تصحيح الإعتقاد في معنى ثورة الإمام الحسين التصحيح الأول
    الجمعة 30 سبتمبر / أيلول 2016 - 12:28
    راغب الركابي
    ليس من شك إن التصحيح الذي نعتمده يكون تبعاً وبناءاً على أساس ما جاء في كتاب - إشكالية الخطاب في القراءة التاريخية لوقعة كربلاء - لمؤلفه العلامة الحجة آية الله الشيخ إياد الركابي والمعروف إختصاراً - الشيخ الركابي - ، والتصحيح الذي ننشده في هذا الباب تصحيح مفاهيم وقيم وتصحيح أولويات وترتيب أوراق ، ولهذا أرجوا من القارئ الكريم أن يتسع صدره لما نقول ، لأننا لا نبغي غير الإصلاح وتعميم الفائدة والخروج بالحسين وثورته من المفاهيم العجائزية والتلقائية والسردية والبكائية ، يهمنا أن نقدم وجهة نظر مغايرة لما هو سائد على ألسن المرتزقة من الخطباء والروزخونية الذين يخلطون ويقحموا الناس في متآهات وإشكاليات وأخطاء ، نعم سنصحح ما أستطعنا إلى ذلك سبيل الكثير مما علق في أذهاننا من فترة الإنقباض والإنحسار الفكري والتباعد ، إن تصحيحنا الذي نعتمده هو تحليل موضوعي ونقد علمي لتأريخية وقعة كربلاء آملين أن يجد الأذن والعقل وذلك لتحرير ماتبقى في ظل هذا التوهان الخطير في العقايد والسلوكيات .
    في التصحيح هذا سنقوم بمراجعة للأوراق التاريخية في هذا الشأن ، كما سنقوم بتعميم مبدأ الحوار من غير إبخاس أو إنتقاص إنما إظهاراً للصواب ، مبتعدين ما أمكن من سطوة وهيمنة أهل التراث وفهمهم للنصوص ، كما سنبتعد عن هيمنة الآبائية التي تتحكم بقسط وافر في أحكامنا ومفاهيمنا ، وإن كان يعني هذا التصحيح شيء فهو يعني للمتابعين والباحثين الشيء الكثير في حسابات التأسيس لفلسفة جديدة في فهم وتحليل التأريخ ، والحد من هيمنة الراديكالية الدينية والنفعية الوصولية .
    وأقولها بصراحة إن كتاب [ إشكالية الخطاب : حدد للباحثين والمتابعين والقراء مستوى الصواب ودرجة الخطأ في ما حدث وجرى في وقعة كربلاء ] ، فهو أولاً : يبتدأ في تحديد أطر التحرك الحسيني وعلى أساس ماذا كان ولأجل أية إعتبارات ؟ ، كما يُركز على تفكيك إشكالية النصوص وبيان صحتها وخطئها ، كما تحدد الممكن والمستطاع في التحرك السياسي في ذهن الحسين ومفهومه ، ولهذا إعتبرت : إن موت معاوية شكل القاعدة العملية التي تبناها الإمام الحسين في مشروعه وتحركه السياسي ، معتبرةً ذلك الشرط الموضوعي والواقعي لنجاح عمله وتحركه ، فبموت معاوية يكون قد أصبح العمل من أجل إسقاط حكومة الظلم الأموي ممكناً وبدرجة كبيرة ، مُضافاً إلى هذا الشرط الموضوعي هناك موقف أهل الكوفة وعامة أهل العراق والحجاز ومصر من حكومة معاوية ، والتي كانوا معها في خلاف دائم ومستمر ، إذن نستهدف نحن هنا توضيح طبيعة الواقع السياسي والإجتماعي والإقتصادي في عهد معاوية وكيف كان ؟ وكيف يجب أن يكون ما بعده ؟ ، ولابد لنا ونحن نُقلب صفحات الإشكالية التاريخية نقول للقارئ المحترم : إن الإمام الحسين لم يتحرك من مكة إلى العراق من وحي نفسه أو مدفوعاً بعلم الغيب ، ولكنه تحرك وفق معطيات وقيم موضوعية وشروط وجدها في خطابات وكتب ورسائل عامة أهل العراق وأهالي الأمصار الأخرى ، ووجد إنهم في ذلك معه ، يؤيدونه ويناصرونه وسيبايعونه ، إذن فالحسين تحرك بناءاً على الشرط الموضوعي اللازم في نجاح مشروعه في رفع الظلم من على الناس وبناء دولة القانون والنظام ، وليس على ما يظن البعض من وهم إنه تحرك مدفوعاً بما لديه من وصايا وأخبار غيبية ، يقول الشيخ الركابي في الصفحة 30 من كتابه الشهير والمثير للجدل هذا ، ما نصه : - عملت حكومة معاوية على تجاوز الأحكام وتعطيل الحدود ، وسلب الحريات ومصادرتها وإشاعة الإرهاب والتضييق على المخالفين وحملات الإعتقال والإعدام ، إلى الإستغلال المعلن للإنسان والمال خدمة لمصالح البيت الأموي والمحيطين به .....- هذه الأشياء قضايا موضوعية محفزة تدعوه وجميع القوى المحبة للعدل والسلام في تحمل المسؤولية الشرعية والقانونية ، في إعادة ترتيب بناء الدولة على نحو صحيح من خلال إعادة بناء مؤوسسة الحكم ، وفي ذلك الشأن : - لم يكن أحد من بين أبناء الصحابة من المهاجرين والأنصار القادر والمؤهل للقيام بأعباء تلك المسؤولية الإنسانية والشرعية وتحملها غير الإمام الحسين - ، فهو يمتلك شخصية قيادية وعلمية متميزة ورائدة ومحبة للخير وعاملة في سبيل ذلك ، وهذه المزية جعلته : - أقرب الناس إلى الناس - وقد شهد له في ذلك معاوية ، لما يمتلك من شعبية إجتماعية واسعة ومحبة في قلوب الناس لا تتوفر لغيره [ وهذا الشيء كان مصدر قلق بالنسبة للسلطة وقوآها الحاكمة في المدينة وفي غيرها ] ، ومن جهة ثانية : كان الحسين الإمام يؤمن كغيره من الناس بوجوب التغيير وبناء قاعدة جديدة للعمل والتعاطي السياسي ، وكان يؤمن بأن هناك إمكانية في التغيير والإصلاح ، وكل ذلك يكون بعد موت معاوية .
    ثم إن قوى السلطة لم تترك الإمام الحسين حراً في المدينة ، بل مارست بحقه ضغوطاً هائلة لكي يبايع يزيد وينصاع لأمره وسلطته ، وهذا ما دعاه للهجرة وترك المدينة ليلاً و سراً نحو مكة ، والحق إن الهجرة من المدينة شكلت إنعطافة هامة في حركته وفي وعي الناس ، بل وزادت من قناعات الكثيرين في رفضهم لمُبايعة يزيد كخليفة جديد ، حدث هذا من قبل عبدالله بن الزبير وأخرين غيره ، إذ إنهم وجدوا في موقف الحسين وهجرته باباً كبيراً يعلنون من خلاله و بجرأه وصراحه رفضهم تولي يزيد خلافة المسلمين ، وكان أكثر الناس حماسةً في هذا المجال أهل الكوفة ، الذين عبروا في كتب ورسائل قالوا فيها : - أن ليس علينا إمام فأقدم .. ، وقد شكل هذا الحافز في ذهن الإمام قوة دفع جعلته يرسل أبن عمه - مسلم بن عقيل - إليهم ، كمبعوث لتقصي الحقايق ومعرفة نوايا القوم ، ومعروف عن مسلم بن عقيل إنه كان رجلاً صالحاً وصادقاً ودقيقاً في عمله .
    يقول مسلم بن عقيل : - إن الرائد لا يكذب أهله إن جمع أهل الكوفة معك فأقبل حين تقرأ كتابي - ، يأتي هذا الكلام بعد أربعين يوماً من الرصد والتحقيق والتحري ، هذا القول عزز من قناعات الحسين وصوابية توجهه فيما يخص قضية الخلافة ومؤوسسة الحكم ، رغم قلق البعض توجهات الحسين هذه قرئنا هذا من كلام بعض وجوه الصحابة وأبنائهم كعبدالله بن عباس ، والظن القوي عندي إن أبن عباس لم يكن يعلم بفحوى وطبيعة المراسلات والكتب بين الحسين وأهل الكوفة ، وفي هذا المجال يجب التفريق بين ( وجهات النظر و التحقيقات والمعلومات وبين النتائج ) ، ولا يجب الحكم على الأشياء من وحي النتائج اللاحقة ، نعم كان الحسين يعلم علماً إجمالياً : - إن حكومة يزيد تعاني الضعف ولم يكتمل تشكيلها ولم تتضح معالمها بعد - ، ويعرف إن عامة الناس يكرهون الظلم الذي كان يفعله معاوية ومن حوله من البيت الأموي ، وإن الحسين في ذلك يعرف واجبه وتكليفه الشرعي ، ويعرف إنه وعامة الناس متفقين بالهدف وبضرورة العمل من أجل التغيير والإصلاح وبناء دولة العدل والإنسان ، وإنه لا خيار أمامه في ذلك إلاَّ القيام بما تُمليه عليه تلك المسؤولية ، والحسين كان الأقدر في تحقيق مطالب الناس أو - إنه الأحق في التغيير - ، معتمداً بالدرجة الأولى : - على دعم الناس وإسنادهم له ، وموقف النخب المؤمنة في الكوفة وبعض الأمصار بضرورة التغيير - ، وإنه وفي مثل هذه الحالة لا يحق له إن يترك الناس وينسحب أو يتراجع من ساحة الصراع السياسي ، من غير أن يكون له معهم موقف ورأي ، خاصة مع توفر كافة الشروط الموضوعية في ذلك .
    وطبيعي : - إن الإمام الحسين إنما تحرك وفق معطيات موضوعية ، وليست غيبية ولم يتحرك بناءاً على أخبار أو مقولات لا أصل لها ولا موضوع ولا دليل عليها ، فالحسين رجل واقعي موضوعي وكذلك هي حركته موضوعية وواقعية ، ولا علاقة لها بالغيب أو بالعلم فيه ، ولا ينبغي تحميلها في هذا المجال ما لا تحتمل ، كما لا يجب الإعتماد في تحليل حركته على ما أخترعه نفر من الرواة والغلاة لصرف الذهن والعقل عن أهداف حركته وجوهرها ، ولا يجوز تصور إن للحسين هدفاً غير ذلك ، إنما هدفه الإصلاح في بنية الحكم ومؤوسسة الخلافة .
    والخلافة في عقل الحسين عليه السلام هي مؤوسسة لها بناءات وقواعد ، والخليفة فيها هو الحاكم الذي يجب إنتخابه وإختياره ولا يجوز بحال تنصيب الخليفة أو توريثه الحكم ، فالحكم يكون للناس ينتخبون من يرونه صالحاً وكفؤاً ، وقد تبنى الله الشورى كصيغة ممكنة لتولي الحكم في قوله تعالى : - [ وأمرهم شورى بينهم ] الشورى 38 ، وكذلك قال : [ وشاورهم في الأمر ] آل عمران 159 ، هذا هو الأصل وهذه هي القاعدة وأما الوصية أو التوريث فهي صيغ لا تمت للدين بصلة ، إنما هي شأنية عصبوية كما يقول أبن خلدون أو هي فئوية كما هي لدى الملوك ، ولكي يكون الحاكم إماماً أو خليفة أو قائد جند فالطريق يكون من خلال الشورى والإنتخاب ، وهذا المفهوم في القياسات الحديثة يمكننا تسميته بالديمقراطية ، إذ لا يحق لكائن من يكون أن يتولى الحكم من غير إنتخاب ومن غير رضا الناس به أو موافقتهم عليه ، وهذا بالضبط ما حدث للإمام علي عليه السلام بعد مقتل عثمان حين بايعه الناس .
    والبيعة هي عبارة عن صيغة فعل : [ من - التولي - ] ، وتكون بعقد بين الناس وهذا الخليفة المنتخب يتعهدون فيه بطاعته والإنقياد له ، وللبيعة مراتب ثلاث منها بيعة المتابعة وبيعة الخلافة وبيعة الجهاد ولكل واحدة معنا ننصح بقراءة ذلك في كتاب - إشكالية الخطاب في القراءة التاريخية لوقعة كربلاء - .
    والخليفة هو الحاكم أو الإمام الذي يمثل الناس و يعمل من أجل حمايتهم وتوفير مستلزمات الحياة الضرورية لهم ، وعليه تقع المسؤولية في إشاعة قيم العدل والحرية والسلام بين الناس ، وفي ذلك يمكننا القول : ( إنها رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن الرسول ) ، وهذا التعريف هو رد منا على ما ذهب إليه العلامة الحلي في كتابه الباب الحادي عشر ، حين  جعله نائباً عن النبي ، والحق إن النيابة عن النبي ممتنعة بل ولا تجوز ولا تصح ، بحكم إن طبيعة النبي ودور النبي منحصر في تلك العلاقة الخاصة بالوحي والإخبار عن الله ، وهذه مهمة شديدة الخصوصية ليس فيها نيابة وليس فيها وكالة كونها - إصطفاء - من قبل الله ، وأما النيابة الممكنة فتكون عن - الرسول - بإعتباره حاكماً وقاضياً وآمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر ، والفرق بين النبوة والرسالة واضح ومن أراد مزيد بيان عليه بقراءة كتاب الشيخ الركابي ( نقد العقل الإسلامي ) ، وفي كتاب الله جاء القول : - أطيعو الله وأطيعو  الرسول .. - ولم يأت القول أبداً - أطيعوا النبي - ..
    وللمقال بقية

    راغب الركابي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media