مَقامات الأربعاء (2) المقامة الثانية!!
    الأربعاء 18 يناير / كانون الثاني 2017 - 17:20
    د. صادق السامرائي
    حدّثنا يحيى بن حيّان وقال: تدحرجت الأيام , يحدوها إضطرام , فوق سفوحٍ تعبّدها الآلام , ويتسلقها إحتدام.
    ومضت إلى وديانٍ من النيران , تتراكم فيها الويلات بالأحضان , فيرتعب منها كل مخلوق وإنسان , وتغيب الآثار والصور في الأطيان , وتنطق بلسان حالها الأشجان , وتحدّث عن أهوالها البالغة العنان.
    فتداهمت العواصف الهوجاء , وتناهبت الأرجاء , وغابت السماء عن بصر الأحياء.

    وقال منبها : " واغنم من الحاضر لذاته...فليس في طبع الليالي الأمان"!!

    وحدثنا عن زمن كان فيه الإنسان يحترم الإنسان , في بلدٍ يشيع فيه الخير والأمن والأمان , وترفرف  عليه السعادة ويغمره جميل الإطمئنان.
    لكن الزمان يتغير بتبدل السلطان , والله له في كل يوم شان , وكل مَن عليها فان.

    "وما تدري نفسٌ بأي أرضٍ تموت" (لقمان: 34)

    "وما الأرض  إلا مثلنا الرزق تبتغي
    فتأكل من هذا الأنامِ وتشربُ"

    فالدنيا دولاب أحزان , وناعور خسران..

    "ومَن عاش مات , ومَن مات فات , وكل ما هو آتٍ آت"

    "وإذا المنيّة أنشبت أظفارها
    ألفيتَ كلّ تميمةٍ لا تنفعُ"

    "وما المال والأهلون إلا ودائعٌ
    ولا بدّ يوما أنْ تردَّ الودائعُ"

    لكن الناس لا يعتبرون , وبالضلال يعمهون , وعلى سطوح الآثمات يتدحرجون.

    "فما أكثر العِبَر وأقل الإعتبار"

    فتراهم يقاتلون بعضهم , ويهضمون حقوقهم , ويغمطون دَوْرهم , ويستثمرون في شرهم.
    فخيرهم مجحود , وظلمهم موعود , وبعضهم موقود , كأنهم وحوش تفترس الموجود وترغّب بالصدود.

    فالويل من الإنسان , فالسوء حصان , والحكيم مُستهان , والسفيه صاحب التيجان , والعالِم هربان , والدين قال فلان وأفتى علان , والدنيا تتقلب فوق النيران , والناس دجاج وصيصان , والحاكم بأمر الآخرين , يصول في حلبات الخانعين , عبدٌ يقود المُستعبَدين , ويرهنهم بالمُهين.
     زمنٌ الدين فيه عجين , تصنع منه ما تريده من الأفانين , وتغرر بها ملايين المساكين , وتأخذهم إلى جحيمات الأنين , وتسفح أرواحهم ودماءهم على رمال الأفك المبين!!

    وختم يحيى بن حيان مقامته بقوله: " إني وجدت الأمر أرشده...تقوى الإلهِ , وشرّهُ الإثمُ"
    فقلت: وهل نحن في زمانٍ إختلط فيه معنى التقوى بمعنى الإثم؟!!
    لكنه حدّجني مندهشا وأخذني إلى مقامة أخرى...!!


    د-صادق السامرائي


    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media