّبليغ أَثرها الفاعل والإيجابي عند المُتلقّي، ينبغي ان ننتبهَ الى حاجةِ الزّمان والمكان، من خلال دراسة نوعيّة التحدّيات التي يعيشها المُتلقّي، لتكونَ عمليّة التّبليغ علميّة وفي محلّها وليست خارجة عن الحاجة وعبثيّة!.

       هذا من جانبٍ، ومن جانبٍ آخر ينبغي ان نمتلكَ الخبرة الكافية لفِهم نفسيّة المُتلقّي وروحيّتهُ وما يُؤثّر عليهِ من وسائل وأساليب، فليسَ كلّ المُتلقّين يتأثَّرون بنفسِ الأُسلوبِ! خاصَّةً النّشء الجديد، والى هذا المعنى يُشير قول الله عزّ وجلّ {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

       حتّى الأولاد في العائلةِ الواحدةِ يلزم على الوالِدَين ان يكونا خبيرَينِ بمعرفةِ أمزجتهِم ونفسيّاتهم ليُمارِسوا مع كلِّ واحدٍ منهم أُسلوباً للتّربية والتّعليم والتّبليغ! فانّ أحد أكثر الاسباب شيوعاً لفشل الوالدَين في تبليغ الرّسالة للابناء هو الجهل بنفسيّاتهم، أو عدم الأخذ بها بنظر الاعتبار عند التّبليغ ولذلك يتمرّد الأبناء على الآباء! فيسمعونَ من غيرهِم ولا يصغون لهم!.

       صحيحٌ انّها عمليّةٌ شاقَّةٌ ومتعِبةٌ، ولكنّها في نفس الوقت ضروريّةٌ اذا كنّا جادّين في عمليّة التّبليغ وننتظر منها أَن تترك الأثر الإيجابي المطلوب، والا فالعمليّة ستكونُ في غيرِ هذه الحالة عبثيّة ومضيعة للوقتِ ليس الّا، كما انّها ستكونُ سبباً لمنح الرّسائل المُصادّة فرصة التَّأثير السّلبي شِئنا أَم أَبينا!.

       ٢٠ أيلول ٢٠١٦

      *يتبع

                           لِلتّواصُل؛

    ‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com

    ‏Face Book: Nazar Haidar

    ‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

    (804) 837-3920
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media