وهب الامير ما لا يملك، اجازة براتب كامل للموظفين !!
    الخميس 29 سبتمبر / أيلول 2016 - 17:06
    د. باسم سيفي
    معد ومحرر مجلة قضايا ستراتيجية
    صوت مجلس الوزراء في السادس من ايلول الجاري على مشروع قانون يمنح الراغبين من الموظفين اجازة اعتيادية لمدة 5 سنوات مع اعطائهم راتب كامل وتحسب مدة الاجازة في حساب التقاعد. من مال من ستدفع رواتب لمئات الالاف الذين سيجلسون في بيوتهم في العراق او في الخارج، او ينافسون العاطلين في القطاع الخاص، ويأتيهم الراتب كاملا؟! ارى من يريد من الاجازة مع الراتب الكامل ان يعقبها بتقاعد دسم ويرافقها بالسكن خارج العراق وليذهب العراق واقتصاده الى الجحيم. منذ اسقاط الطاغية وانهاء الفاشية وطبقة النخبة مشغولة بتعينات المحاسيب وليس الحاجة الوظيفية ثم بزيادة الرواتب والتقاعد لكل من هب ودب وان كان مجرما او يعمل على افشال العملية الديمقراطية العراقية، وناسية او متناسية مهمة بناء الاقتصاد العراقي على اسس سليمة ومستدامة وكأن واجبها تحويل المجتمع العراقي الى مجتمع استهلاكي يعتمد بدرجة كبيرة على انتاج النفط.
    الدستور العراقي يقول بان النفط والغاز ملك لكافة العراقيين في كافة المحافظات ولم يقل ملك لموظفي الدولة وقادة البلد او يستثني من لا يعمل بالدولة. فان كان الموظف الذي لا يعمل في الدولة (مجاز حسب مشروع القانون) يستلم راتب كامل، فلم لا يستلم من لا يعمل في الدولة او عاطل عن العمل راتب من الدولة؟ هناك اكثر من عشرة ملايين عراقي وعراقية في سن العمل ولا يعملون في الدولة، أليس من حقهم وحسب الدستور ان يحصلوا على راتب ينصفهم مع موظفي الدولة الذين لا يعملون بسبب الترهل والفساد او القانون المقترح؟ ايرادات النفط يجب ان تصرف لتحسين معيشة كافة المواطنين العراقيين الساكنين في العراق حاضرا ومستقبلا، وهذا لا يتم بدون بناء عراق انتاجي في الصناعة والزراعة والخدمات، ولكن طبقة النخبة القائدة اختارت طريق آخر.
    طبقة النخبة من سياسيين واداريين ومهنيين التي جاءت مع الاحتلال الامريكي (او التحرير او كلاهما) عملت بحسن نية او سوء نية على تطبيق تعليمات الامريكان في الرواتب العالية للمسؤولين وتعيينات المحاسيب من اقرباء ومعارف ومنتهزي فرص من اجل دعم وبناء سلطة الدولة الجديدة. هذا التوجه تعزز مع تأجيج صراع المكونات ومع زيادة الانتاج النفطي وارتفاع اسعاره العالمية. بحجة الامن والخطورة ازدادت رواتب وتكاليف اعضاء النخبة الى ارقام خرافية بالنسبة للواقع العراقي، وبحجة تشغيل العاطلين تضاعفت اعداد الموظفين في الدولة وهم الان حوالي 4 مليون شخص معظمهم تعين بواسطة او رشى ولا توجد حاجة حقيقية في تعيينهم. تكاليف الموظفين من قبل الدولة والمتقاعدين فيها وصل لاكثر من 60 ترليون دينار وهي تزيد عن ايرادات النفط عام 2015 وقد تقاربه عام 2016، وهذا الوضع مدمر لللاقتصاد ان استمر او تفاقم بفعل السياسات الخاطئة ومنها مشروع الاجازة المقترح.
    التضخم المدمر للدولة هذا حدث بفعل آليتين محورهما عدم دراسة ومناقشة نتائج القرارات والمقترحات بشكل جدي قبل اتخاذها وايضا مرض معروف يصيب البلدان النفطية في فترات زيادة العوائد النفطية اسمه التبذير، وقد اصيب العراق به بالسبعينات وايضا في الاعوام العشرة التي اعقبت انهاء الفاشية رغم حكمة او مقولة "غبي من يلدغ من جحر مرتين". الآلية الاولى ان ينتهز اعضاء النخبة وجود ظروف مناسبة مثل توفر وفرة من الاموال لزيادة دخلهم وامتيازاتهم، ولتحقيق ذلك وجعل الامر مقبولا لابد من تغطيته باجراء اعم، فمثلا من اجل ضمان تقاعد جيد مناسب مع رواتبهم العالية جدا روجوا لقرار اعطاء تقاعد قدره 80% من آخر راتب وعمموه على جميع الموظفين لعدم امكانية تخصيص جهة معينة به. الآلية الثانية هي وجود ضغط شعبي لحل مشكلة معينة فتعمل طبقة النخبة على اختيار علاجات تناسب مصالحها، فمثلا لمعالجة استفحال مشكلة البطالة تفتح باب التعيينات فتتمكن من تعيين من يمكن ان يقوي مركز اعضاء النخبة او حتى يجلب فوائد اقتصادية مباشرة. علاج مشكلة البطالة كان ولايزال في دعم وتشجيع المشاريع الانتاجية وبالاخص في القطاع الخاص ولكن هذا العلاج لا يناسبهم فأهملوه.
    لنعود الان لمشروع قانون حق الاجازة براتب كامل والذي يراد تمريره بدون نقاش جدي واجراء دراسة وتحقيق في نتائج هذا القانون وتأثيره على الاقتصاد. الظرف الحالي يتطلب تقليص صرفيات الدولة وهناك قبول عام بضرورة تخفيض اعداد الموظفين بسبب الترهل العام وانخفاض الكفائة وأيضا بضرورة الاهتمام بالقطاعات الانتاجية وتوسيع دور القطاع الخاص. بين اعضاء طبقة النخبة والموظفين بشكل عام يوجد من يريد ترك الوظيفة وضمان دخل جيد وربما السكن خارج العراق، ومن يريد تعيين اشخاص مهمين له ولكن ظرف التخمة والتقشف لا يسمح. فمشروع القانون يمكن ان يطرح ويدافع عنه كوسيلة لتقليل صرفيات الدولة والترهل فيها وبنفس الوقت ينفع الكثيرين من اعضاء طبقة النخبة وبالتالي يمكن تمريره اذا لم يتم توعية المسؤولين والشعب بنتائج القانون المقترح وتبعاته.
    ليس من السهل تحديد منافع القانون بشكل اجمالي فهناك اختلافات كثيرة في فائض الموظفين وامكانية تقليل الصرفيات والترهل بين دوائر الدولة فهناك دوائر مثل كتاب العدل والجوازات ومهن مثل الاطباء والمدرسين ليس فيها فائض موظفين وان سمح للبعض من أخذ اجازة طويلة لابد من تعيين بديل عنهم. في اقرار القانون سيكون هناك توفير بشكل عام في المخصصات وما يصرف على الموظف في مسائل ادارية من مكان ومعدات وغيرها ولكن تقديرها بشكل معقول لابد ان يظهر من خلال دراسة معقولة ولجنة تحقيق تأخذ بنظر الاعتبار من سيتقدم بطلب الاجازة وماذا سيعمل. الموظف المجاز سيوفر مصاريف النقل والتواجد في الوظيفة مثلا في شراء وجبة الغذاء، والمجتمع سيستفاد من تقليل الروتين والازدحامات المرورية، وهذا ايضا يجب ان يقدر على ضوء معرفة مناسبة.
    النتائج السيئة من القانون ليست هامشية وقد ذكرنا بعضها اعلاه ويمكن ايجازها بالتالي:
    - اعطاء راتب على لا عمل وبشكل كامل مسألة فيها نظر ويمكن ان تخلق شرخ اجتماعي
    - منافسة العاطلين عن العمل والقطاع الخاص بشكل عام
    - تشجيع الفساد الاداري والسكن خارج العراق بالاعتماد على الراتب
    - زيادة التهافت على الوظائف الحكومية حيث زيادة المنافع مقارنة بالقطاع الخاص
    - ارباك اداري ومالي قد يسبب مشكلة كبيرة في الدوائر الكفوءة حيث ضعف امكانية الاستغناء
    - ارباك اداري ومالي في نظم التعليم والصحة التي لا تستطيع الاستغناء عن المهنيين فيها
    في ظروف اخرى وصيغ مختلفة يمكن ان يكون للقانون منافع اكبر وسلبيات اقل. فمثلا لو كان هناك تشغيل كامل او عالي للعمالة العراقية، نقص بالايدي العاملة، فسيكون مفيدا ان نحرر بعض العاملين من الدولة وحتى هنا تبقى مسألة اعطاء راتب كامل مشكوك في صحتها. ان يكون القانون بصيغة حق الادارة باعطاء اجازة طويلة براتب 50 او 70 بالمائة للعاملين الفائضين سيكون ذا كفاءة اكبر في تقليل الصرفيات والترهل ولكن هذا يحتاج درجة جيدة من المهنية والنزاهة لمنع او تقليل عدم الانصاف والابتزاز من قبل المسؤولين، وهذا بدوره يتطلب المهنية وانهاء المحاصصة والفساد ليس فقط بين الوزراء بل ايضا بين وكلاء الوزارات ورؤساء الهيئات والمدراء العامين.
    لذا يجب دراسة ونقاش هذا القانون/الاجراء قبل البدأ بتطبيقه وخلق تشويش كبير في عمل الدولة والمجتمع.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media