سجناء الرأي في ظل الأنظمة الشمولية
    الخميس 12 أكتوبر / تشرين الأول 2017 - 06:04
    غيداء جمال
    مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
     بات الحلم بوطن حر ومنابر تقام لإعلاء صوت الوطنيين المناديين بالحق والحرية والقضاء على الفساد، في مفاصل الدولة وأروقة الحكم، لرسم غد مشرق وإدراك أمل مفعم بالرفعة والتقدم، جريمة يعاقب عليها قانون الحاكم وحاشيته، لينتج عن هذا السيناريو المتكرر على مدى العصور، مسرحية عنوانها محاكمة أصحاب الرأي على جريمة الفكر الحر، لكن بتوصيفات مختلفة منها، (التآمر، خيانة الوطن، العمالة، التجاوز على رموز الدولة وأصحاب السيادة وغير ذلك كثير). 
    وتنعقد تلك المحاكم بإشراف قضاة مجندين لخدمة السلطة وزبانيتها، ودع عنك إجراءات هذه المحاكمة فإنها تدمي القلوب وتؤذي المشاعر وتطمس آخر معالم الحقوق المثبتة في المواثيق الوطنية والدولية، ومهما يكون الحكم الصادر في نهاية جلسات المحاكمة، فانه يصب في نتيجته ومبتغاه في دائرة الإجهاز على قدرة هذا الصوت الحر في مجال المطالبة بالحقوق لتطمين الحاكم والسهر على ضمان شرعيته واستمراره في الحكم.
     تعددت مفاهيم وتسميات سجين الرأي بين القوانين الوطنية والدولية، فهو السجين السياسي او المعتقل السياسي او سجين الرأي، فتارة عرفوا السجين السياسي هو (من اعتقل في أي مكان بسبب معتقداته السياسية او الدينية، او أيه معتقدات نابعة من ضميره، او بسبب أصله العرقي، او جنسه، او لونه او لغته او وضعه الاجتماعي او الاقتصادي، دون استخدامه إلى العنف او دعوته إلى استخدامه).
    وفي موضع آخر عرفوا السجين السياسي بأنه (من يعتقل بسبب آرائه او معتقداته الموجهة ضد السلطة الحاكمة في بلده او تعاطف مع معارضين السلطة او قدم المساعدة لهم)، وقد تبنى (قانون مؤسسة السجناء السياسيين) ذي الرقم (4لعام 2006) في العراق هذا التعريف للسجين السياسي العراقي في المادة(5) مع إضافة جملة (ضد النظام البائد)، فالعراق من الدول التي ابتليت بطائفة من الحكام على شاكلة هؤلاء المستبدين، الذين لم يجيدوا من فنون الحكم غير استعباد الرعية وإسكات الأصوات الحرة فيها، عبر قوانين وآليات ما انزل الله بها من سلطان.
     ومن ذلك نذكر حكم البعث الفاسد الذي اغتصب من حقوق هذا الشعب المظلوم ما اغتصب وسار على سنة الظالمين في الانقضاض على الأحرار في هذا الوطن الجريح، في سبيل إدامة حكمه وإحكام قبضته، فاختلاف التسميات وتقارب او تباعد التعاريف في الفقه القانوني والقوانين الوطنية والدولية في تشخيص سجين الرأي لا يشكل اختلاف حول حقيقته، فهو شخص خالف السلطة الحاكمة وسار خلف ضميره.
     سجين الرأي مناضل منادي بالحريات العامة ومطالب بالعدالة الاجتماعية وهو صاحب نشاط سياسي واضح وضوح الشمس للعيان، او قد يمارسه تحت أجنحة الظلام هربا من خفافيش الحكم، ولا يشترط بان يكون السجين السياسي مخالف للفكر الحاكم بل موافقا له مع اعتراضه على أيقونة الفساد المرافقة له فيقوم بدوره بإيقاظ الحس الوطني لدى بعض الفئات للمواجهة المباشرة او غير المباشرة، ليصطدم بالتصدي المعاكس لأفكاره من قبل العيون الأمنية والاستخباراتية الفاسدة للدولة، لتبدأ نهاية حرية الطائر المناضل.
     وأول الطريق لاصطياد الطائر الحر من قبل السلطات يكون بوضعه تحت مرقاب الأجهزة الأمنية على اختلاف مسمياتها، لإلتقاط ما يصدر عنه من قول او فعل قد ينطوي على تهديد للنظام والإخلال بأمنه المزعوم، فجريمته النكراء عشق الوطن ومعارضة النظام الفاسد، ثم يأتي الأمر باعتقاله، وبلحظة خاطفة لا تعد من الزمن يتم اعتقال (خائن الوطن) من بين أهله وذويه، او من مكان عمله أمام أنظار زملائه وهو مكبل بالأصفاد ومصحوب بأشنع التهم والشتائم والألفاظ، والمتهم يسال بأي ذنب تحتجزونني ؟ ما هي تهمتي؟ أين أمر إلقاء القبض القضائي؟
     ولكن أسئلته تدور في حلقة مفرغة ما من مجيب عنها، ألا يوجد في بلدي قانون، ألا يعترف موطني بان المتهم برئ إلى ان تثبت إدانته، وهذه قاعدة قانونية دولية وليست خاصة ببلد معين، ألم تذكر المادة (14) للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية النافذ سنه(1976) (عدم جواز إلقاء القبض على أي شخص واحتجازه إلا بموجب القانون)، ولا يعينه في وقته العصيب قانون بلده الذي يذكر في صلب مواده على قانونية تجريم الأفعال كما في قانون العقوبات العراقي رقم (11 لسنة 1969في المادة(1) التي أكدت على قانونية الجرائم وان لا عقاب على فعل او امتناع الا بناء على قانون، فتمنع إلقاء القبض على اي مواطن دون أدلة على تهمته؟ حتى الدستور الفلسطيني نصت مادته (37) على حق المواطن الفلسطيني بحرية التعبير عن رأيه ومنعت من احتجاز اي شخص دون فعل إجرامي مسبق، فكيف يحتجز أيام وليال لا يستطيع عدها لمرورها دون ان يعلم نهارها من ليلها، دون ان يعلم مكان احتجازه أين ولماذا، ومن أمر بذلك؟ كل تلك الحقوق سلبت من (السجين السياسي) في عمليه اعتقاله ثم ليحول بعد التلاعب بأعصابه وإيصاله إلى حالة أشبه بالجنون من التفكير والتساؤلات التي مرت بباله عن مصيره ومصير أهله المجهول، إلى التحقيق غير القانوني بعد فترة غير قصيرة من الاعتقال قد تمتد أشهر لا تعد ليحرم من حق آخر من حقوقه القانونية التي نصت عليها قوانين وطنه المحمي بسيف الجلاد، والمواثيق والمعاهدات الدولية الغائبة الحاضرة.
    وفي مرحلة التحقيق التي تفتقر هي الأخرى إلى الحقوق المذكورة للسجين سواء في المواثيق والمعاهدات الدولية او في الدساتير والقوانين الداخلية للدول، ابتداء من تعريف المتهم بجريمته انتهاء بالمحاكمة العادلة المنشودة، ففي (الفقرة الثانية/ المادة التاسعة من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) التي نصت على وجوب تبليغ اي شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف وبالتهم الموجهة اليه، ولم تفرق المادة المذكورة بين سجين و سجين، فهي لم تستثني سجين الرأي من ذلك، فهو له الحق كل الحق بمعرفة أسباب اعتقاله والتهم المزعوم قيامه بها.
    وفي هذه المرحلة قد يتعرض سجين الرأي إلى اشد انواع التعذيب والتنكيل، من بينها ارغامه على توقيع على محاضر الاتهام دون قراءتها، او استعمال طرق للاستنطاق مخالفة للشرع والعرف والقانون، وتستخدم أساليب وحشية احيانا كثيرة يعجز اللسان عن وصفها، ليتبرأ منها الشيطان ذاته لقسوتها والحط من كرامة الإنسان، فكم شهدت المعتقلات والسجون على مر السنين أنواع من التعذيب كل طاغية يستقدم ممن سبقوه الوان التعذيب او يستحدث فنون جديدة، كاستخدام الصدمات الكهربائية، والجلد ووضعه بأوضاع ملتوية وضرب الأقدام وتهديده باغتصاب زوجته وبناته او أخواته او حتى أمه أمام عينيه، ونشر الملح على جراحه وغيرها من الأساليب غير الإنسانية، التي لا تعد ولا تحصى.
     وقد تخلت عنه في هذه المرحلة المواثيق الدولية التي حرصت على الحفاظ على كرامة الإنسان، حتى في اشد أوقات إجرامه، ومنها ما نصت عليه المادة (العاشرة) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (بـأن يعامل جميع المحرومين من حرياتهم معاملة إنسانية تحترم الكرامة الأصلية في الشخص الإنساني)، وهو ما أكده المبدأ الأول من مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز او السجن لعام 1988، بمعاملة جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز او السجن معاملة إنسانية، وهو ما ينطبق شكلا ومضمونا على سجين الرأي، وحتى الأهل والأقارب والأصدقاء لا يسلمون من هذا العذاب فيتم اعتقال اقرب المقربين كورقة تهديد للمعتقل لإجباره على الاعتراف وإذلاله في شرفه وكرامته، ويستمر التحقيق معه إلى فترات طويلة كل دقيقة تمر فيها تعادل سنة من عمر البشر لطولها ومقتها.
    أما لو تحدثنا عن السجون وأماكن الاعتقالات التي يقبع فيها المعتقلين السياسيين فاقل ما يمكن تشبيهها بالمقبرة الجماعية لبقايا بشر، وهي بعيدة كل البعد عن أنظار الرقابة الدولية ومعزولة في أماكن استخباراتية قد تكون تحت الأرض، فتفقر إلى أماكن للتهوية وذات رطوبة عالية مما تسبب بأمراض فتكت بأجساد الكثيرين من المعتقلين وأدت إلى وفاتهم، كالسل الرئوي، ومرض الكبد الوبائي، وأضف إلى ذلك وجود أعداد كبيرة منهم في غرفة صغيرة قد يصل عددهم إلى 30 معتقل في غرفة تسع ل8 فقط، فأي وضع ينامون فيه واي وضع للوقوف ؟ وغير ذلك من الانتهاكات كمنع زيارات الأهل لهم ومنعهم نهائيا من الاتصال بالعالم الخارجي، ومنع الرعاية الصحية عن الكثير من المصابين والمرضى منهم كنوع من العقاب ليقضوا أيامهم الأخيرة بين الألم التعذيب والألم المرض.
    وفي كل هذه المراحل من بداية الاعتقال إلى الحجز يحرم سجين الرأي من توكيل هيئة دفاع له، فكل إنسان له الحق بالدفاع عن نفسه وتوكيل محامي يتحدث بلسان حاله ويمده بالقوة القانونية التي يحتج بها على خصومه ويدافع عنه باسم القانون أمام رجال القانون، وذلك ما أكدته المادة (السابعة) من المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن دور المحاميين بقولها (تكفل الحكومات لجميع الأشخاص المقبوض عليهم أو المحتجزين بتهمة جنائية او بدون تهمة جنائية إمكانية الاستعانة بمحام فورا وبأي حال خلال مهلة لا تزيد عن (48) ساعة من وقت القبض عليهم او احتجازهم)، وله الحق بان يقابل محاميه ويشرح له الموقف وكيف تم إلقاء القبض عليه، وبمرأى من الجهة الخاصة بالحجز ولكن دون مسمع منها.
     ولكنه حق آخر وئد أمام أنظاره وعلى مسامعه، فكيف له بان يلتقي بمحاميه وهو في حالة يرثى لها؟ من سيسمح له بكشف أساليب السلطة بالتحقيق مع (خونة الوطن)، وأين ومتى سيقوم بتوكيل محامي له وهو لا يرى من العالم الخارجي سوى طرقات ممر التعذيب الذي يساق إليه وهو ذاهب إلى غرفة التحقيق او وهو عائد منها منهك القوى لا يعي ما يدور حوله من شدة الضغط والتهديد والتعذيب، فهذه الميزة لا يحصل عليها كل السجناء السياسيين وإنما قد تكون منحة نادرة أحيانا لهم، وفي بعض الدول المتمسكة بأذيال ثوب الديمقراطية، ولكن بعد عناء وبقرب وقت المحاكمة، فتقوم المحكمة بانتداب محامي للدفاع عنه، او يسمح له بتوكيل محامي، او قد يقوم بعض المحامين بالدفاع عنه تطوعا أما لإيمانهم بآرائه فهو بنظرهم بطل قومي، او أحيانا تكون لطلب الشهرة، إذا قدم المتهم إلى المحاكمة، فقد تمر سنين طوال يقضيها سجين الرأي محبوس الفكر والجسد بين قضبان المعتقلات دون تقديمه إلى المحاكمة.
    وبعد فترة تطول او تقصر يصل سجين الرأي إلى آخر محطات العذاب التي تتمثل بالمحاكمة، والتي من المفترض تكون عادلة، وهي ليس آخر حقوق سجين الرأي بل أهمها، كما بينت ذلك المادة (العاشرة) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فيجب ان يعرض المتهم أمام محكمة قضائية منعقدة بشكل قانوني، واهم شرط فيها بان تكون مستقلة وغير مسيسة او متحيزة لجهة ما، وعدم الإبطاء بإحالة المتهم إلى المحاكمة ضمان لحقه وحفاظ على حريته وأمنه حسب المعايير الدولية التي أقرتها المادة (الثالثة) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
     ولكن مَنٍ من السجناء السياسيين قد أغدق عليه هذا الكرم؟ وعند مثوله أمام المحكمة التي غالبا ما تكون مجندة من قبل السلطة ومؤتمرة بأمرها، وهي محكمة غير شرعية (استثنائية) لا تتقيد بالمعايير الدنيا للمحاكمات العادلة فتنشئ بظروف استثنائية يساق المتهم (سجين الرأي) مكبل بالأصفاد مهان أمام أنظار الجميع اذا حالفه الحظ وكانت المحاكمة كما يجب ان تكون علنية، (وغالبا ما تكون سرية) وبين هيئة الدفاع والمدعي بالحق العام وبين القضاة الذين يكونون قد اتخذوا القرار مسبقا تدور عيون المتهم لترصد كل كلمة تخرج من أفواههم لعلها تنطق ببراءته ويسعد بخروجه من هذه الدوامة، لكم الكلمة التي قد تنطق بها شفاه القاضي لا تتعدى إحدى الجملتين (حكم بالسجن المؤبد او الإعدام)، فلا يتوقف الأمر على الاحتجاز دون أمر قانوني او التحقيق المصاحب للتعذيب بل حكم ظالم يفقده حريته وحياته إلى الأبد.
    السجين السياسي، سجين من (نوع خاص) يهدد امن الوطن ويزعزع كيانه وأمنه في منظور السلطة الحاكمة، لكنه بشر ومواطن جريمته هي (عشق وطنه) ويا لها من جريمة؟! لتجعله يتعرض إلى الانتهاكات اللا إنسانية، فهو يعتقل دون أمر قضائي، ويحتجز دون مبرر قانوني، يحرم من زيارة عائلته، ويمنع من توكيل محامي للدفاع عنه، ويحتجز في أماكن لا تمت للإنسانية والبشرية بصلة ويتعرض للإهانة النفسية والجسدية أثناء اعتقاله، ويحرم من محاكمة عادلة أمام محكمة مستقلة وقانونية، والكثير من الانتهاكات الأخرى لتحرمه من حقوقه.
    ولكي لا تبقى قلوب عاشقي الوطن مكبوتة بحبهم وحقهم بإعلانه للملأ؟ ولكونها ليست بجريمة يعاقب عليها القانون ولتحيا الشعوب بحب أوطانها وتعبر عنه، نوصي بـ:
    1) إصدار قانون في جميع الدساتير بحرية التعبير عن الرأي ومراقبة تنفيذ هذا القانون دوليا من قبل المنظمات الدولية الخاصة بحقوق والحريات.
    2) مراقبة دورية من قبل منظمات حقوق الإنسان للسجون، والإشراف عليها وفق المعايير الدولية.
    3) إصدار قانون باستقلال المحاكم وإخضاعها للمراقبة الدولية. 
    4) واعتبار اي دولة مخالفة لقانون حرية التعبير عن الرأي دولة دكتاتورية من الطراز الأول ويجب خضوع سلطاتها للمحاسبة الدولية.
    .....................................
    ** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2017
    هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
    هـ/7712421188+964
    http://ademrights.org
    ademrights@gmail.com
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media