ضوء أخضر ولعبة حمراء!!
    الجمعة 6 أكتوبر / تشرين الأول 2017 - 16:42
    د. صادق السامرائي
    من الثوابت الفاعلة في المنطقة على مدى القرن العشرين ولا تزال في ذروتها وفعالياتها الحامية , أن كل حدث وتفاعل لا يمكنه أن يكون من غير ضوء أخضر من القِوى المُتحكمة بالمنطقة ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى.
    فالحروب والإنقلابات والثورات والصراعات ما بين دول المنطقة , وحتى القوانين الصادرة من الحكومات لا يمكنها أن تكون من غير ضوء أخضر.
    قد يعترض البعض على هذه الحقيقة الدامغة , لكنه لا يستطيع أن يفندها أو يدحضها.
    والثابت الآخر هو أن تمضي المنطقة على سكة الصراعات الدامية وينشغل أهلها ببعضهم ,  لكي لا يفكروا بمصالحهم وما يساهم في تقدمهم ورفاهيتهم , وبهذا يتحقق نهب ثرواتهم النفطية وغيرها من مكنونات أرضهم وتأريخهم.
    والثابت الفعال الذي يتم الإستثمار فيه بنجاح باهر وفائق هو الدين , الذي يعني تشكيل الأحزاب المتقنعة بالدين وإستعباد الناس بالدين , ووضع المنطقة على صفيح صراعات طائفية لا نهاية لها , وإنما ستتطور وتتعمق وتحفر حدود وجودها بالدم , فالمنطقة تحققت بالدين وسيتم تدميرها بالدين.
    ومنذ ألف وتسعمائة وتسعة وسبعون وحتى اليوم المنطقة في غليان وفوران وأجيج وإستعار منقطع النظير , لا يعرف الهدوء أو الإستكانة والرجوع إلى الحكمة والعقل , وإنما هي العواطف والإنفعالات الأجاجة الهوجاء التي تحقق العماء الإدراكي المطلق.
    كما أن إشاعة الخراب والدمار والأحزان ثابت مقيم لا يسمح بالبناء والفرح والسعادة , لأن ذلك من الممنوعات التي تواجهها أضواء حمراء.
    ووفقا لهذا فأن المنطقة قد دخلت في حرب طويلة ما بين العراق وإيران , وكانت حربا تُدار من قبل الآخرين , والطرفان فيها بيادق لتمرير اللعبة المريرة التي نعيش فصولها , وما أن إنتهت تلك اللعبة حتى دخلت المنطقة في لعبة أخرى اوجدت لعبا وألعابا وميادين هلاك دوّارة , فمن أهم اركان اللعبة أن يبتلع اللاحق سابقه , وأن يُلقي بتبعية ما يقوم به على سابقه , الذي تم محقه وإلغاؤه من الذاكرة بإزالة وتدمير ما يشير إليه من معالم وشواهد , ولهذا يتكرر تداول مصطلح الحكم أو النظام السابق , وتدويره على إسطوانة مشروخة لا تتوقف , حتى يتحول الحكم القائم إلى سابق وهكذا دواليك.
    فالمنطقة في دوامة إنطماسية , تطمس فيها الأحداث بعضها بعضا لأنها تزداد جسامة وفداحة مع الأيام , ولهذا وصلت بعض دول المنطقة إلى ما وصلت إليه من الحروب الداخلية المبرمجة , القاضية بالتفتيت والإنقسام ومصادرة الأمل وإشاعة اليأس والقنوط والتبعية والإنكسار والإستسلام.
    فالأحداث اللاحقة تنسينا الأحداث السابقة , وتجعلها أمنية وغاية , فما كنت فيه أرحم مما أنت فيه , وهذا قانون عجيب ومتوحش يسري في أرجاء المنطقة بعنفوان رهيب.
    وبعد أن مُحقت العديد من المدن , ودمرت الموصل وتشرد أهلها وقتل عشرات الآلاف منهم وإندفنوا تحت أنقاض بيوتهم , ولا تزال رائحة الدماء والجثث تعصف في المكان , تقرر إعطاء الضوء الأخضر للعبة جديدة تنسينا مآسي وجرائم وآثام وخطايا الموصل , وما حل بأهلها وما أصابها من الدمار الشديد.
    فجاءت لعبة الإستفتاء في المناطق الكردية لتذكي أجيجا سيطغى على كل أجيج سابق وسيأخذ العراق إلى وعيد جديد , ولا يمكن القول بأنه تعبير عن إرادة حرة , لأن توقيته وآليات إخراجه فيها الكثير مما يطرح  تساؤلات , فكأنه مرتب لإثارة العدوان ضد الأخوة الأكراد , فهو يؤلب العرب والمسلمين ضد شعب مسلم طيب عريق , ليسوّغ ما يُحاك من إجراءات عدوانية وتدميرية.
    ووفقا للثوابت المذكورة أعلاه فأن هناك أضواء خضراء عديدة قد أعطيت للإنزلاق إلى الهاوية , وتبرير الإنقضاض والتدمير والخراب الذي سيكون حتما ومن عدة جهات.
    ويبدو أن تركيا قد أشارت إلى اللعبة في خطابات وتصريحات , لكنها ربما ستجد نفسها مرغمة على المشاركة بالعدوان على الشعب الكردي , الذي يريدون تدمير مدنه وتشريد أهله في الدنيا كما حصل لمعظم الناس المطلوب قتلهم وتهجيرهم وتدمير مدنهم وتوطين ما هو مرسوم فيها.
    ويبدو أيضا أن الأخوة الأكراد قد تم تغريرهم وخداعهم وتضليلهم بأن القوى الكبرى ستوافق على ما يريدون , وأن هناك لوبيات في هذه الدولة أو تلك تعمل لإستصدار قوانين مساندة لهم , وهذا أسلوب معهود ومن أهم أركان اللعبة التدميرية المروعة.
    فاللعبة تقضي بأن يتحقق في السليمانية وأربيل ودهوك الدمار والخراب , وهو الذي تعمل عليه القوى المستعدة للتنفيذ والإنجاز التدميري الكبير , فتحتفل بنصرها وتتناسى آلام الناس مادام الجميع ممهور بوصمة إستباحة حياته وما يتصل به من حقوق وممتلكات.
    فلماذا إنزلق الأخوة الأكراد إلى هذه اللعبة الخطيرة؟!
    إن بغداد لا خيار عندها إلا أن تمضي وفقا للضوء الأخضر الذي يجبرها أن تقوم بما يسمح به وحسب , ولهذا فأن هذا اللون من المسميات المعروفة التي أوجدها أصحابه المتحكمون بتوقيتات إضاءته.
    ومن الصعب أن تجد مخرجا مُرضيا من  المنزلق المُدبر الذي تم دفع الأخوة الأكراد إليه , وتمرير قواعد اللعبة اللازمة للإبادة والتدمير والتهجير والتخريب المرير , بحجج واهية وتصورات هائجة حمقاء ذات تداعيات فتاكة.
    فالأخوة الأكراد لديهم حقوق لا مثيل لها في دول الجوار , فلماذا إندفعوا نحو ما لا تحمد عقباه , ويمكنهم أن ينالوا ما يريدونه بآليات أخرى كثيرة , بحكمة وعقلانية وصبر وأناة وموضوعية وروح أخوية ذات معاني حضارية , فلا يوجد مَن يحب الأكراد أكثر من أخوتهم العرب , ولا يوجد مَن يعتز بهم أكثر من العرب , فالأخوّة العربية الكردية من أروع ما يمكن أن تكون عليه أخوّة وألفة ومحبة.
    إن الخشية على الأخوة الأكراد من وعيد مرسوم وخطة موضوعة لإذاقتهم المرير والعسير يبدو في الأفق الواعي الحليم , وأملنا أن تسترشد القيادات بما يجري من حولها , وتتباحث في آليات حكيمة مُحكمة لإخراج الموقف من مأزقه العقيم , فالتدمير والتهجير هو الهدف , فأدركوا يا أولي الألباب والنهى السديد والرأي القويم!!
    ترى , ألا يكفي البلاد والعباد خرابا ودمارا ودموعا ودماءً وتهجيرا!!!
    وإنها لورقة أخرى من أوراق اللعبة الكبرى!!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media