عمار الحكيم مبعوث الإرهاب لمفاوضة الشعب العراقي -1-
    الأحد 15 يناير / كانون الثاني 2017 - 20:39
    صائب خليل
    كل ما في مشروع "التسوية" مثير للريبة والقلق، لكن القلق الحقيقي يبدأ فقط حين نجمع خيوطها معا في صورة واحدة. عندها فقط تكشر أمامنا مؤامرة مخيفة الحجم والأهداف عن انيابها. تعالوا معي في جولة تقشعر لها الأبدان، ولنمتلك الشجاعة اللازمة لنحدق بالكارثة التي تتقدم، من خلال ثلاثة مقالات هذه اولها.

    يفترض من خلال اسم "التسوية"، او من خلال ما يروج له الحكيم ومن يدفع بالأمم المتحدة للاتصال بهم، ان المشروع يهدف إلى تسوية بين مكونات الشعب الشيعة والسنة. لكن الأمور ليست بهذا الوضوح كما سنرى.
    فالمشروع برمته، عملية مشبوهة تثير القلق لدى العراقيين سنة وشيعة. وهناك شعور عام بأنه لا علاقة لأهدافه الحقيقية بالاسم وأنها ضغوط مشبوهة ومداولات في غرف مظلمة ولا تتعلق بمصلحة السنة أو الشيعة او العراق.
    فإضافة إلى الثقة المعدومة بين المواطن وساسته، فإن التصريحات المحيطة بالمشروع مليئة بالتناقض وعلامات الاستفهام والتحركات المشبوهة، إلى درجة جعلت الكثير من الساسة المعنيين بالأمر يتنصل منها ويقدم نفسه كمعترض عليها.
     
    وقد حاول عراب التسوية عمار الحكيم في خطاب له في حفل تأبيني مؤخرا، طمأنة الناس إلى أن مشروعه لا يهدف إلى مصالحة مع الإرهاب، فأعلن رفضه "التسوية" ما لم يتوقف الإرهاب، وأن من شروطها "عدم الإصغاء للتدخل الخارجي الذي يغذي الإرهاب".(1)
    ولكن في هذا الشرط ذاته اعتراف مباشر، بأن من يفاوضهم عمار هم الإرهابيون او من يوجههم، وانه يعلم بذلك!
    على اية حال، يحاول عمار اقناعنا بأن تسويته ستوقف الإرهاب بمفاوضة وقطع مصدر دعمهم: "من هؤلاء الذين يفجرون وما هي قيمتهم لولا ذلك الدعم والغطاءات الإقليمية والدولية التي يستفيدون منها؟ إن هؤلاء المجرمين يستخدمون كورقة للضغط علينا وعلى العملية السياسية في العراق. يضغط بهم على الشعب العراقي وعلى الحكومة العراقية وعلى العملية السياسية في العراق."

    مع من يريد عمار الحكيم ان يتفاوض بالضبط لتحقيق هذا الهدف؟ ومع من تكون التسوية؟ يقول عمار: "نحن نتحدث مع أصحاب الأجندة! الدول نكلمهم، المجرمين ما نكلمهم!" ويكمل: "إذن نبحث عن الأمن لكن بالتفاهم مع دول وليس مع عصابات ومجرمين ملطخة أيديهم بالدماء".
    لكن اليس هذا نقض مباشر لشرط "عدم الإصغاء للتدخل الخارجي الذي يغذي الإرهاب، وأن أيديهم ملطخة بدماء العراقيين؟!
    إنه يتحدث بالذات عن "التدخل الخارجي الذي يغذي الإرهاب" حين يقول بأن مفاوضاته تهدف إلى رفع الدعم عن الإرهابيين: "ليرتفع الدعم عن هؤلاء من منهم يستطيع القيام بهذه الأدوار لاحقاً؟"(2)

    ونلاحظ ايضاً ان "تسوية" عمار الحكيم هي كما يقول "مع دول"، أي ليس مع سنة العراق! وأن كل ما قيل عن "التسوية" و "السلم الاجتماعي" كان هراءاً للتغطية على امر آخر إذن!

    وما هي تلك "الأجندة" الإرهابية التي لدى اصدقاء عمار من الدول؟ ما الذي تريده من العراق، وما الذي سيقدمه عمار لها في المفاوضات مقابل ايقافها دعم الإرهاب؟ نفط؟ أراضي حدودية؟ مشاركتها في حكم العراق من خلال عملائها؟ أم اجبار العراق على إقامة علاقات مع سيدتها "إسرائيل"؟
    إن اول مبادئ التفاوض هو أن تعرف ما يريده خصمك، وإلا كيف ستفاوض؟ إن كان عمار لا يعرف فتلك مصيبة، وإن كان يعرف، فلماذا لا يخبرنا؟ ثم ألا يجب أن يتفاهم أولا مع العراقيين أو مجلس نوابهم على الأقل ليعرف ما يسمح له بالتنازل عنه في تلك المفاوضات، وماهي حدوده؟

    كل شيء يدعو إلى الريبة. دعونا نعود قليلا إلى الوراء ونتفحص ما قاله عمار، تحضيراً لهذه التسوية لعل الصورة تتوضح. عمار يبدأ بتذكيرنا بقوة الإرهاب، وهذا ما يبدأ به المندوب عادة، فيستعرض قوة الجانب الذي يفاوض عنه، ليثير في الجانب الآخر الخوف اللازم لدفعه إلى التفاوض وتقديم التنازلات. وإذا لاحظتم نغمة صوت عمار في هذا الجزء من الخطاب، تجدونها توحي بالرهبة والخوف، حين يقول:
    "ذولة الإرهابيين 10 سنين دك دك دك مفخخات ...تدرون السيارة بيش سعرها؟ وتفخيخها بيش؟ وإلى ان يجيبوها ويدخلوها إلى مدننا شكد تكلف؟ وكم مثابة آمنة يحتاجون وكم الف واحد يشتغل بها القصة...وهيه مو واحدة واثنين بالمئات ومو يوم ويومين، 10 سنين. نضل احنا نطخهم بالإعلام وهمه يحصدون بأرواحنا"..(3)

     ثم يؤكد لنا ان محاربتنا الإرهاب خيار خاطئ: "مو هيجي!". وبعد ذلك نجده يغير نغمة صوته من نغمة الترهيب إلى نغمة السلام والابتسامة، مقترحاً علينا التفاوض بشكل مباشر، ويعدنا أن ذلك سيحقق لنا السلام الذي نفقده الآن، وبسرعة: " تحتاج تروح تتفاهم وياهم! تسوية سياسية 60% من الإرهاب بالعراق بيوم واحد يوكف".

    الملاحظة الأخرى المهمة هي ان هذا التسجيل الذي وردت فيه مفردة "التسوية"، قد تم قبل ثلاث سنوات، أي قبل ولاية الحكيم لرئاسة التحالف الوطني، الذي تم قبل بضعة أشهر فقط! (4)
    وهذا يعني أن فكرة وخطة التسوية قد وضعت منذ أكثر من ثلاث سنوات، وأن عمار لم يتول مسألة "التسوية" كجزء من مشاريعه كرئيس لأكبر تجمع سياسي شيعي، بل ربما بالعكس، تم وضعه في المنصب خصيصاً ليتولى تنفيذ تلك الخطة المعدة قبل فترة طويلة. وبالتالي فكل التفاصيل التي جرت من اجتماعات وانتخابات ووعود هي فصول في المسرحية، وان معظم، إن لم يكن جميع الأطراف، هم ممثلون فيها.
    وهذا يفسر لنا سر انتخاب التحالف لعمار الحكيم، رغم انعدام شعبيته بين الناس، ودون اعتبار لنتائج انتخابية سلبية على التحالف، وهو تساؤل طرحته في مقالتي "ما الذي ننتظره من انتخاب التحالف الوطني للحكيم؟”(5)
     
    فكتبت: "وهنا يأتي السؤال: لماذا تم ترشيح الرجل الذي يقود هذا الكيان سيء السمعة لرئاسة التجمع الشيعي الأكبر؟" وأجبت بأن التفسير الوحيد هو ان التحالف "يخضع تماما لقوى تؤثر عليه من الخارج". وسنحاول ان نحزر تلك القوى في مقالة قادمة.

    "التسوية" خطة مركبة جيدا إذن، وقد بدأ العمل بها منذ سنوات عديدة، وليس تولي عمار لرئاسة التحالف إلا خطوة في تلك الخطة. ولتذليل صعوبات التنفيذ المتوقعة، ولردع احتمال الارتداد عنها لاحقاً بعد اكتشاف حقيقتها، نرى عمار يطالب زملاءه بصلاحيات إضافية من أجل "مأسسة" التحالف الوطني، وبطريقة تجعل من الصعوبة التراجع عن الاتفاقات التي يتم توقيعها، كما ورد في خطاباته بشكل واضح.
    لكن الرياح لم تسر كما تشتهي الجهات التي تخطط، وواجه الحكيم صعوبات بالفعل. فتم تأجيل مناقشة وثيقة "تسوية لا غالب ولا مغلوب” الى ما بعد تحرير الموصل، كما ورد على لسان النائب عن ائتلاف دولة القانون ابتسام الهلالي، والتي اكدت "وجود خلافات عليها من قبل بعض القوى".(6)

    جماهير التحالف الوطني قلقة من اهداف التسوية، فيحاول قادته تطمين مخاوفها دون جدوى. بل ويبدأ ساسة التحالف بالتنصل منها خشية انعكاس ذلك عليهم في الانتخابات المقبلة. ولم تكن الأمور في الجانب المقابل أفضل. فاعتبر البعض أن في التسوية "خطوط حمراء" اكثر من اللازم وأنها شملت "طبقات بأكملها"، داعيا صراحة إلى قبول البعثيين أو أفراد الأجهزة الأمنية السابقة، وإلا فأن المشروع مهدد بالفشل. وهو بالضبط ما يخشاه الجانب المقابل – جماهير التحالف. (7)

    وانعكس الفشل بإقناع الآخرين في خطاب الحكيم أثناء حفل تأبين الإمام الحكيم، فنراه يؤكد بأنه "ليس هناك خيار"! (أي أن امامكم أما التفاوض أو الإرهاب!) فيقول: "أعطونا مشروعا بديلا"! واتهم كل من يصر على الرفض بأنه يفعل ذلك "من اجل المزايدات وإرباك الشارع"، مكرراً إثارة الخوف، ومؤكدا أن" الذين يفجرون لديهم ممرات آمنة لدخول عشرات ألاف الإرهابيين".(8)
    ولكن الضربة الكبرى للمشروع جاءت من السيد السيستاني الذي رفض مقابلة ممثلي التسوية.(9)

    لو فكرنا قليلا، لرأينا أن هذا المشروع المشبوه، يضع الشعب العراقي رهينة بيد الإرهاب! اسمعوا طارق الهاشمي، وهو من المرشحين الكبار في مشروع التسوية (رغم انه مطلوب للعدالة)، وهو يؤكد أن الإرهاب سيستمر مالم تتحقق "العدالة"، كما يراها طبعاً. (10)

    كذلك فسر رئيس لجنة الأمن والدفاع حاكم الزاملي بنفسه بصراحة التفجيرات الأخيرة بقوله بأنهم يقولون لنا: "اما ان تصالحونا او نفجر النجف والصدر وسامراء”! (11) ومن الواضح انه ليس هناك اية مبالغة في وصف الزاملي.

    فلنفرض أننا تجاهلنا كل ذلك، وان الإرهاب قد توقف وتم توقيع التسوية، كما يطلب عمار والهاشمي، واعيد البعث ورجال الأمن الصداميين إلى سلطاتهم في الدولة، فكيف ستكون تلك العلاقة بين شركاء "التسوية" مستقبلا؟ ماذا لو اختلف الفرقاء وقرروا فض شراكتهم و "تسويتهم"؟ ماذا لو ارتكب بعض هؤلاء (المزيد من) الجرائم؟ هل يمكن محاسبتهم أو إخراجهم من وظائفهم التي كسبوها بابتزاز شروط الإرهاب؟ أو لنفرض أن الناس لم ينتخبوا عملاء "الدول صاحبة الأجندة" كما يسميها الحكيم، والتي تستطيع أن تغذي الإرهاب او تقطع إمداداته حسب مصالحها، هل يعود الإرهاب؟ هل يتم إذن فرض هؤلاء على الشعب العراقي مقابل الامتناع عن إرهابه، أي بالخاوة؟ هل يستطيع العبادي ان يرفض توقيع عقود اقتصادية مع تلك الدول مثلا، أو ان يحتج إن لم تنفذ جانبها من الاتفاق؟ إنها اعراض العلاقة المريضة التي تنشأ عن طريق الإقناع بالإرهاب! علاقة الابتزاز.

    ومن الواضح أن فرصة نجاح عمار الحكيم في إقناع العراقيين بقبول مشروعه، تعتمد تماماً على مدى نجاح الإرهاب في بث الرعب بينهم. إن الحكيم يتصرف وكأنه مبعوث جيش من الغزاة يحاصر مدينة، ويحاول المبعوث اقناع المحاصرين بفتح بوابات المدينة للغزاة بعد تخويفهم بقوة ذلك الجيش وقسوته إن لم تستجب المدينة له. وحين يرفض هؤلاء أو يترددون، يقوم الجيش بإطلاق المجانيق على المدينة للضغط عليها للرضوخ لشروط مفاوضهم. أو بمعنى آخر، فالحكيم يلعب اليوم دور الجناح السياسي للإرهاب، ويتعاون الجناحان على اقناع المدينة بالاستسلام لشروطهم!

    يتبع...

    (1) الحكيم: التسوية الوطنية لم ولن تشمل من تلطخت ايديهم بدماء العراقيين

     http://www.alalam.ir/news/1892560

    (2) الحكيم: نفاوض الدول ذات الأجندة

    https://www.facebook.com/am.alhakeem/videos/1356774307720246/

    (3) عمار الحكيم وطريقة القضاء على الارهاب والمتاجرة بدماءالابرياء - YouTube

     https://www.youtube.com/watch?v=FmMJjNubCP8

    (4) اختيار عمار الحكيم رئيساً للتحالفالوطني الشيعي في العراق

     http://www.alquds.co.uk/?p=593128

    (5) ما الذي ننتظره من انتخاب التحالف الوطني للحكيم؟

    https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/1177900048933729:0

    (6) تأجيل تسوية لا غالب ولا مغلوب الى وقت آخر

     http://aliraqnet.net/archives/33629

    (7) نائب عن تحالف القوى: وضع خطوط حمراء على طبقات بأكملها سيُفشل التسوية

     http://www.sotaliraq.com/latestnews.php?id=380684

    (8) السيد عمار الحكيم يعلن في حفل تأبين الامام الحكيم {قدس} مخرجات مشروعالتسوية

     http://alforatnews.com/modules/news/article.php?storyid=135548

    (9) السيستاني يرفض استقبال وفد التحالف الوطني

     http://nas.sa/ReadNewsAR.asp?NewsID=106040#.WGq_9_krKUk

    (10) الهاشمي: الإرهاب سببه اختلال ميزان العدالة

    https://www.facebook.com/khalilquotes/videos/1192004167501706/

    (11) حاكم الزاملي: اما ان تصالحونا او نفجر النجف والصدر وسامراء

    https://youtu.be/qo8dzo70_l4?t=1754
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media