(الباب الخلفي للجنة)... رواية للكاتب العراقي هيثم الشويلي مُشفرة بالرقم ثمانية...!
    الثلاثاء 17 يناير / كانون الثاني 2017 - 22:02
    حسن حافظ
    صدرت مؤخراً رواية (الباب الخلفي للجنة) للروائي المبدع (هيثم الشويلي) ومنذ سطورها الأولى يشعر المتلقي بأنها تقدم انطباعاً أوّليا بأنها تمثل الإفراط بالعاطفة المشبوبة، أي الإغراق بالعاطفية وكأنها Sentimental والوجدانيات التي تصاحبها الرقة المتناهية قصائد لاتنتهي من الشعر الوجداني باستنفار تام عبر مصابيحها المتوهجة حتى في وضح النهار.. وهذا الحب العفوي يتصاعد عند البطلين بمتوالية هندسية! وسواء كان الروائي قد استدعى حرارة الرومانتيكية من (جورج ادورمور) أم من الشاعر الكبير (وردز وورث) اللذين قاما بربط الشعور والعاطفة بعنصر المعرفة في الإدراك الجمالي! مع سرعة في الإيقاع وشد قوي للمتلقي في تتبع أحداث الرواية، فقد جاء السرد بإيقاع جميل رومانسي بمهارة، اشاركه فيها، كبديل للعنف والإقتتال الداخلي في محاولة صنع عالم جميل بعيداً عن الصراعات الطائفية والمذهبية، وقد أفلح باختياره لبطلين من ديانتين مختلفتين في محاولة للربط بينهما في معاناة واحدة، لكنه لم يتخلَ عن نقل معاناة الناس الآخرين ولشريحة واسعة من الناس المسحوقين، فهو يقدم لنا بطلاً تَخَرجَ في الجامعة، وهو يعمل كحمالٍ في الشورجة يستعين بعضلاته بدلاً من فكره لتطبيق ما تلقاه في الجامعة.. حيث يرصد لنا السارد بدقة رائعة حياة العاملين في تلك الأسواق عبر مختلف الشخصيات كالعم (عباس شاه) والآخرين ليقدم لنا أبطال روايته بملامح تمثل مدى تفاعله مع العالم المحيط به وما يكتنز في داخله من قيم ومعتقدات وحسب الأعراف المتوارثة وهكذا صنع الراوي مع الشخصيات الأخرى كالأم، وأم فاضل، وأم محمد باستثناء البطلين أسعد وماريا اللذان كانا يتحاوران وكأنهما في مستوى ثقافي متقارب! لتأتي مجساته التي يلتقطها الروائي لنا ببراعة مع الاستعانة باللهجة العامية أحيانا ليركز كامرته (على وعي الشخصيات راسماً عوالمها التي كفلت في النهاية تعدداً ظاهراً للأصوات في الرواية) كما يذهب إلى ذلك د. باسم صالح حميد في كتابه عن الرواية العراقية ص81 والتي جاءت هنا بأسلوب الضمير المتكلم (أنا) وهو يقترب نحو أبطاله بتلك الكاميرا بما يطلق عليه فنياً (كلوز أب) على الأشخاص الرئيسة (أسعد، ماريا، العم عباس شاه) بينما لاتظهر الشخصيات الأخرى إلا إذا دخلت دائرة الضوء، حيث يقترب كثيراً بكامرته ليركز عليها وكأنني بنجيب محفوظ وهو ينقل لنا الحياة الزاخرة في ثلاثيته الشهيرة بما فيها خان الخليلي وغيره من الاماكن مثل زقاق المدق.. وإذا كان البطل قد تعلق بفتاة مسيحية عبر النت، وهي بنصف وجه أشبه بقمر يحمل وجهين، احدهما يشرق نوراً والآخر كان مظلماً يختفي خلف خصل شعرها المنسدلة على وجهها لتخبئ عينها الزجاجية بعد أن اصيبت بانفجار وهي تؤدي طقوس الصلاة في كنيسة النجاة بكرادة مريم.. وهكذا يتعلق البطل أسعد بماريا المسيحية ليصنعا معاً أجمل ارجوزة (هل كان وضوءاً نغسل به أدران وأوساخ العالم عن جسدينا بضياء الخلاص قرب سماء يسوع أو ابن الله كما تحب ماريا تسميته وعند كونية محمد حبيب الله!) ص310.. فماذا كان يريد أن يوحي إلينا به الشويلي؟ وإذا كان الحب هو أطول نهر في التاريخ نستطعم ماءه ونتذوقه كلما زحفت بنا الذاكرة إلى الوراء، لنعيشها بل هو ينبوع الحياة السحري كما انه ذلك الوهج المقدس الذي يعمل على خلق عالم النشوة حينما نشارك في وعي اللحظة وفي تذوق الأبدية لا بواسطة الآني الزائل، بل بالوصول إلى دوام النبضات عبر شعاع لاينقطع وسيكون هذا الوصول منشرحاً كالزهرة بين يدي الربيع في محاولة لإعادة الدهشة إلى العالم بعد أن عانى أهل العراق الكثير من الآلام والأحزان. وإذا كان الشاعر (شيلر) يصرح بقوله (إنني انتمي إلى قرون قادمة..
    [[article_title_text]]
    إنني أحلم بمستقبل مشرق يبدأ غداً صباحاً) وهكذا نجد الكاتب يستعمل لغة مكثفة سهلة وسلسة تقرع قلوب المتلقين بيسر وشفافية ،دونما ان يتخلى الراوي عن ( الثيما ) في هذا الصراع، مع غرابة وطرافة الطرح بما يثيره من دهشة.. وإذا كانت ملحمة كلكامش تدور حول الحصول على عشبة الخلود التي يعطيها بعداً آخر، إذ يتساءل الروائي بقوله (هل يتوهم العلماء بأن النصوص المسمارية التي توثق فيها للعشبة لم تكن نباتاً بل هي آفة حيوانية، وبدلاً من أن تمنحه الخلود مدى الدهر منحت أرضه الخلود حتى الآن بل مدى الدهر كله!! ص269) ولهذا نجد أن السارد قد استعان بالباراسيكولوجي في محاولة لفك الطلاسم السحرية الغامضة، في العالم اللامرئي والتي تتطلب خبيراً عارفا بالأسرار والغموض الاستثنائي الذي يكتنفها في زمن تقدمت فيه التكنولوجيا كثيراً.. وإذا كان البطل أسعد في شوق صادٍ للالتقاء بالحبيبة التي تسكن في مدينة ليون الجميلة في فرنسا والتي كانت تقترب من الحدود السويسرية، وكنت اسعفني الحظ في زيارتها من قبل، فان البعد المكاني لم يفرق بينهما، وهكذا فقد استعان السارد بالبعد الروحي للالتقاء بالحبيبة، إذ أخبره العم عباس شاه، أن عليك ولغرض الوصول إلى الحبيبة اجتياز ثمانية اختبارات وبأماكن مختلفة للوصول إلى مدينة تأويك! اتضح بعدئذ انها مدينة (ايسكولاس) المُشفّرة، (فكل بقعة عند الشويلي تلتقي بها بمن تحب فبالتأكيد هي جنة لأنها مهدت للقاء الاحباب!) ص302، ولايهمّ ماريا أن تنتمي لأي الديانات أو الطوائف انها (عراقية وكفى!) وهنا يعطينا بعداً انسانياً كبيراً وهو أننا كلنا بشر وكلنا خلق الله تعالى وعلى حد تعبير الإمام علي (الناس صنفان أما أخ لك في الدين، أو نظيرٌ لك في الخلق) مهما اختلفنا في اللون أو الدين أو المذهب. والسارد بعد ذلك يروي لنا بإيقاع مموسق، حيث يردد أسعد (سأستفز كل مشاعرها وأجعلها تخرج الشهد الذي يتغلغل في جوفها.. فأنا النحلة التي تنتقل بين الأزهار لتبحث عن الشهد المخبوء بين طياتها!) في الوقت التي ترد عليه بنفس الهوس العاطفي (أرقص كمخبولةٍ مجنونةٍ على أطراف أصابعي اقتبس خطواتي من بحيرة البجع، تتهادى معي على وجه الماء فتختفي الأماكن وتتلاشى، كل منا يتنفس الآخر.. ربما هكذا سنولد من جديد) وهكذا نجد أن البطلين يتحدثان باللغة ذاتها، وهذا مما يؤخذ على الروائي هيثم الشويلي، إذ يعطي انطباعاً أنه أسلوب السارد نفسه! بينما يتعين أن يكون هناك ثمة فارق أو بعدٍ ما بينهما ثقافياً واجتماعياً في الحوار أو في البعد المعرفي. وإذا كان الشويلي قد استعان بالرقم 8 للوصول إلى هدفه، فان التقدم التقني في الاتصالات تعتمد أساساً على الديجتال الرقمي أيضا، ولكنني لا أدري كيف فاتته الآية (والملَكُ على ارجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية - سورة الحاقة الآية17) فقد اصغيت إلى محاضرة طرحها أحد أعضاء جمعية الباراسايكولوجي التي انتمي إليها، القاها المختص بعلوم الفضاء وهو المهندس (معروف الجلبي) وذلك في نادي العلوية في التسعينات، وشرح أبعاد هذا الرقم 8 ثمانية الذي بنى عليه نظريته وربطها بفيزياء الكون. وإذا كان البطل في ملحمة كلكامش قد استعان بالوصول إلى هدفه عن طريق اجتياز البحور السبعة، فان الروائي حاول اختيار طلاسم الرقم 8 للوصول إلى مبتغاه إلى مدينة (ايسكولاس) ذات الحروف الثمانية أيضاً، وبذلك تأتي الرواية وكأنها ذلك اللغز المُحيّر الذي تدور حوله أحداث هذا الرقم السري وغموضه، لذا فلا غرابة بعد ذاك إذا علمنا ان الحرب العراقية الإيرانية دامت ثماني سنوات وانتهت بذات الرقم المكرر في يوم 8/ 8/ 88، علماً بأن الكاتب يذكرنا أيضاً في سطوره الأخيرة بأنه قد كتب رسائله إلى ماريا حتى وصل بها إلى الرقم 88 أيضاً ومن جديد اتساءل: ما السر الذي يمكن أن يضمه هذا الرقم؟ فهي مجموعة من الألغاز المُحيّرة يطرحها! والتي ابتنيت نظريته على الأرقام للحروف العربية الثماني والعشرين وهي(ابجد هوز) فحرف الألف يمثل الرقم واحد وتتدرج حتى تنتهي بالرقم 1000 الذي يقابله حرف الغين، فان للرقم 19 له أهمية خاصة أيضاً وهي عدد حروف الآية العظيمة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ذات الحروف التي يكمن فيها سر القران بأكمله إذ أن مجموع حروفها تبلغ 19 فالسوّر كلها وما يقابلها من أرقام تقبل القسمة على الرقم 19 بدون باقٍ، كما أن عدد سور القرآن 114 هو الآخر يقبل القسمة على هذا الرقم بدون باقٍ! وهناك بحوث كثيرة حول هذا الموضوع ومنها يتوصل العارفون بالخفايا إلى أسرار رهيبة حول الدول وحكامها وكم سيحكمون إلى غيرها من الأسرار، وعلى أية حال فإنني أردت الإشارة إلى أن القرآن يجيء متكاملاً رقمياً ويذهب الواصلون إلى أن سر البسملة ينحصر في حرف الباء وأن السرّ في حرف الباء يكمن في النقطة، وهي ذات الأبعاد المكتنزة بالعلوم كلها! وقد بادرت بطرح هذا السؤال على العلامة الراحل الدكتور حسين محفوظ في مجلس الخاقاني في التسعينات فأيّد مقولتي تلك.. ولدى الإشارة إلى الأحداث الروائية نجد أن حب ماريا يتسلل إلى قلب أسعد بسرعة الضوء إذ كان قد شاهد صورة عابرة في النت الذي كان يلجأ إليه بعد تعب النهار في الشورجة للتنفيس أو للخلاص من الأوضاع المتأزمة والفضائيات الكثيرة التي تحرض على الفتنة والقتل والدمار! مع توجيه النقد اللاذع للسلطة والجالسين على دفة الحكم بعد الانفجارات التي تهز بغداد بين الحين والآخر، بقوله (إنا نمنحهم أرواحنا مقابل أن يبقوا على كراسيهم).. إلا انّ لدي اعتراضاً حول درج الفصلين (54) و(55) في الخاتمة فاذا كان الأول (54) يتحدث عن سقوط الموصل بيد عصابات صغيرة كما يروي (محمود) قصة نجاته بعد عودته إلى السوق من إحدى المجازر التي ارتكبها الدواعش في مأساة كبرى من مآسي العصر وهي قصة تخاذل بعض الضباط الكبار الذين لم يتخذوا موقفاً للدفاع عن المدينة وهكذا تعرض الناس الابرياء إلى سلسلة من المجازر، حيث يطلق أصحاب اللحى الطويلة رصاصهم العشوائي على المواطنين والناس الغرباء بدم بارد.. أما الفصل الأخير(55) فيسرد لنا الراوي على لسان سامي عن أفعال المتنفذ أرشد وعن فساده الجنسي الشبقي السادي في العهد السابق وكيف كان يلتقط الحسناوات من الجامعات ليبعثهن إلى سيده! عدا واحدة منهن هي (نوال) اختارها لتكون له إذ ولم يكن ليتوانى عن قتل أي انسان يعترض طريقه؟ وبعد سقوط النظام اختفى هو وموائد الملذات فقررت (نوال) الفرار إلى عَمَان والانضمام إلى مجتمع المومسات وكم كانت دهشتها كبيرة حين رأت زوجها أحمد الذي ادعوا بأنه قد قتل في معركة (نهر جاسم) ها هو أمامها تحت مسمى جديد هو (أسعد) ثم لتعود بعدها (نوال) إلى العراق لتكون على مقربة من رجل متنفذ بالدولة إذ كانت هي المدير والمنفذ لجعل إحدى البارات ليكون وكراً للإرهابيين المدعومين بالمال والسلاح وتهريب الفتيات الصغيرات وبيعهن لزوجها السابق.. ولكنها ومن معها كانوا تحت رقابة الأمن المحلي حيث تم تطويقهم! أقول كنت اتمنى على الكاتب أن يكون مضمون هذين الفصلين المؤلمين على شكل حوارات بين الأبطال في ثنايا الرواية، إذ يبدو وكأنهما شبه معزولين عن حبكة وأحداث الرواية!! وإذا عدنا إلى ثيمة الرواية نجد أن أسعد يوفق وهو في بحثه الدائب عن صاحبة الوجه المشرق جاهداً للتعرف عليها والاتصال بصاحبته التي تكشف عن نصف وجهها وهنا تأتي المفاجأة الصادمة حينما تكشف له عن النصف الثاني من الوجه، الذي كان مُتيّبساً بلا رونق، فتختفي ماريا لأيام في محاولة لترميم كبريائها.. ثم يقرر أسعد العودة إليها مهما كانت حالتها! وقد ربط الشويلي ربطاً جميلاً بين أحداث الرواية وبين التراث الخالد الذي تركه لنا الأجداد في حضارتي سومر وبابل.. حيث يتعين عليه القيام بمراسيم طقوس الأعمال الروحانية ففي الحالة السابعة عليه العمل على إطلاق سراح ثمانية من الجن كانوا قد سجنوا في بئر مع الملكين هاروت وماروت في بابل وفي معبد (ننماخ) حيث كان يتعين رمي المخطوطة التي اعدت لهذا الشأن في تلك البئر، وما ان ألقاها حتى سمع صراخاً يشق أذنيه أشبه برعد في ليلة عاصفة ممطرة! بعد أن رأى ناراً كبيرة تخرج للأعلى ولها دوي كانفجار قوي.. وهكذا بعد أن أنجز طقوس المخطوطة السابعة لم يتبق أمامه سوى المخطوطة الثامنة، ويظل البطل أسعد يبحث عن حبه الافتراضي عبر شاشات الحواسيب عن محبوبته الجميلة التي يعد لها العدة للالتقاء بها روحياً بعد أن يتم الغاء العنصرين المهمين في الحياة (الزمان والمكان)، الزمان.. حين يلتقيان بطرفة أمدها ثلاث من الثواني حينما يعدّان في وقت واحد من واحد إلى ثلاثة! مثل الذي عنده علم من الكتاب، اما الغاء المكان وذلك حينما يخترقان الحجب ليلتقي بها في الجنة الموعودة في مكان ما من هذه الدنيا، والتي تغدق عليهما بالياقوت والزمرد وأحجار اللازورد وليروا ( مالا رأت لهم عين ولا سمعت به أذن ولا خطر على قلب بشر!) كما هي حقيقة الجنة الربانية التي سيؤمها الصالحون، وبعد أن يقوم بإتمام الطقس الثامن الأصعب في (تل جوخا) مدينة أوما السومرية في ذي قار حيث يشير له رزاق بإصبعه نحو تل ترابي فوق الأرض ليقول له (هنا كان الملك – لوكال زاكيزي – ملكاً على العالم، تحت هذه التلال الترابية كانت امبراطورية كبرى لأساس الكون كله!) وكأنه كان يتحسر على ملكٍ ضائع! حيث كانت الطقوس تتطلب فخذاً لشاة ووعاء فيه لبن الأبقار ليضعها في آنية فخارية لتحقيق المبتغى السحري والحلم السرمدي بلقاء من يحب حتى ولو في عالم الأحلام وعبر دنيا الخيال! لتظهر له آفة لها شكل غريب أكبر من الكلب لكنه مخيف! وما أن أتمّ المراسيم بترديد الآية (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) حتى رأى مدينة ولا في الحسبان أو الخيال ليرى كنوزاً وذهباً ومجوهرات تملا المدينة وممرات من المرمر الأخضر ورخامات بيضاء وعبارات على شكل مخطوطات مسمارية، وأخيراً حصل على الصندوق الذي لايفتح إلا بترديد كلمة السرّ وهي الآية (ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدىً ورحمة لقوم يؤمنون) ليجد في داخله الورقة والعظم الأصفر القديم للهدهد، وما ان أحرق الورقة حتى شاهد الجن الثمانية الذين كان قد حررهم من البئر إذ تقدموا نحوه ليعلنوا أنفسهم له ويشكروه لأنه حررهم ودفع له الجني (مآزر) بقصاصة ورق صغيرة تحمل عطراً لم يشممه طوال حياته وقال له (خذها واحتفظ بها، فبها اسم المدينة الأعظم) اسم مكون من ثمانية حروف.. وفي طريق عودته كان يردد عما رآه في مدينة جوخا! كان يفكر في ماريا التي تركت له رسائل كثيرة ورد في بعضها (هل تعلم إني أراك أمامي فعلاً /نتبادل الشراب / لك كأس ولي كأس/ كاشفة عن صليب يحتضنه نهدي/ كلما تشتهيه أغرس مخالبك به/ ليتفجر ويتقد الكون بالضياء/ لقد أرهقني الصد وكسرني الزمن/ تراني أرسم ابتسامة فوق تلال مبسمي/ ماذا ستفعل لو اقتربت/ ما الذي يضمره قلبك نحوي/ ليتني استطيع الوصول اليك!) وهكذا يكون قد سعى للوصول لهذا الإقتراب عن طريق الطلاسم فما أن يقوما في وقت واحد بعدّ الأرقام: واحد اثنان ثلاثة، حتى يكونا بعالم غريب ومدينة لايستطيع وصفها الناظر إليها كتب على بوابتها (ايسكولاس) ادخلوها بسلام آمنين وهكذا يصف لنا أسعد ما رآه (كانت ماريا بالقرب مني وذهلت وأنا أراها على غير عادتها لكني رأيتها قطعة من جمال وهي تحدق بي تحاول أن تتحسس جبهتي وأنا أشعر بنعومة أناملها تمر على جبيني؟) وهكذا ستكون هذه المدينة هي المأوى الذي يلجآن إليه في كل ليلة بلا حواسيب ولا كتابة ولا استخدام الكاميرا ويعودان للواقع بتعداد نفس الأرقام، ويسرد أسعد للعم عباس ما رآه في تلك الجنة المزعومة وهكذا تتكرر اللقاءات بين الحبيبين حتى ان أسعد أخذ يغني لها (تلك التي على أعتاب شفتيها يسجد القلب/ لذاك القابع خلف الضلوع) بعد أن ترك أغاني فيروز التي كان كلا منهما مغرماً بها؟ وهكذا يظل يروي لنا هيثم الشويلي برومانسيته المتوهجة (لاتخافي، سأضمك إلى صدري ستشعرين بالحرارة الآن، لن تبردي، فحرارة قلبي المشتعلة بحبك ستكون موقداً يبث الدفء ليبدد البرد عنك، هيا تعالي واقتربي أريد الالتصاق بك حدّ الجنون) ويمر عام كامل كانا فيه لايستطيب لهما النوم إلا بعد أن يلتقيا بهذه المدينة المضاءة بالمسرّات والحب والجمال يتمازحان ويلعبان وأحياناً تسرقهما المتعة فيتأخران في العودة إلى دورهما؟ إذا كانا يتنقلان بين الأبواب الثمانية لكن الذي شد إنتباه أسعد هو العام 2051 إذ شغلته هذه النبوءة لذا فقد احتفظ بالسر لوحده وتساءل (هل ستعود عشتار لعالمها السفلي.. هل سنعود إلى الخصب والانعتاق والانبعاث مرة أخرى، أم سنتجه كلنا إلى العالم السفلي من دون أن نعي حقيقتنا المرة؟) وهنا تطرح ماريا اسئلتها المتلاحقة: أي انحطاط وصل إليه الجنس البشري؟ هل الجنة لهؤلاء حقاً للذين يجزون رقاب الناس بغير شفقة أو رحمة؟ أليس الله هو الرحمة بعينها على أي أساس يفسر هؤلاء رحمة الله.. لقد بتّ اشمئز من الجنس البشري قاطبة.. وهكذا أخذت تبكي حتى وهي في (ايسكولاس) وطلبت من رفيقها أسعد (هيا نعد لا أريد البقاء.. أتمنى أن أختفى عن هذا العالم عن كل شيء بتّ أكره نفسي؟ هل يستحق العراق كل هذا؟) وهكذا اختفت ماريا فجأة دون سابق إنذار، لذا لم يعد يؤنس وحشة أسعد غير صوت ديك أم محمد وهو يصيح بصوته عند الغبش؟ وهكذا تمر الشهور تعقبها أخرى فلا شيء بالكون يساوي لحظة تمرد من عين ماريا.. فكان يركض كمخبول، فهجر المدينة الفاضلة (ايسكولاس) لأنها باتت موحشة بدون ماريا وبات حبيساً بين الجدران الأربعة وأخذ يكتب لها رسائل حزن عوضاً عن رسائل الحب إلى أن وصلت إلى الرقم 88 وكان يردد: أين أنت ياماريا.. ليتك تسمعين همسي وبكائي.. ماكنت أتصور أن ساعات الفراق مؤلمة لهذه الدرجة.. فما من شيء يعيد رونقي سوى عينيك.. وفي يوم من الأيام حدث مالم يكن في الحسبان ما لم أتوقعه وأنا أفتش في صفحتها كنت اقرأ وأبكي.. أمي كانت تحتضني وتبكي هي الأخرى لاتعرف سر بكائي لأنني لم أصدق وقتها ما رأيت! وهكذا تأتي نهاية الرواية غامضة ومفتوحة لكل الاحتمالات!.


    الناقد حسن حافظ
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media