بعض القساوسة العرب الذين ينشطون مع اليهود اليسوعيين
    الثلاثاء 17 يناير / كانون الثاني 2017 - 14:21
    د. جعفر هادي حسن
    كنت قد نشرت في الشهر الماضي على هذا الموقع مقالتين عن اليهود اليسوعيين ،وهذه المقالة هي الأخيرة في الموضوع نفسه  وهي عن بعض القساوسة العرب، الذين يعملون بنشاط مع اليهود اليسوعيين ويتبنون الكثير من أفكارهم  ،ومنهم مجموعة في إسرائيل / فلسطين. وأكثرهم يبشرون بين المسلمين. وهم يعلنون عن حبهم العميق لإسرائيل، بل وعن حب بعضهم للجنود الإسرائيليين ،ويؤكدون على أن أرض فلسطين هي الأرض الموعودة للشعب المختار الذين هم اليهود. وسأتحدث عن بعض هؤلاء وعن آرائهم التي سجلتها المؤلفة Julia Fisherفي كتابها
     A Future for Israel, Christian Arabs Share Their Stories الذي أقتبست منه واعتمدت عليه في أكثر هذه الدراسة (وليس كلها).والكتاب المذكور هو عبارة عن مقابلات أجرتها المؤلفة مع هؤلاء. وما أذكره  عنهم هو ترجمتي  لما ذكروه من آراء ،.ومن يرغب في أن يطلع على تفصيلات أكثر وردت في الكتاب المذكور فهومتوفر في المكتبات  ومن السهل الحصول عليه. (وهذه المقالات الثلاث هي فصل من كتاب جديد آمل أن يصدر قريبا).
    فأحد هؤلاء القساوسة-وهو فلسطيني- تحدث عن نشاطه  فقال إنه كان قد أسس عام 1990ميتما باسم " بيت الحب والسلام" وهو يعنى بالأيتام الذين هم من عوائل مسلمة،وهو يقول نحن في هذا الميتم نعلمهم كيف يحبون الإسرائيليين بدل القتل ورمي الحجارة. ويقول إنه جاء إلى كنيسته ألفان وخمسمائة شخص أغلبهم من  خلفيات مسلمة ،وهو سعيد لأنهم أصبحوا من المؤمنين بعيسى، وأنهم يدَرسون كيف يحبون اليهود. وهو يذكر رؤيا سمع فيها صوت يقول له "أنا عيسى الذي جاء إلى الأرض كرجل من لحم من نسل أبراهام ،وأنا يهودي صلبت من أجل ذنوبكم وقد غفرتها.والآن عليك أن تسامح اخوانك اليهود،كما غفرت لك".ثم يقول هذا القسيس واليهود لم يعودوا أعدائي،إنهم أحبائي،وإنه لدرس عظيم في حياتي أن تغفر وتنسى وتتصالح.ثم يقول وقد التقيت برجل يهودي مسن، وعندما أخبرته بقصتي،طلب مني أن أغفر له ، وقد لامس ذلك شغاف قلبي وأصبحت أكثر حبا لليهود.
    وعلى رغم أن بيت عائلة هذا القسيس – في حيفا- كان قد احتله الإسرائيليون في حرب 48 وسكنوا فيه، وأحرقوا كل شيئ لهم وما يتعلق بهم،لكنه يقول وجدت طريقي لبيتنا القديم،ووقفت أمامه وغفرت للعائلة التي تعيش فيه ،وكان ذلك صعبا علي ولكني شعرت براحة ،حيث أن حملا رفع من كاهلي،وشعرت بسعادة في داخلي، لم أشعر بمثلها من قبل.ويقول أيضا إن الرب قد جعل الشعب اليهودي مختارا، لأنه يريد ان يظهر نفسه من خلاله . وهذا هو مايريده، ولايمكننا أن نناقشه في ذلك.. 
    وتحدث قسيس عربي آخر من الفلسطينيين  أيضا- الذي كان مسؤول جمعية الكتاب المقدس الفلسطينية -عن نظرته إلى اليهود، فيقول أنه يمكنني أن أصف حبي لليهود، بأنه حب رباني، وهذا الحب هو حب لهؤلاء الناس كناس لا من أجل شيئ آخر، إنني فقط أحبهم ، وكثير من ابناء جلدتي يستغربون عندما أقول لهم، إنني أحب الجنود الإسرائيليين.  ويقول أيضا "إنني أريد المسلمين أن يعرفوا عيسى مع غض النظر كم سيطول الوقت (لإقناعهم)،وإنه علي أن أعرف الطريق المؤثر في ذلك.إن الرب يعمل الكثير في المجتمع الفلسطيني،في هذه الأيام،وإنني سعيد لقبول الفلسطينيين لما نقوله عن اليسوع عيسى.إن الرب يفتح لنا فرصا في غزة وفي مخيمات اللاجئين وفي مناطق صعبة جدا،إنه يساعدنا في عملنا مع كثير من المنظمات المحلية كالمنظمات النسائية ومنظمات كبار السن،ومنظمات الأطفال أيضا،والشيئ نفسه يحصل في الضفة الغربية ،وهذه أخبار طيبة حيث الكثير من الفلسطينيين يقبلون السيد المسيح ويتبعونه ويكرسون أنفسهم للعمل من أجله.إنها مسؤولية كبيرة ولا أريد أن أدخل بالتفاصيل".
    وقال قسيس  آخر، أنا أؤمن بوعد الرب للشعب المختار – اليهود- الذي جاء في التوراة، وهو وعد أبدي لهم، حتى لو ارتكبوا أخطاء، وأؤمن بما وعد به الرب إسرائيل، وكذلك بالأرض الموعودة. ومع غض النظر ،فيما إذا كان الناس يقبلون بذلك أو لا ،ومع غض النظر أيضا عن الوضع السياسي، فرأيي معتمد تماما على كلام الله. ونحن يجب أن لانخلط السياسة بالقضايا الروحية،لأن الرؤية لاتكون واضحة إذا قمنا بذلك، ولذلك علينا أن نبقى على الإيمان بوعد الله لليهود، حتى نرى تحقيقه.ويقول أيضا إنه مما يؤلمني أن يكون  الكثير من زعماء الفلسطينيين المسيحيين في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية يعادون إسرائيل، ويؤمنون بالفكر الديني البديل( أي أن الرب جعل الكنيسة هي البديل عن اليهود في وعده باختيارهم بعد رفضهم لعيسى). ويقول "وانا أرفض الفكر البديل، فأنا لا ادرسه ولا يكون جزءا من عظاتي، بل إنني أعظ ضده،  وأخبر الناس بانه لايمكن لأحد أن يغير كلمة الله".   وأنا أعترف بأنني من أقلية الأقلية، ولذلك واجهت الكثير من الصعوبات ،ليس من المسلمين حسب بل من المسيحيين أيضا.  وقد هوجمت كنيستنا أربع عشرة مرة خلال العشر سنوات الماضية ،وقد كانت علي محاولة اغتيال أصبت فيها بطلق ناري ، وهددت أكثر من مرة .ولكن كل ذلك لم يخفني، وسأبقى انادي بما أعتقده أنه الحق من الرب مما جاء في العهد القديم والعهد الجديد. وأولويتي هي كلمة الله ، والشيئ الجيد أن هناك من يساندنا في إسرائيل، ويمد لنا العون ،وهذا العون يأتينا من اليهود اليسوعيين. ومما يسعدنا أننا نرى الأمور تتحرك بسرعة ،وأن الجو الروحي في هذه الأرض يتغير،على الرغم من كل من يقف أمامنا،ولذلك فإننا ننتظر ظهور اليسوع قريبا، وهناك علامات ظاهرة على هذا ،فاليهود يرجعون إلى الأرض،والصحراء تخضر وهذا يجب أن يخبرنا بأن شيئا ما سيحدث.  وأن الرب يحضر لرجوع ملك الملوك وسيد السادة اليسوع عيسى تدريجيا، ويقول هذا القسيس عن نفسه إنه مبارك، لأنه محاط باليهود اليسوعيين. وهو يؤكد على أن القساوسة يجب أن يذهبوا عميقا في كلام الله، ويخبروا الناس ما الذي يتضمنه.وهؤلاء يحتاجون أن يفتحوا قلوبهم، ليفهموا أن أي شخص ضد إسرائيل وضد اليهود،هو في حقيقة الأمر ضد الله وضد كلامه وقصده.
    وقال قسيس فلسطيني آخر، كان الجيش الإسرائيلي قد أزال قرية عائلته من الوجود، حيث كان أبوه يأتي إلى زيارة ما تبقى من  القرية والجلوس عند أحجار بيته يندبها ويذرف الدموع عندها ويتحسر على إزالتها، ولكن القسيس يقول إنه سامح اليهود على كل ما قاموا به .وبدأ يصلي من أجل خلاصهم."لأني أؤمن بأن وعد الله لايتغير وعلينا أن نصدق ذلك.وعلى الرغم من أنني أنتقد مايقوم به السياسيون نحو أبناء جلدتي ،فإن هذا لايعني أن أكون عدوا لهم، وكذلك أنا لاأوافق على مايقوم به الزعماء الفلسطينيون نحو اليهود". وهو يرفض الثيولوجي البديل(الذي أشرنا له أعلاه)، وكذلك ما يسميه الثيولوجي الفلسطيني، وأن الرب لم يتخل عن اليهود، وأن اليهود مازالوا شعب الله، حيث وعدهم بالكثير من الوعود.ويقول إن الكثير من العرب يخشون الحديث علنا عن إيمانهم بعيسى.وهذا القسيس له راديو باسم "الطريق" ،يعمل بواسطة الإنترنت ويقول إن هناك مئات الآلاف يستمعون له شهريا، وإن 98% من المستمعين هم من العرب.   ويقول أحد  القساوسة العرب أيضا،وهو قسيس لكنيسة أكثر أعضائها من اليهود اليسوعيين ، إنه القسيس العربي الوحيد في إسرائيل الذي يقوم بهذه المهمة .ويقول إنه كعربي مدعو أن يدافع عن كلمة إله اسرائيل في إسرائيل ، من أجل أن يرجع اليهود إلى مسيحهم.ويضيف أنه يتمنى أحيانا أن يكون يهوديا.وهناك الكثير من القساوسة العرب الذين لايتفقون مع آرائي،ولكن هناك آخرون ممن يتفقون معها. ويتحدث كذلك عن المشاكل التي يواجهها مع اليهود.فيقول فمرة يقولون لي إن يسوع هذا لكم أيها العرب، فلماذا تريد أن تقنعنا به ومرة يظنوني يهوديا ويرون دعوته للآخرين للإيمان بعيسى خيانة لهم.  ويقول لكنه سعيد بأن الجماعات االيسوعية ،تنمو ويزداد عدد المنتمين إليها، ولكنه في الوقت نفسه، يرى أنهم سيواجهون إضطهادا وأذى شديدا من اليهود المتشددين في تدينهم .وأحد هؤلاء القساوسة العرب هو عضو في لجنة انشأت حركة أطلقت عليها "عند أقدام يسوع" وهذه الحركة تنظم اجتماعات نصف سنوية لليسوعيين في إسرائيل وفلسطين من اليهود والعرب، وخلالها يذهبون إلى الصحراء يعتكفون فيها ويتأملون ليومين أو ثلاثة.  وبعض هؤلاء يرسلون فريقا من شباب اليهود اليسوعيين ،إلى الإحتفالات الشعبية التي يقيمها الشباب الإسرائيليون كل سنة، أثناء الأعياد والتي يحضرها عشرات الآلاف من الشباب،التي يتحررون فيها من الإلتزامات الأخلاقية والإجتماعية ،إذ يكون بعضهم عاريا تماما ،والبعض الآخر يتباهون بتعاطي المخدرات ، وممارسة الجنس .وتجلب هذه الإحتفالات حتى العوائل ،ويقوم الفريق الذي يرسل إلى هذه الإحتفالات، بالتبشير بين هؤلاء الجائعين روحيا (كما يصفونهم) لإقناعهم بالإيمان بعيسى. .
    وعدا عن هؤلاء القساوسة الفلسطينيين الذين ذكرناهم،هناك قساوسةعرب(من غير الذين ذكرناهم) يعتنقون الأفكار نفسها، ويعملون بنشاط بين المسلمين.ففي مصر مثلا يقول أحد هؤلاء "يأتي إلى كنيستي حوالي 500مسلم على الأقل،من أجل الشفاء،ونحن نصلي لهم والرب يشافيهم باسم عيسى .ثم نعطيهم الإنجيل،وأشرطة مسيحية دون مقابل، وهم متشوقون لمعرفة هذه الأمور".وهو يقول إنه يملك فضائية يسمعها كل العرب ،ونحن نتسلم عددا كبيرا من الرسائل، والرسائل الإلكترونية من العالم العربي،حتى من السعودية ونشعر بأنهم بدأوا يتحولون.  ولابد من الإشارة هنا إلى أن مؤتمرات نصف سنوية تعقد لهؤلاء القساوسة العرب مع زملائهم اليهود اليسوعيين،منذ العام 1993 ،حيث عقد في هذه السنة مؤتمر في مصر حضره ثلاثون من زعماء اليهود اليسوعيين في إسرائيل،وسبعون شخصا من زعماء المسيحيين في مصر.ثم عقد في السنة نفسها اجتماع آخر في قبرص. ويقول منظم هذه المؤتمرات "توم هس" إن القساوسة العرب حضروا من أكثر البلدان العربية المحيطة باسرائيل .وفي الوقت الحالي هم يعقدون مؤتمرين في السنة أحدهما في قبرص والآخر في الأردن.ويقول أيضا أنه في عام 2005 ،عقد مؤتمر في الأردن وحضره ثمانون شخصا ، بعضهم جاء من دول الخليج ، وحضره سبعة قساوسة من العراق –لأول مرة بعد أن تغير الوضع-،ومن سوريا ومن لبنان وثلاثون من إسرائيل، وعدد من المصريين.وهو يؤكد بأن اليهود والعرب في اجتماعاتهم هذه يقومون بعبادة الرب سوية.وإضافة إلى هذه المؤتمرات هناك اجتماعات تنظم لزعماء هؤلاء في إسرائيل في الصيف، تحضرها العوائل أيضا ،ويكون عدد المشاركين بين 400 و 500 شخص من اليهود والعرب.
    وما يتصل بهذا الموضوع حدث كان قد حدث قبل مايقارب من
    عقد من الزمن وأخذ مساحة كبيرة في وسائل الإعلام .وهذا الحدث  هو مأعلنه مصعب ابن الشيخ حسن يوسف  (أحد مؤسسي حماس كما يقول مصعب) بأنه تحول إلى المسيحية بل وأنه عمل لعشر سنوات لإسرائيل مع "الشن بيت". وهو خبر كان مفاجئا لكثير من الناس ،ولم يصدقه بعضهم عندما سمعوه إلا بعد أن أكده هو نفسه من على الفضائيات ،ومن خلال كتابه الذي نشره عام 2009 والمعنون Son of Hamas
     الذي عرض فيه تفصيلات كثيرة عن سيرته وعمله مع "الشن بيت" وعما قام به من أعمال في هذا الخصوص .وكان الكتاب قد طبع أكثر من مرة وأصبح في حينه من أكثر الكتب مبيعا.وقد ذكرت هذا الحدث هنا لأني أعتقد أن الرجل تاثر برجال الدين المسيحيين الذين ذكرناهم وبأفكارهم التي هي أفكار اليهود اليسوعيين . إذ من يقرأ ماكتبه في كتابه ومن يستمع لما يقوله ويجادل به على الفضائيات من نقد شديد لأبناء جلدته وانتقاص لهم، وحب لإسرائيل ومدح لها،لا يخطأ في تشخيص التشابه بل والتماثل في آرائه وآراء أولئك الذين ذكرناهم في المقالة.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media