الشراكة في أمور الحرب والسلم بين العرب
    الثلاثاء 17 أكتوبر / تشرين الأول 2017 - 13:40
    د. زهير الخويلدي
    كاتب فلسفي
    "الغرب الامبريالي هو الذي عرقل نمو المجتمع المدني في الأقطار العربية"1[1]
    لم يتفق العرب على عكس الحد المطلوب في الترشيحات الخاصة بتمثيل دولهم في المنظمات العالمية في الرياضة والثقافة والحقوق مثل الفيفا واليونسكو لاختلافهم غير الطبيعي في تدبير أمور الحرب والسلم.
    من المعلوم أن الحرب من الأشياء المكروهة والوضعيات غير المحبذة عند العرب من أقدم العصور وأنها اضطرار يجلب الويلات والدمار ولذا حصل اتفاق على الابتعاد عنها في أزمنة معلومة تجنبا للكوارث وبحثا عن سلامة الأمم التي تفضل البر والرحمة بالآدميين وتشتهر بالمروءة والمودة وأخلاق الضيافة.
    بيد أن كثرة المحن وتزايد الفتن وتعاظم التهديدات وتواتر المؤامرات جعلهم من الأمم الفاقدة للبوصلة التائهة في العالم والباحثة عن الاعتراف والمنتجة للغضب والمصدرة للعنف والدافعة للنزاع في العالم.
    لقد برزت شعارات التعايش والاعتدال والانحناء أمام العاصفة والانفتاح على العالم والشراكة مع الآخر واتفق العرب على الاستسلام والتفويت والتعويم والتخلي عن الثوابت تحت مبدأ حقوقي اسمه المصالحة. وفي المقابل تقلص عدد المتحمسين إلى النضال ومجموع الداعين إلى الكفاح ووضعت جبهة المقاومة في زاوية ضيقة وفقد معسكر الممانعة الكثير من الدول والأحزاب والهيئات والمنظمات العربية الداعمة له.
    إذا كان من الخطأ أن يتفق العرب على خيار السلم زمن المجد والسؤدد وعلى خيار الحرب زمن الضعف والتراجع وذلك للتبعات الضارة والمكلفة التي حصلت عن الخضوع والتطبيع من جهة أولى وعن المقامرة والمغامرة من جهة ثانية فإن الموقف الأصح أن يتفقوا على السلم عند الضعف وعلى المدافعة عند  القوة وأن يبتعدوا قدر الإمكان عن خيارات التنابذ والمشاحنة في تقدير الموقف حول القضايا التي تتعلق بالعلم والتربية والثقافة والرياضة والإعلام والصناعة والطاقة والثروات والموارد بحكم حيويتها وضرورتها وكل تنازع حولها يؤدي إلى خسارتها وإهدارها وتمكين القوى المزاحمة من الاستيلاء عليها واحتكارها.
    لقد اتضح بشكل واضح أن الحديث الدولي على الشراكة والإصلاح والديمقراطية والتعاون والمصالحة بين العالم العربي والعالم الغربي لا يهدف إلى تطوير الشعوب العربية وتمكينها من بناء مؤسسات مدنية وإنما يسعى بشكل خفي لإفساد هذه الأنظمة وترهيب شعوبها وتفريقها وتطويع نخبها وإلحاقها بالعولمة.
    ما يحدث الآن أن معظم الناطقين بلغة الضاد يتجهون في القرن الواحد والعشرين إلى المزيد من التفرقة والانقسام والتحارب وأن المصير المحتوم هو التفويت في الرأسمال الرمزي تارة باسم الحداثة والتنوير وطورا باسم التعقل والاعتدال والانفتاح والمشاركة وأن الموقف يتطلب معجزة ميتافيزيقية بغية الإنقاذ.
    في الواقع لا يفضي خيار التطبيع والتنسيق بعد الاكتفاء والإعداد إلا إلى حصد ألوان الإذلال والضعف والانحلال ولا يؤدي خيار الامتناع والاستبسال سوى إلى الذود على الأوطان وامتلاك القدرة على الرد.
    لن يستعيد العرب زمام المبادرة ولن يتمكنوا من اتخاذ الموقف الصائب في الزمن الصعب وفي الظرفية السائلة إلا لما يقدروا على بناء رؤية جامعة يحكمون منها على المسائل وتشكيل مرجعية وحدوية جامعة.
    من المفروض أن يحقق العرب الإقلاع عن تحكم رجال الدين والمال والأمن في الحياة السياسية وأن يقدر المجتمع المدني على إزاحة سيطرة السلطة الدينية والدولة الاستبدادية والنظام القبلي والانتماء الطائفي.
    كما أن إزالة الالتباس حول جراحات الذاكرة الجماعية وممارسة النسيان السعيد كفيلة بالانعتاق من سجن التاريخ والتخلص من ثقل الميراث والإقبال على الوجود السياسي بالركوب في القطار السياسي السديد. فمتى يتحرر العرب من تداعيات الفتنة الكبرى ويكفوا عن إعادة إنتاج الانقسام حول وحدة الموقف؟
    المرجع:
    1-     الجابري محمد عابد، في نقد الحاجة إلى الإصلاح، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، طبعة 2005  ص185.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media