التطرف العلماني والتطرف الاسلامي
    الأربعاء 11 يناير / كانون الثاني 2017 - 06:47
    سامي جواد كاظم
    الانسان هو المشترك بينهما وكليهما اي الاسلام والعلمانية ينادي بحقوق الانسان ويعملا من اجله والارتقاء به في كل مجالات الحياة معنوية ومادية ، نعم كلاهما متفقان على هذا المبدا ، ولكن الاختلاف في الوسيلة التي تحقق هذه الغاية .

    الاسلام جاء قبل 1400 سنة ليثبت هذه المبادئ ، العلمانية وبمختلف تسمياتها ( الليبرالية المادية وغيرها) جاءت قبل اربع او خمس قرون وان كان مارتن لوثر هو من نادى بها ولكن كمبادئ وقفت ضد الاسلام وانتشرت في النصف الثاني من القرن العشرين .

    هنالك من تطرف كثيرا من اجل الانسان فالعلماني تطرف بسطحيته محاولا الغاء كثير من التشريعات وفق رؤية سطحية ، والمدعي التدين تطرف بغلوه وتعنته وتشدده من اجل تطبيق مفاهيم الله عز وجل على البشرية ، فالمتطرف الاسلامي يمكننا ان نرجع الى اصل الاسلام من الكتاب والسنة ولكن المتطرف العلماني الى ماذا نرجع؟ بل اضف الى ذلك فان مبادئه هي الغاء الاخر وليس استحداث مفاهيم وفق اسس رصينة يستطيع ان يدافع عنها امام الراي الاخر بل يبحث عن المتطرفين الاسلاميين والروايات المزيفة ليجعلها مادة حديثه .

    ولتقريب الرؤية فلو طلب شخص ما مساعدة منحه الشخص الاول غير متدين مليون دينار والشخص الثاني متدين منحه 100 الف دينار ، المتطرف العلماني سيمجد بالشخص غير المتدين مع تعظيم منحته والاقلال من منحة الشخص المتدين والتنكيل بها .

    المتطرف الاسلامي سيقول انها اموال حرام بالنسبة لغير المتدين ولا فضل له على احد والشخص المتدين من واجبه مساعدة الاخرين حتى يكتب له اجر وعليه ان يخمس ان لم يخمس .

    بينما لو علمنا حيثيات المسالة فمثلا ان الشخص الاول ملكيته ملايين من الدنانير والشخص الثاني لا يملك الا 200 الف دينار ، فيكون الثاني منحه نصف ملكيته بينما الاول لاشيء بالنسبة لملكيته ، فمن هو الافضل كرما ايها العلماني المتطرف ؟ والشيء الاخر بالنسبة للمتطرف الاسلامي لماذا لا تنظر الى المنحة ولماذا تنظر الى الحرام وتحكم عليها هكذا ؟ ولماذا توجب على الثاني ان يساعد المحتاج ؟ وهكذا تاويلات وتطرف من كليهما يكونا قد نكلا بالخطاب الاسلامي من غير وجهة حق

    مثال اخر للتطرف في الفهم السطحي للعلماني ، يستشهد بحديث عن انواع الظلم ( بعيدا عن دراسة سنده وصحته) فيقول بالحرف الواحد هذا العلماني ( عبد الرزاق الجبران ـ لصوص الله ص/29) ان الله لا يهتم لمن يتعدى عليه بل يهتم لظلم العباد فيما بينهم ويستشهد بنص هذا الحديث "وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم العباد فيما بينهم وبين ربهم، وأما الظلم الذي لا يتركه الله فظلم العباد بعضهم بعضاً حتى يدير لبعضهم من بعض" ويعقب في هامش الصفحة انه لا يهتم لجزئيات الحديث .

     انه حذف كلمة من الحديث فجاء معناه وفق هواه مع خطاه حتى في تفسيره ، والصحيح في كتب اهل السنة هو " وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم العباد أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم، وأما الظلم الذي لا يتركه الله فظلم العباد بعضهم بعضاً حتى يدير لبعضهم من بعض " والكلمة التي حذفها هي (انفسهم)، واما كتب الشيعة فنص الحديث هو "قال الباقر (ع): الظلم ثلاثة : ظلم يغفره الله ، وظلم لا يغفره الله، وظلم لا يَدَعه: فأما الظلم الذي لا يغفره الله عز وجل فالشرك بالله، وأما الظلم الذي يغفره الله عز وجلّ فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ، وأما الظلم الذي لا يدعه الله عزّ وجلّ فالمداينة بين العباد"

    النتيجة : ان الله يغفر من يتعدى على عليه فهذا امر يعود اليه تعالى وقد لا يغفره ، ولكن ماهو نوع الجرم الذي يغفره الله بينما رجل الدين يعاقب عليه الانسان ؟ لا يوجد، فالذي يعصي الله ولا يصلي فامره موكول الى الله ، والذي لديه الاستطاعة ولا يحج فامره موكول الى الله، والذي يقدر على الصيام ولا يصوم فامره موكول الى الله حتى وان لن ينفذ عقوبة المفطر عمدا ومن غير سبب.

    واما كلمة وانفسهم التي حذفها الجبران فانها تعطي معناً اخر وهو الانسان الذي يظلم نفسه وليس يتعدى على الله فان الله يغفر له ان تاب وليس يغفر له من غير توبة، واما عدم تركه لظلم العباد فيما بينهم فهل هذا يعني ان الله ينزل الى الارض ليمنعهم، ام يبعث لهم الرسل والاوصياء ليقوموا بهذا الامر؟ واما من يدعي انه مخول من الله او من الامام ليحقق العدل ويظلم فهذا شانه وليس شان الخطاب الاسلامي فيمكن للعلماني ان ينتقد الشخص لا ان يفسر الامور وفق هواه .

    من كتابي المخطوط ( الاسلام بين التطرف العلماني والتطرف الاسلامي)
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media