ملحدون أم مؤمنون بالعِلم ؟
    الأربعاء 28 سبتمبر / أيلول 2016 - 04:08
    رعد الحافظ
    كاتب عراقي مغترب مقيم في السويد
    مقدمة :
    أكثر ما يسؤني من (تسميات) هو سماع كلمة (المُلحِدين) تُطلقها الغالبية حتى العِلمانيين أنفسَهم على أنفسِهم!
    بدأ ذلك في أورپا خلال عصر التنوير (حوالي) القرن الثامن عشر.
    ثمّ إزداد بعد الثورة الفرنسية إبّان إنتشار حركة نقد الأديان وظهور الفكر الحُرّ وما سُميّ بالشكوكيّة العِلميّة  Scientific Skepticism !
    في الواقع كلمة (الإلحاد) عند العوام تُستخدم لوصف الفكر الذي لايعترف (ولا يؤمن) بوجود آلهة وغيبيّات وقوى ماورائية فوق طبيعيّة خارقة!
    بينما (الإيمان) لدى العوام يعني الخضوع والتسليم والإستسلام الكلّي لتلك القوى!
    ولو شئنا الصدق لأعترفنا بأنّ تلك هي (العبوديّة) بعينها وليس الإيمان!
    فالمؤمن الحقيقي الصحيح هو الذي يؤمن بشيء ملموس ,أثبتَ وجودهِ وفائدته (أو ضررهِ) للأحياء والطبيعة والوجود على مرّ الزمان!
    إذاً المؤمن (بالخرافات) لايمثل الإيمان بمعناه العِلمي الحقيقي ,إنّما يمثل العبودية لقوة ما ,لم يقم دليل علمي واحد على وجودها!
    ***
    تغيّر عالمي في إستخدام مفردات الإلحاد!
    في بريطانيا على سبيل المثال كونها رائدة في الحضارة الإنسانية والعلمية الإلحاد يعنيAtheism  والملحدAtheist    والملحدون Atheists
    حالياً تركوا إستخدام مفردة (مُلحدين),إستعاضوا عنها بتعبير Humanist  أي إنسانيين ,ربّما في إشارة الى كون (المتزمتين دينياً) هم غير إنسانيين!
    وفيما يخص لغتنا العربية الجميلة ,فأنا أدعو الى إستخدام (رسمي وتربوي وإعلامي) لمفردة (عِلمانيين) أو علميين بدل (مُلحدين)!
    لأسباب منطقية أهمّها ,ثقل وقع الكلمة (إلحاد ,مُلحد ,مُلحدين) على
    سماع الناس في منطقتنا البائسة ,كونهم بطيئي التقبّل لكلّ ما هو جديد!
    صحيح أنّ كلمة عِلماني (حالياً) ,لاتعني بالضرورة شخص لايعترف بالغيبيّات.لكنّها ممكن أن تكون شاملة لهم ,وهي أقلّ وطأً بكثير!
    (رغم أنّ الإسلاميّين يعتبرون العِلمانيين كفرة في جميع الاحوال)!
    فربّما تغيير هذه التسميّة ستنفع مع الناس العاديين ,بحيث يقّل الخوف والشك والريبة والكراهيّة لكل ماهو عِلمي علماني يخص هذه الحياة!
    ***
    أشهر أسماء العِلمانيين في العالم!
    في الواقع أغلب علماء ومفكري وفلاسفة العصر الحديث والفائزون بجوائز نوبل في مختلف العلوم (لن أسميهم ملحدين) لكنّهم لايؤمنون بالخرافات ,بل بالعِلم وحده!
    بدءً من كوبرنيكوس وديكارت وسبينوزا وجان جاك روسو وفولتير مروراً بداروين وكانت وهيغل ونيتشه
    وصولاً الى  آينشتاين و فرويد وداوكنز!
    وهذه بعض الأسماء الأخرى المشهورة في هذا المجال:
    أرتور شوبنهاور / توفي 1860 ألماني ,فيلسوف مشهور بالتشاؤميّة!
    لودفيغ فيورباخ /ت 1872 ألماني ,فيلسوف من مشاهير الفكر المادي!
    كارل ماركس/ ت 1883 ألماني ,فيلسوف وإقتصادي (كتاب رأس المال)!
    فريدريك نيتشه/ت 1900 ألماني ,فيلسوف وعالم نفس ولغويات ,صاحب الكتاب الأشهر في الأدب والفلسفة (هكذا تكلّم زرادشت)!
    أرفينغ شرودنجر/ ت 1961 فيزيائي نمساوي حائز على جائزة نوبل!
    سام هاريس / مواليد 1967 مؤلف وفيلسوف ومفكر وعالم أعصاب أمريكي ,أشهر كتبه (نهاية الإيمان) عام 2004
    إسحق دويتشر/ ت 1967 بولندي ,كاتب وفيلسوف من أصل يهودي!
    برتراند رسل/ ت 1970 بريطاني فيلسوف وعالم منطق ورياضيات!
    إسحق عظيموف/ت 1992 عالم كيمياء أمريكي (من أصل روسي)!
    مات ريدلي/ بريطاني مشهور بالكتابات العلمية والخيال العِلمي!
    كارل ساجان/ ت 1996 فلكي وفيزيائي أمريكي ,أشهر مَن كتب عن المخلوقات الذكيّة خارج كوكبنا الأرضي!
    كريستوفر هيتشنز/ توفي 2011 كاتب إنكليزي أمريكي فضح الديانات الإبراهيمية والهندوسية ويعادي الصهيونيّة أشهر كتبه (الله ليس عظيماً)!
    ريتشارد داوكنز/ بريطاني لايحتاج تعريف فهو أشهر من نار على علم وأشهر عالم بايولوجي على قيد الحياة وتلميذ داروين النجيب!
    روبرت لي پارك/ عالم فيزياء أمريكي ,أشهر مَن فضحَ الطب البديل!
    أمّا من العرب العلمانيين المعروفين نجد الأسماء التالية:
    د.علي الوردي /ت 1995 أوّل وأشهرعالم إجتماع عراقي!
    د.طه حسين/ ت 1973 مصري , عميد الأدب العربي !
    فرج فودة ,نجييب محفوظ ,جمال البنّا ,علاء الاسواني وعشرات سواهم!
    بينما من قدماء (العرب والفرس) إبن المقفع والجاحظ والرازي والفارابي والخوارزمي وإبن رشد وكثير غيرهم من المشتغلين بالعِلم والمعرفة!
    ***
    الخلاصة :
    إذاً لكي يتحقق (الإلحاد) في معناه يجب أن يكون بشيء موجود فعلاً!
    إلحاد المتطرفين دينيّاً مثلاً (بالعِلم) رغم وجودهِ في كلّ صغيرة وكبيرة
    عمليّاً ومنطقيّاً نحنُ مؤمنين بالعِلم ,والدوغمائيين مُلحدينَ به!
    يقول عالم الفيزياء الأمريكي الموسوعي (روبرت لي پارك) في كتابه الخرافة Superstition  تفريقاً بين معنيي الإيمان ما يلي:
    [إنّ العلماء الحقيقيين يستخدمون كلمة الإيمان التي تقابلها بالإنكليزية مفردة Faith  للتعبير عن ثقتهم بأنّ قوانين الطبيعة ستدوم بدءً بقانون السبب والنتيجة .أمّا الإستخدام الديني والدوغمائي لمفردة (الإيمان) فيتضمن الإعتقاد بقوّة عُليا تجعل الأشياء تحصل دون الإعتماد على سبب مادي .وهذا هو بالضبط تعريف (الخرافة) Superstition .لذا فالمعنيان ليسا مختلفين فقط ,إنّما متضادّين تماماً]!
    وبصرف النظر عن الكلمة المُستخدمة في تعريف مقتفي الطريق العلمي مقارنةً بالآخرين ,نجد على أرض الواقع الحقيقة التالية :
    القراءة والثقافة والطريقة العِلميّة في التفكير غالباً تقود الى قبول الآخر المختلِف ومحبة و تعاون بشري للنهوض بالحضارة الإنسانية!
    بينما المُبالغة في التديّن والتطرّف غالباً يقود الى الإستئثار بالرأي ورفض الآخر وكراهيّة وعداوة دائمة الى حدّ الموت ! أليس كذلك ؟

    رعد الحافظ
    28 سبتمبر 2016
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media